عرض مشاركة واحدة
قديم 10-30-2010, 09:54 PM
المشاركة 64
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
خامسا : كان من الغريب جدا أن تتزامن الدعاية الإسرائيلية والأمريكية حول عملية الثغرة مع المحاكمات التي جرت لجميع القادة العسكريين أمام لجنة الكنيست الإسرائيلي المعروفة باسم ( لجنة أجرانات ) والتى خرج تقريرها يدين جميع القادة العسكريين الإسرائيليين في حرب أكتوبر ابتداء من رئيس الأركان وحتى باقي قادة الأفرع الرئيسية دون أن يحتوى تقرير أجرانات على أى تنويه يوحى بأن هؤلاء القادة حققوا أدنى انتصار في أى معركة من معارك حرب أكتوبر !
بل خرج التقرير بالإدانة الكاملة لكافة هؤلاء القادة والتوصية بتقاعدهم جميعا !
فأين هو الأثر العملى للنصر الإفتراضي الذى حققوه في وسائل الإعلام وبرهنوا على عكسه بتصرفاتهم بعد الحرب
وحتى عندما خرج تقرير لجنة أجرانات يرفع المسئولية عن القادة السياسيين ويتهم العسكريين وحدهم كان هذا غريبا لأن قرار عملية الثغرة كان قرارا عسكريا محضا وعندما تدخلت القيادة السياسية ممثلة في وزير الدفاع موشي ديان رفض رئيس الأركان وباقي القادة الأخذ برأيه وأصروا على الإستمرار رغم الخسائر ,
فهذا معناه أن تقرير لجنة الكنيست يشهد بأن الفشل العسكري لهؤلاء القادة كان فشلا كاملا وإلا ما أوصي بتقاعدهم
وفى مذكراته برهن إيلي زاعيرا مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية ( أمان ) على أن التقصير والفشل كان سياسيا وعسكريا وأن خروج تقرير لجنة أجرانات بقصر المسئولية على القادة العسكريين تم بضغوط سياسية على اللجنة
ولهذا عندما خرج تقرير اللجنة بعدم إدانة جولدا مائير وموشي ديان قامت المظاهرات والإحتجاجات حتى اضطر كلاهما إلى الإستقالة والدعوة لانتخابات جديدة فاز فيها حزب العمل برياسة اسحق رابين ,
فلماذا استقالت جولدا مائير وموشي ديان وهما ـ طبقا للدعاية الإسرائيلية ـ قادا إحدى المعارك الناجحة في حرب أكتوبر وهى معركة الثغرة ؟!
ولماذا لم يضع صانع القرار الإسرائيلي هذا النصر في اعتباره يا ترى ؟!
وأين هو الواقع العملى للدعاية الإسرائيلية التي انتشرت في العالم أجمع وقالت بأن معركة الثغرة غيرت محور الحرب وغيرت نتيجتها في نهاية القتال ؟!
أليس من المفترض ـ طبقا للدعاية ـ أن يكون النصر الأخير لإسرائيل مغيرا وفاعلا في نتيجة المكاسب السياسية على الأرض بعد وقف القتال ؟!
فلماذا فر الإسرائيليون من مواقعهم وأخلوا الضفة الغربية وقبلوا الدخول في مفاوضات الكيلو 101 ثم مؤتمر جنيف والذي أفضي إلى انسحاب كافة القوات الإسرائيلية غرب القناة , ثم توالى الإنسحاب بعدم ذلك وأخذ الضمانات على الطرفين بعدم تجدد القتال
وكانت كل الضمانات المطلوبة تصب في الجانب المصري , فألح كيسنجر في اتخاذ السادات ضرورة منح إسرائيل ما يطمئنها إلى أن القوات المصرية لن تبادر بتجديد القتال مرة أخرى !!
وهل هذا الذعر والخوف من تجدد الإشتباكات يتناسب مع روح المنتصر التي ادعتها إسرائيل ؟!
الأكثر من ذلك أن إسرائيل جندت جميع عملائها في مصر كى يأتوا لها بخبر تجدد القتال قبل وقوعه
وكان توقعهم يقارب الفزع إلى درجة أنهم رصدوا مليون دولار لأحد أشهر عملائهم في مصر إذا نجح في إنذار الإسرائيليين قبل الهجوم المصري الجديد [1]


سادسا : تقوم الإستراتيجية العسكرية على أن مفاهيم النصر والهزيمة مرهونة بتحقيق الأهداف بالنسبة للطرف الإيجابي ومنع تحقيق هذه الأهداف بالنسبة للطرف المدافع ,
كما تقوم مفاهيم النصر والخسارة على تغير الواقع العملى على الأرض فيتم تحديد المنتصر من المهزوم بدراسة الأوضاع قبل اشتعال المعارك والنظر إليها بعد وقف القتال ,
ولهذا كانت إسرائيل منتصرة فى حرب يونيو 67 م لأن خريطة المنطقة تغيرت وتمكن الجيش الإسرائيلي من بسط نفوذه على أرض سيناء ,
وأيضا بدراسة الوضع بعد حرب أكتوبر مباشرة نجد أن الخريطة تغيرت لصالح الجيش المصري حيث سيطر على سيناء من القناة حتى منطقة الممرات وكل هذه الأراضي كانت خاضعة للإسرائيليين ,
وبالتأمل فى أهداف معركة الثغرة الإسرائيلية نجد أنها فشلت فى تحقيق جميع أهدافها دون استثناء وبالتالى انسحبت دون مكاسب فى نفس الوقت الذى ظلت فيه القوات المصرية مسيطرة على الجزء المحرر من سيناء ,
وإذا تأملنا أهداف معركة أكتوبر من الجانب المصري نجد أن التوجيه الإستراتيجى الذى وجهه الرئيس السادات إلى المشير أحمد إسماعيل يوم 5 أكتوبر قد تحقق بكل بنوده ,
فقد أصدر الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة الأمر إلى قواته بكسر وقف إطلاق النار وتكبيد العدو أكبر الخسائر الممكنة فى الأفراد والأسلحة والمعدات والعمل على اقتحام خط بارليف والإستيلاء على مواقع العدو فى سيناء على مراحل وفق إمكانيات القوات المسلحة المصرية ,
وكل هذا تحقق بفضل الله إلى أبعد مدى ممكن , فضلا على تحقيق الهدف الإستراتيجى الأول ـ طبقا للتوجيه ـ وهو كسر نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة على نظرية الحدود الآمنة وخط الدفاع الثابت ,
وقد ولت إلى الأبد أسطورة الأمن الإسرائيلي والجيش الذى لا يقهر بعد حرب أكتوبر , ولم يجرؤ قائد إسرائيلي واحد على ترديد نغمة الجيش الذى لا يقهر بعد حرب أكتوبر ولم نسمعها ولو لمرة واحدة رغم أنها كانت سائدة ليل نهار فى وسائل الإعلام منذ حرب يونيو 67 وحتى بداية معارك أكتوبر 73 م ,


فضلا على أن العدو نفسه اعترف بجلاء ووضوح بهزيمته الفادحة , وذلك بعد زوال أثر شائعات الثغرة سريعا مع الإجراءات التى تم اتخاذها فى إسرائيل سواء بمحاكمة القادة المهزومين أو تخلى إسرائيل عن مكاسب حرب يونيو أو فى كمية الإعترافات المذهلة من هؤلاء القادة بالهزيمة والتى عرضنا أغلبها خلال الفصول السابقة ,
هذا فى نفس الوقت الذى كان فيه الرئيس السادات يقلد أبطال أكتوبر نياشين النصر ,
ولأن الحقيقة لابد لها من فرض قوتها فى النهاية فقد أثبتت السنوات السابقة كلها أن إسرائيل لم تتجرع فقط هزيمة عسكرية يسهل نسيانها مع السنوات , بل تجرعت هزيمة ساحقة وقياسية لا زالت تمضغ آثارها حتى يومنا هذا رغم مرور ستة وثلاثين عاما على معارك حرب أكتوبر ,
ولا زالت تظهر كل عام الوثائق والتقارير التى تفيد مدى انتصار العرب فى تلك الحرب المجيدة , وكان آخرها تقارير جريدة ( يديعوت أحرونوت ) الذى كشفته فى السادس من أكتوبر لهذا العام وحمل الصورة الكاملة للانهيار الإسرائيلي من الداخل بين القادة السياسيين والعسكريين على حد سواء
كما نقلت تصريحات رئيس الوزراء الحالى بنيامين نتناياهو حول هذا الأمر وحملت تصريحاته مرارة الذكرى التى لم تمحها الأيام وتكشف فى وضوح عن عجز الدعاية الإسرائيلية حتى فى مجرد إقناع نفسها بما رددته أيام حرب أكتوبر !
هذا بالإضافة إلى ما أعطته حرب أكتوبر من المعارف فى مجال العلوم العسكرية وتم اعتبارها أكثر المعارك قوة بعد الحرب العالمية الثانية , والمعركة التى أضافت نظريات جديدة فى مجال القتال وهدمت نظريات أخرى سادت ميادين القتال طيلة الفترة بين نهاية الحرب العالمية الثانية وبين معارك حرب أكتوبر ,
وكما قلنا وكررنا دائما أن الحق كل الحق فيما شهدت به الخصوم والأعداء , وقد طالعنا ما اعترف به العدو من انتصار مذهل إلى درجة تثير الإستغراب الشديد من ظهور بعض الأقلام العربية التى تروج لدحض هذا الإنتصار أو تقليل قيمته !!
وكأن هذه الأطراف أصبحت ملكية أكثر من الملك فتشهد لأعدائها بتفوق هم أنفسهم غير معترفين به !
فإن لم يكن اعتراف الخصم بالهزيمة واعترافه بأن وجوده ذاته كان محل شك فى تلك الحرب , فما هى الهزيمة الكاملة إذا ؟!
وإن لم يكن انتصارنا فى حرب أكتوبر هو الإنتصار الكامل فما هو الإنتصار الساحق إذا ؟!
تم الفصل الثانى بحمد الله , ويليه الفصل الثالث ويختص بمعالجة بعض الكتابات التى تناولت معارك أكتوبر




الهوامش :
[1]ـ كل شيئ هادئ فى تل أبيب ـ حسنى أبو اليزيد ـ الدار المصرية للطبع والنشر