المواجهات بعد وقف إطلاق النار : بعد اختراق إسرائيل لوقف إطلاق النار وجهت قواتها إلى الإستيلاء على مدينتى السويس والإسماعيلية وهى المحاولات التي انتهت بالفشل وظهرت فيها عدة بطولات مصرية فردية قامت بها قوات الصاعقة والمظلات بالإضافة إلى مجموعات المقاومة الشعبية التي تمكنت من ضرب أروع الأمثلة على صلابتها , فقد اندفعت قوات فرقتى كلمان ماجن وإبراهام أدان في محاولة عزل مدينة السويس لمحاصرتها وفى أول أيام الإندفاع تكبدت الفرق الإسرائيلية 80 دبابة من المقاومة الفردية للوحدات المصرية رغم مفاجأة المصريين بخرق العدو لإطلاق النار وهنا تحركت الفرقة الرابعة المدرعة التي تم تكليفها بمهمة تأمين النطاق التعبوى للجيشين الثانى والثالث , ومع مفاجأة اندفاع الإسرائيليين تمكن قائد الجيش الثالث اللواء عبد المنعم واصل من تغيير مركز القيادة المتقدم ومواصلة مهمته لتأمين طريق القاهرة ـ السويس , بعد أن اخترق الإسرائيليون موقع مركز قيادته الأول وأكملت وحدات العدو تقدمها في اتجاه مدينة السويس بغرض الإستيلاء عليها , وتم تقسيم قواتها يوم 24 أكتوبر لتقوم الوحدات المدرعة بمهاجمة المدينة من ثلاث اتجاهات , وكانت هناك ثقة كاملة من العدو من سهولة تنفيذ المهمة نظرا لأن المدينة كانت خالية من شعبها تقريبا إلا القليل فضلا على أن المقاومة المصرية تفتقر إلى أى قوات مدرعة , ورغم أن السويس كانت خالية من الوحدات العسكرية وليس هناك توقع من استهداف العدو لها فلم يتم اتخاذ خطط لتأمينها ضد هجوم مدرع على هذا النحو , إلا أن انكشاف خطة الثغرة أمام القيادة المصرية وإدراكها بأهداف العدو كان هو السبب في تلاحم قوات الصاعقة والمظلات وبعض الجنود والإداريين مع أفراد المقاومة الشعبية لتغيير الموقف في السويس تغييرا كليا حيث تم توزيع الأسلحة المضادة للدبابات والقنابل والمفرقعات اليدوية والأسلحة الخفيفة على قوات المقاومة وتم تجهيز مدينة السويس كفخ للقوات الإسرائيلية المدرعة , وبدأت الدبابات الإسرائيلية في التقدم وفق الخطة وتركها أفراد المقاومة تدخل للمدينة التي بدت لهم خالية تماما من سكانها ومن المقاومة , وعندما توغلت الدبابات الإسرائيلية انفتحت أبواب الجحيم على المدرعات الإسرائيلية وناقلات الجنود عبر نوافذ العمارات التي ظنها الإسرائيليون خالية ومع المفاجأة وحسن توزيع النيران تكرر المشهد الخالد في بداية الحرب مرة أخرى وقفز الجنود الإسرائيليون من الدبابات تاركينها لمصيرها بعد الفزع الذى لاقوه من صيحة ( الله أكبر ) رغم أنه فزع غير مبرر من الناحية المنطقية فلم تكن في مواجهة الإسرائيليين المسلحين بالمدرعات إلا قوات شعبية في معظمها ومسلحة بالأسلحة الخفيفة , إلا أن هذا النصر الساحق كان ـ كما كررنا دائما ـ وعدا إلهيا في القرآن الكريم حيث يقول عز وجل : [إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ] {الأنفال:12} وهذا ما تحقق في ملحمة المقاومة الشعبية المطعمة بأفراد القوات المسلحة في السويس وتسببت في تدمير أرتال من دبابات العدو فضلا على خسائره العنيفة في الأفراد الذين وقعوا في يد الأهالى بين قتيل وجريح وأسير , وتراجعت بقية القوات المدرعة للفرقتين إلى خارج المدينة كما تمكنت المقاومة الشعبية من حصار قوة المظلات الإسرائيلية التي احتلت قسم الشرطة بعملية إنزال , لكن العملية فشلت بعد أن ضربت المقاومة الحصار حول القسم واقتحمته وحررته , وهكذا قبعت دبابات العدو وبقية قواته خارج مدينة السويس في نفس الوقت الذى نجحت فيه قوات الجيش الثالث في منع العدو من أى تهديد لطريق القاهرة ـ السويس ولا شك أن ملحمة السويس في حرب أكتوبر كانت ملحمة بطولية تعرضت لها المراجع الإسرائيلية نفسها بشيئ كبير من الرهبة والندم على محاولة اقتحام المدينة , وبعد أن وصفت المراجع الإسرائيلية الفخ الذى وقعت فيه قوات الفرقتين المدرعتين خلصت إلى نتيجة أن محاولة اقتحم مدينة السويس كانت خطيئة مميتة دفعت إسرائيل ثمنها غاليا [1] ولم يكن حظ قوات الجنرال شارون أفضل , حيث مضي في طريقه يحدوه أمل تحقيق مجد شخصي عن طريق احتلال مدينة الإسماعيلية , وهناك تجهزت قوات الصاعقة والمظلات المصرية من الكتيبة 89 مظلات والكتيبة 81 مظلات والكتيبة 85 مظلات للتصدى لألوية المدرعات والمظلات الإسرائيلية , وفشلت أولى محاولات لواء الماجور دانى مات للاستيلاء على موقع سرابيوم الحيوى وتراجعت قوته بخسائر كبيرة ولما حاول إعادة الهجوم جنوب سرابيوم تصدت له الكتيبة 81 مظلات مما أفشل الهجوم مرة ثانية وزاد من خسائره , وقام شارون بمد لواء دانى مات بكتيبة مدرعات التي اخترقت موقع سرابيوم فما كان من قوة الكتيبة 81 إلا أن نسفت الكوبري القائم على الترعة الحلوة والإرتداد شمالا , وأصدرت القيادة المصرية أوامرها إلى اللواء 118 مشاة باحتلال الخط الدفاعى بمحاذاة ترعة الإسماعيلية في نفس الوقت الذى تقوم به قوات اللواء 182 مظلات بالتمسك بموقع طوسون الدفاعى , ورغم نجاح العدو في تأمين ساحة العبور إلا أن هذا التأمين تهدد بعمليات الصاعقة التي تم إعدادها من القيادة لمواجهة العدو جنوب ترعة الإسماعيلية , وفى هذه الفترة استشهد العميد إبراهيم الرفاعى وهو يقاتل وحدات العدو المدرعة وكان رحمه الله أبرز أبطال حرب أكتوبر والرجل الذى دوى اسمه في إسرائيل مقرونا بعملياته الفدائية الرهيبة أثناء حرب الإستنزاف بسبب قيادته لمجموعة المخابرات التي عرفت باسم ( المجموعة 39 ) وقد استشهد بطلقة دبابة كاملة ومن الغريب أن وجدوا جسده وعلى وجهه إشراقة نورانية مصحوبة بابتسامة ليست مستغربة على من قدم حياته في هذا الجهاد , وقامت الصاعقة والمظلات بعمليات مكثفة هدفها تهديد أى استقرار للعدو في تلك المنطقة ومنع تقدمه فقامت بنسف الجسر الشرقي لترعة السويس وهى الترعة التي تغذى مدينة السويس بالمياه , وغرقت منطقة المزروعات مما جعل الدبابات الإسرائيلية التي تهاجم موقع الكتيبة 89 مظلات تغرق في الأرض الموحلة ويتوقف تقدمها تماما , في نفس الوقت التي قامت فيه مجموعات الصاعقة بتأمين واحتلال ثلاث قواعد للكمائن في طريق تقدم العدو نحو الإسماعيلية في مناطق جنوب غرب الكوبري العلوى وجنوب أبو صوير وجنوب المحسمة , الهوامش : [1]ـ المعارك على الجبهة المصرية ـ جمال حماد ـ دار الشروق ـ مصدر سابق