عرض مشاركة واحدة
قديم 10-30-2010, 09:34 PM
المشاركة 56
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وكان القرار محصلة الإتصالات السياسية التي تمت خلال أيام الحرب ,
والتى تكثفت بشكل كبير بعد دخول الحرب أسبوعها الثانى واشتعال المعارك السياسية في العالم أجمع من جراء الصراع في الشرق الأوسط
ولذا قام الإتحاد السوفياتى بدعوة هنرى كيسنجر لمفاوضات مباشرة في موسكو توفيرا لوقت كى يبحث الطرفان سبل إلزام أطراف القتال بقرار اقترحه الإتحاد السوفياتى وهو القرار 238 ,
وذهب هنرى كيسنجر إلى موسكو وأجرى اتصالات سياسية مع ليونيد بريجنيف زعيم الإتحاد السوفيتى وقتها وسكرتير عام الحزب الشيوعى وتم الإتفاق على أن التقدم بمشروع القرار وفق الموعد المتفق عليه وهو السادسة من مساء يوم 22 أكتوبر ,
وفى تل أبيب دعت جولدا مائير أعضاء حكومتها يوم 21 أكتوبر للنظر في الأمر وانتهت إلى قبول وقف إطلاق النار في الموعد المحدد وبالتالى وافق مجلس الأمن على القرار بالإجماع ,
ولكن جولدا مائير كانت قد أضمرت خرق وقف إطلاق النار حتى تنفذ خطتها التي تكبدت بسببها خسائر فادحة ,
ولهذا أرسلت لهنرى كيسنجر أن يمر على تل أبيب في طريق عودته من موسكو , [1]
ودارت بينهما مناقشات حول هذا الأمر وانتهت إلى نصيحة كيسنجر أن تمضي في تنفيذ خطتها كما هى وتمنح جنرالاتها الفرصة لخرق وقف إطلاق النار والسعى لإكمال حصار الجيش الثالث واحتلال مدينتى الإسماعيلية والسويس , ولكن في فترة أقصاها المدة التي تستغرقها طائرة هنرى كيسنجر للعودة إلى واشنطن ,
وأصرت جولدا مائير على أن تأخذ من هنرى كيسنجر ضمانا كاملا بمنحها الوقت الكاف حتى لو تجاوز ما حدده كيسنجر لأن أوضاع القوات الإسرائيلية الآن ليست في صالحها , وطلبت جولدا مائير مساندة كيسنجر لإيقاف ضغط الإتحاد السوفياتى حتى تتم القوات الإسرائيلية مهمتها
ومن الطائرة استخدم هنرى كيسنجر ألاعيبه السياسية وأرسل عددا من البرقيات إلى سفير الإتحاد السوفياتى في الولايات المتحدة ولم يكن الغرض من تلك البرقيات إلا تضييع الوقت والوعود بعقد مؤتمرات متابعة لقرار وقف إطلاق النار ,
وفى نفس الوقت مارس نفس اللعبة مع القاهرة من خلال برقيات تفتح موضوعات للمفاوضات مع الرئيس السادات كان هذا الأخير يتبادلها معه وكان الغرض أيضا هو تضييع الوقت ومنح إسرائيل الفرصة الكاملة لتعديل أوضاعها المزرية على الجبهة لا سيما بعد فشل الإسرائيليين في تحقيق أى هدف تكتيكى من عملية الثغرة , وأصبحت معرضة للحصار بدلا من أن تصبح القوة الإسرائيلية هى قوة الحصار للجيشين الثانى والثالث

وكان الفريق الشاذلى قد عاد من الجبهة يوم 20 أكتوبر بعد أربعين ساعة قضاها في مقر قيادة الجيش الثانى , وطلب الفريق الشاذلى حضور الرئيس السادات لمركز القيادة رقم 10 حتى يتم حسم الخلاف في الطريقة المثلي لمعالجة الثغرة بعد أن رفض الوزير اقتراح الشاذلى بسحب أربعة ألوية مدرعة من القوات المصرية في الشرق إلى الغرب حيث تعمل على مواجهة العدو هناك وتقوم بتصفيته أو تحجيمه ,
وكان هذا الخلاف هو أول خلاف عنيف يتم بين الرئيس السادات والفريق الشاذلى حيث جاء السادات لمقر القيادة واستمع لشرح الموقف من القادة ومن الوزير وعلم أيضا باقتراح الفريق الشاذلى وكان قراره الرفض القاطع لسحب أى جندى من الشرق إلى الغرب لسببين هامين :
الأول : أن سحب الألوية الأربعة لن يمكن من القضاء على الثغرة التي يوجد بها للعدو سبعة ألوية مدرعة كاملة واستقرار الأوضاع شرق القناة أمر لا مفر منه ولا يجوز التلاعب به وتهديده بسحب أى قوة منه
الثانى : أن الحاجة ليست ملحة لأن الوضع ليس من الخطورة الشديدة التي تستدعى التخلى عن مكاسب القوات شرق القناة والمغامرة بمنح الفرصة للعدو من تدمير أحد الكباري المصرية أو الإستيلاء عليها ,

وهذا حسبما أجاد في شرحه الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه ( السلاح والسياسة ) من أن أوضاع القوات الإسرائيلية غرب القناة في تلك الفترة لم تكن في موقف قوة بل كانت في موقف أضعف كثيرا من موقف القوات المصرية لعدة أسباب
الأول : أن جميع هذه القوات لم تنجح في الوصول إلى أهدافها ولم تمتلك ورقة تهديد حقيقية واحدة يمكنها الإستفادة منها فضلا على أن وضعها غرب القناة على أرض لم تعتدها وفى ظل حرب استنزاف مستمرة تقوم بها القوات الخاصة من المظلات والصاعقة كان يضعها جميعا تحت استمرار الخسارة دون تحقيق أى مكاسب
الثانى : أن أرتال الدبابات والمدرعات كانت تلاقي عنتا شديدا في الحركة وتصطدم بشتى أنواع المعوقات وفى ظل انهيار معنوى للقوات الإسرائيلية بعد حلول موعد وقف إطلاق النار وهم في هذا الحصار
الثالث : كان الوضع نفسه يمثل استنزافا شديدا للجيش الإسرائيلي كله دون أن تقوم بمصر بإجراء واحد , ذلك أن خطوط الجيش الإسرائيلي كانت قد طالت بأكثر مما يحتمله أكبر جيش في العالم حيث امتدت خطوط مواصلاته إلى أكثر من خمسمائة كيلومتر وبلا عمق يساند هذا الطول مما يجعله عرضة للقطع في أية لحظة ,
فضلا على أن حالة التعبئة العامة بدأت تأتى آثارها بعد أسبوعين من العمليات واستمرار الجيش الإسرائيلي في تلك الحالة غير محتمل بعكس القوات المصرية التي يمكنها احتمال التعبئة حتى ستة أشهر بالأوضاع الحالية ,
الرابع : كان استمرار الموقف كما هو عليه في صالح القوات المصرية على طول الخط ووقف إطلاق النار في صالح إسرائيل مهما كانت خسائرها , لأن عدم توقف العمليات في ظل بقاء السيطرة المصرية على باب المندب وفى ظل حظر البترول وفى ظل حالة التعبئة العامة كان يعنى الهزيمة الكاملة لإسرائيل
ولهذا السبب كان طلب جولدا مائير ملحا في أن يعاونها كيسنجر على خرق قرار وقف إطلاق النار لتضمن التزام القوات المصرية به بينما تمنح هى لجنرالاتها حرية العمل السريع لانجاز أى مكسب قبل وقف العمليات ,

ولهذا كان القادة في مركز العمليات يتصرفون بهدوء رغم توتر أجواء المركز رقم 10 بسبب التشاحن بين الفريق الشاذلى والرئيس السادات والوزير ,
وجدير بالذكر أن قرار الفريق الشاذلى واقتراحه سحب أربعة ألوية مدرعة من الشرق لم يكن قرارا موفقا بدليل اتفاق المحللين العسكريين مثل اللواء جمال حماد وبقية قادة الأفرع الرئيسية في القوات المسلحة على صواب قرار السادات بعدم سحب أى قوة من الشرق للغرب ,


الهوامش :
[1]ـ أكتوبر 73 ـ السلاح والسياسة ـ محمد حسنين هيكل ـ مصدر سابق