عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2010, 08:05 PM
المشاركة 68
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ومن هذا التاريخ فقط ..
ظهرت مسألة القوميات التى ما كانت معروفة أبدا طيلة القرون السابقة حيث أن الدولة الإسلامية كانت واحدة ولم يكن هناك من ينادى بأنه مصري أو حجازى أو نحو ذلك إلا لمجرد التعريف بمقامه فحسب وذلك لأن لواء الإسلام كان يجمع المسلمين فى أقطار الخلافة على وطن واحد ويؤكد هذا المعنى أن دعوى القومية والعصبية للجنس أو القبيلة أو الدولة اعتبرها الإسلام دعوى جاهلية بنص حديث النبي عليه الصلاة والسلام عندما أثيرت تلك النعرات فقال ( دعوها فإنها منتنة )
فالإنتماء فى الإسلام لا يعرف الأقطار بل هوممتد ليشمل كل أرض فتحها المسلمون وأقاموا عليها شيئا من حضارتهم حتى لو تم احتلال هذا القطر فيما بعد


ولهذا فالمتأمل فى كتب الفقهاء القدامى فى باب الجهاد يجد بعض القواعد التى تشير إلى هذا المعنى بوضوح
ومنها ما أورده بن قدامه فى المغنى وغيره مما اتفق عليه الفقهاء أنه إذا ديس شبر من أرض المسلمين فالجهاد حينئذ فرض عين وإلا عم الإثم الجميع
ولهذا السبب فإنه حتى فى عهد الدويلات التى امتلكت رقعة أرض الخلافة كان أمراء تلك البلاد يتناسون خلافاتهم عندما يتعرض بلد منهم لحملة صليبية أو مغولية .. والتاريخ يحتفظ بعشرات المعارك التى خاضها جيش مصرفى عهد المماليك دفاعا عن الشام
ولم تسقط حملات الغرب الصليبية إلا بسبب هذا التوحد الإسلامى ولهذا كان الغرب عبقريا فى إدراكه لهذه الحقيقة فسعي أولا لبعثرة هذا النداء على المدى الطويل وفق خطة مذهلة ..
وهذه الخطة وضعها نابليون فى حملته على مصر حيث أدرك باستقراء التاريخ أن المفصل الواقع بين مصر والشام والإتصال بينهما هو السبب الرئيسي فى فشل الحملات الغربية دوما فما إن تشتكى الشام حتى تهب مصر والعكس بالعكس ..
فابتكر خطته المعروفة باسم الورقة اليهودية والتى تحدث عنها محمد حسنين هيكل فى كتابه المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل بالجزء الأول
وكان مؤدى الخطة هو زرع جسم غريب بين المنطقتين يجعل التوحد بينهما مستحيلا ..
وسقط نابليون أمام أعدائه فى معركة ووترلوا لكن الإنجليز فطنوا لخطته ومضوا فى تنفيذها بالفعل وبدأت الهجرات اليهودية من أواخر القرن التاسع عشر تتوالى على منطقة المفصل الشامى المصري برعاية المنظمات اليهودية وآل روتشيلد فى بريطانيا حتى تأسست إسرائيل التى قامت بدور الحارس الأمين ومن المعلومات الغائبة عن أذهان الكثيرين أن المناضلين المصريين أيام الإحتلال الإنجليزى لم يكونوا ينادون بتحرر مصر كدولة مستقلة بل كان نداؤهم وجهادهم كله منصب على عودة مصركولاية من ولايات الخلافة العثمانية وكان زعيم هذا التيار هو مصطفي كامل نفسه والذى كان جهاده بالتواصل مع والى مصر آنذاك ومع السلطان العثمانى باعتباره خليفة المسلمين ..


فلم يكن هناك أى فكرة عن مسألة القوميات فى تلك الفترة ولا حتى القومية العربية التى لم تكن معروفة ولم ينادى بها أحد أبدا طيلة هذا التاريخ بل كان النداء مركزا على الخلافة وحدها وضرورة تحرر أراضيها من الإنجليز ,
ولما سقطت الخلافة وتم تعيين فؤاد الأول ملكا على مصر وتغير مسماه من سلطان إلى ملك لدولة مستقلة هى مصر والسودان بدأت خطة الإنجليز تثمر بدفع الكوادر للمطالبة بحركات تحرر قومى مستقلة وهو ما تم بعد ذلك بالفعل فتسللت ثقافة الشيوعية والقومية إلى عالمنا قادمة من دول غرب أوربا وبلغت أوجها فى الخمسينيات والستينات وتخلت مصر طواعية عن السودان والذى كان هو السبب الرئيسي فى فشل مفاوضات الصلح بين الوفد وبين الإنجليزفقبلت الثورة فيما بعد هذا الإنفصال لتستقل مصر وحدها كدولة ..