اختراق إسرائيل لوقف إطلاق النار : في كل المعارك الحربية التي خاضتها إسرائيل قامت بخرق وقف إطلاق النار بعد تعدها بالإلتزام , ولم تشذ عن هذا الأسلوب في أى معركة لما يحققه لها من مكاسب على الأرض إذا التزم الطرف المقابل لها بقرار الوقف أو الهدنة , ففي معركة 48 قامت بخرق الهدنة عقب قبولها , وفى حرب 56 أثناء العدوان الثلاثي , وحتى في حرب 67 رغم المكاسب التي حققتها فقد قامت بخرق وقف إطلاق النار واجتاحت هضبة الجولان السورية يوم 9 يونيو , وفى أثناء معارك حرب أكتوبر ورغم إعلانها الرسمى بقبول قرار وقف إطلاق النار كان النية مبيتة هذه المرة ومتفق عليها بين جولدا مائير وبين هنرى كيسنجر الذى تعهد تماما بتغطية خرق إسرائيل لوقف إطلاق النار بعد هذا الإنهيار الذى كان يهدد موقف جيشها عقب فشله في استغلال الوقت لتحقيق أى هدف تكتيكى من عملية الإختراق , وقد أصيب الإسرائيليون بخيبة أمل شديدة عندما حل وقف إطلاق النار لأن الفرق الثلاث جميعا لم تنجح في مجرد الوصول إلى المناطق التي تم تكليفها باحتلالها , فضلا على أنها لم تكن تحكم قبضتها على الأراضي التي استولت عليها بمساحة عرضية 20 كيلومتر غرب القناة بسبب التسرع في الإنطلاق والإندفاع الذى كان يحكم القوات الإسرائيلية مما دعاها لتفادى المقاومة المصرية من خلال نقاط المرور وعدم الإصطدام بها , وهكذا كان الوضع خطيرا أمام القوات الإسرائيلية مساء يوم 22 أكتوبر حيث تداخلت خطوط مواصلات القوات الإسرائيلية مع الخطوط المصرية وأصبح كل منهما يهدد خطوط الآخر إلا أن التهديد من الجانب المصري كان أفدح تأثيرا لأن الإرتباك كان يسود سائر خطوط العدو غرب القناة وهو الأمر الذى يسر شن حرب استنزاف ثانية ـ على حد تعبير المحللين العسكريين ـ ضد القوات الإسرائيلية غرب القناة , وكان هنرى كيسنجر لا يزال يعيش في أوهامه , ففي البداية كان يظن أن إسرائيل ستأخذ المبادأة بعد 48 ساعة من الحرب وستقوم خلال هجومها المضاد الأول بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل يوم السادس من أكتوبر , ولهذا أفرط في استخدام الجسر الجوى الذى مد إسرائيل بأسلحة متفوقة كما وكيفا , فلما فشلت جميع الهجمات المضادة الإسرائيلية ووصلت الخسائر الإسرائيلية إلى حد مفزع , أعطى كيسنجر أمله وطموحاته إلى موقف الثغرة باعتبار أن نجاح إسرائيل في تصفية القوة المصرية غرب القناة سيتيح لها تصفية الكباري في الشرق وبالتالى تحطيم الجيش المصري أو دفعه للإستسلام , لهذا كان هو البادئ باقتراح خرق وقف إطلاق النار قبل حتى أن تطلبه إسرائيل عندما أرسل لجولدا مائير برقية يخبرها فيها أن الولايات المتحدة ستتفهم الوضع إذا قامت إسرائيل بخرق إطلاق النار لعدة ساعات إضافية , ولكن كيسنجر فوجئ بأن إسرائيل لا تطلب بضع ساعات كما توقع بل تطلب أياما , وهو ما دفعه إلى محاولة تعطيل الإتحاد السوفياتى عن القيام بأى احتجاج أو التصرف في هذا الأمر وفى نفس الوقت استخدم مع الرئيس السادات أسلوب الحقن المخدرة حتى يستطيع أن يكسب لإسرائيل يومين إضافيين ونجح هذا الأسلوب مؤقتا إلا أن يوم 24 أكتوبر كان يوما حافلا في السياسة العالمية حيث أن إسرائيل استمرت في محاولاتها لإكمال مهمتها غير عابئة بالموقف الدولى اعتمادا على كيسنجر لكن كيسنجر تعرض لموقف صعب بعد أن أدرك السوفيات لعبة كيسنجر وعليه أرسلوا إليه بصور الأقمار الصناعية التي توضح اختراق القوات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار عمدا وأن القوات المصرية التزمت بالقرار بعكس ادعاء إسرائيل أن قوات الجيش الثالث كانت هى البادئة بالخرق ! وحاول كيسنجر تهدئة أعصاب برينجنيف إلا أن هذا الأخير كان قد أدرك أن كيسنجر يستمر في التلاعب به , وعليه أرسل ثلاث رسائل متوالية شديدة اللهجة إلى ريتشارد نيكسون الذى كان قد أعطى كيسنجر سائر الصلاحيات , وهدد بريجنيف في رسالته الأخيرة بالتصرف مفردا وبالقوة المسلحة لوقف تجاوزات إسرائيل واستدعى كيسنجر السفير الإسرائيلي وحمله رسالة عاجلة لجولدا مائير بأن الموقف الدولى أصبح في وضع بالغ الخطورة وليس من مصلحة إسرائيل الإستمرار في تحدى القرار الدولى إلى هذا الحد , لا سيما وأن الرئيس السادات أيضا أرسل إليه يسحب جميع تعهداته السابقة ويهدد بتصفية الثغرة عسكريا , ورغم هذا كان رد فعل جولدا مائير يوضح مدى الإستخفاف الذى تتعامل به إسرائيل مع الأوضاع الدولية حتى لو أدت إلى مواجهة نووية بين القوتين العظميين في العالم , فقد ردت على كيسنجر بعد يومين كاملين من اختراق وقف إطلاق النار بأن جنرالاتها رجوها في بضع ساعات إضافية وأنها لم تستطع أن ترفض رجاءهم , وهكذا قرر كيسنجر أن يقبل التحدى السوفياتى , وكما استعدت الفرق الجوية السوفياتية المحمولة جوا للعمل بناء على قرار برينجنيف قبيل إرسال رسالته الأخيرة إلى نيكسون , قرر كيسنجر في اجتماع مجموعة العمل المصغرة أن يرفع درجة التأهب النووى في سائر القواعد الأمريكية في أنحاء العالم ورفع درجة استعداد القوات الأمريكية في تلك القواعد والاستعداد للعمل في منطقة الشرق الأوسط ضد مصر إذا أرسل السوفيات قواتهم إليها , ووقف العالم أجمع على شفا حرب نووية بين الدولتين بسبب معارك الشرق الأوسط واستمر خرق إسرائيل لوقف إطلاق النار حتى يوم 28 أكتوبر أى أنها استمرت في ذلك لمدة ستة أيام كاملة حتى تم فرض وقف إطلاق على خطوط جديدة مخالفة لخطوط 22 أكتوبر عن طريق استخدام قوات الأمم المتحدة في مراقبة وقف إطلاق النار بين الجانبين , ورغم كل هذه الإنتهاكات فقد انتهت المحاولات الإسرائيلية إلى الفشل الذريع بعد فشل خطة تصفية رءوس الكباري المصرية بالإضافة لفشل شارون في السويس وفشل إبراهام أدان وكلمان ماجن في الإسماعيلية رغم أنهم نجحوا في الحصار الجزئي للجيش الثالث الميدانى إلا أن القوات المصرية كانت تحاصر الجيب الإسرائيلي تماما , وقد رد كيسنجر على رسالة السادات التي هدده فيها بنسف الثغرة بما عليها ومن عليها بأنه لن يرضيه أن يدمر فيلقا إسرائيليا كاملا بكل ما يحمله من أسلحة أمريكية , وهدده تهديدا مبطنا ووعده بأن إسرائيل ستلتزم بالإنسحاب من مواقعها في الغرب عقب المحادثات التي تمت فيما بعد تحت اسم محادثات الكيلو 101 , وعلى إثرها انسحبت القوات الإسرائيلية دون أى مكسب من غرب القناة ونفذت الإنسحاب الكلى من سيناء على مراحل متفاوتة ,