عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2010, 08:05 PM
المشاركة 67
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أزمة التيار القومى ..

مأزق أمة الإسلام اليوم , لا يتعلق إلا ببند واحد تتقافز الأسباب حوله وتتجمع عليه ,
ألا وهو مأزق التاريخ ,
فالتاريخ لأى أمة هو الموجه والمعلم والأساس الذى ينبنى عليه المستقبل ,
وهو أمر لا تتخلى عنه الأمم إلا بعد هوانها على نفسها قبل أن تهون على العالم من حولها , بينما سائر الأمم حتى في التقدم المادى وغلواء الواقعية نجد أنها تحفر بأظافرها لتتشبث بتاريخها مهما كان بسيطا أو عارضا , بل وتجنح لاختراع التاريخ إذا لم تتوافر لها أسباب الحضارة والجذور ,
وتتمسك بالخيال وقصص الأساطير أحيانا وتبالغ في تمجيدها إذا خلا تاريخها من غيرها , أو تجنح إلى أعمق أعماق التاريخ البعيد لتتمسك بشظايا مجد كان !
ولعل المتأمل في ممارسات الغرب سواء في أوربا أو الولايات المتحدة يلحظ هذا بوضوح , فلم تكتف الأمة الأوربية بأنها وصلت نفسها بالحضارة الرومانية واليونانية التي يفصلها عنها مئات السنين والقرون ,
بل جنحت إلى كتب الأساطير وجعلت منها واجهة ثقافية , ولا زالت السينما الأوربية والغربية عموما تتشبث بأسطورة ( أخيل ) وتصنع لها الأفلام المثيرة , أو أسطورة هرقل ( هركليز ) أو ( زينا ) المحاربة القديمة !
بينما إذا ذهبنا نحن مثقفو العالم الإسلامى إلى تاريخنا البديع الذى شهد عشرات الآلاف من الأساطير الملهمة الحقيقية , خرج علينا نفر الكُتاب والمحللين المتأثرين بالغرب ليستنكروا إغراقنا في كهوف الماضي كما يسمونها !
ولست أدرى كيف يطالبون بتجاهل ثوابت الأمة التي لا زالت آثار تاريخها ناصعة بالأحداث والمؤثرات , بينما يمتدحون موقف الغرب المغرق في الخيالات !


لكن هكذا جاءت ضربة الغرب
فعندما عجز عن انتزاع قوة العقيدة الإسلامية بقوة السلاح , كان لابد من ضربها من داخلها , فقام بنشر فكره أثناء فترة الإستعمار عبر عملاء مكشوفين أحيانا أو عن طريق التجنيد غير المباشر في أحيان أخرى عن طريق تفريغ عقول المثقفين غير المنتبهين من ثوابت حضارتهم ودفعهم لما يسمونه بالفكر الحديث
والقسم الأول من العملاء الذي مارس عمله بشكل مكشوف وعمالة صريحة , مارس عمله من خلال المؤسسات الصحفية التي أنشأتها أموال الغرب بمسميات مختلفة , وقنوات فضائية بإمكانيات هائلة تمكنها من نشر الأهداف الغربية في تجريف الإنتماء الإسلامى والعربي , وأيضا عبر مؤتمرات ومراكز ثقافية مغطاة بغلاف البراءة ودعم الثقافة وكلها تمارس عملها بدعم غربي كامل وهائل أيضا !
وليس سرا أن إحدى المؤسسات الصحفية العملاقة في مصر أنشأتها المخابرات المركزية الأمريكية لمكافحة الشيوعية والإسلام معا والدعوة للنموذج الغربي [1] واشتهر أمرها لدرجة أن بائع الجرائد في الأربعينات وأوائل الخمسينيات كان ينادى عليها بقوله ( إقرأ جريدة السفارة الأمريكية ! )


أما القسم الثانى فهم المفكرون الذين جرفتهم نظرية الإنبهار فانتموا عقلا وقالبا للمذاهب الإنسانية الجديدة التي قامت في القرن العشرين وحاولوا نقلها بعد تعريبها ,
ولئن كان القسم الأول غير ذى بال في التأثير باعتبار أن إنكشاف أمره سهل لذوى العقول ,
فالقسم الثانى له خطورته وتأثيراته الهدامة الفادحة لأنه يقول ويروج لتلك الثقافات عن اقتناع كامل وإيمان عنيف !
ومنها سلسلة مفكرى العلمانية والوجودية والشيوعية ( التي تم نقلها باسم الإشتراكية والقومية ) وغيرها ,


ولم نعان في العالم العربي قدر ما عانينا من حقبة أفكار القومية , والتى تفتحت بشكل كبير في عصر جمال عبد الناصر الذى أشعل جذوتها بوطنية حقيقية ورغبة مخلصة ,
لكن النوايا الحسنة لم تكن بالطبع كافية !
فكان أن وقعنا في تناقضات بلا نهاية وانتهت التجربة إلى فشل ذريع بعد أن استمدت الفكر القومى من الفكر الشيوعى أو الاشتراكى واتخذت الفكر الإسلامى عدوا لها أو في أقل الأحوال صديق يجب إسكاته !


وقضية الإنتماء القومى للأقطار ليست قضية قديمة كما نتصور بل هى قضية معاصرة لا تتعدى المائة عام ونجح الإستعمار فى بثها أثناء الإحتلال عندما تمكن من القضاء على الخلافة الإسلامية العثمانية ومزق أوصالها تمزيقا .. ثم قامت اتفاقية سايكس بيكو بالبقية الباقية حيث تمكنت من تقسيم وترسيم الحدود بين أقطار الخلافة الواحدة والتى ظلت لمدة ثلاثة عشر قرنا عبارة عن وطن واحد وبلد واحد لا يرتفع فيه صوت قومى مطلقا
وقبل الدخول فى صلب القضية يجب علينا التنبيه على حقيقة هامة نغفلها دوما وهى أن الخلافة الإسلامية لم تسقط كما يظن البعض بمضي الخلافة العباسية أو بمجئ التتاربل ظلت الخلافة قائمة حتى سقوط الدولة العثمانية ..
أى أن الحضارة الإسلامية استمرت قائمة حتى بعد سقوط العباسيين أيام المغول وذلك أن جيش مصر والشام تمكن من دحر المغول ورد هجماتهم وأُعيدت الخلافة العباسية مرة أخرى وإن كانت تقسمت إلى عدة دويلات وإمارات إلا أنها جميعا كانت تحت الحكم والإشراف العام للخليفة
وتناوبت الدول الإسلامية فى الحكم حتى ظهرت دولة العثمانيين واتسعت رقعة الخلافة الإسلامية إلى قريب من حدودها القديمة وظلت حاكمة لثمانية قرون ودحرت أوربا دحرا كاملا واستولت على مناطق شاسعة منها , وكان الراكب يمتطى جواده أو جمله سائرا من المغرب حتى يصل لحواف الخليج العربي , دون أن تقابله شرطة حدود ! أو حرس دولة ! حتى جاء وقت انهيار العثمانيين فى بدايات القرن التاسع عشر وسقطت الخلافة سقوطا نهائيا فى هذاالتاريخ




الهوامش :
[1]ـ بين الصحافة والسياسة ـ محمد حسنين هيكل ـ دار المطبوعات للنشر والتوزيع