وكان من عوامل تفوق التخطيط المصري فى حرب أكتوبر أنه توقع خطط العدو للقيام بهذا الإختراق , ولم يكتف بتوقع الفعل وإنما قامت هيئة العمليات بدراسة مواقع الإختراق المتوقعة وتخير نقطة الدفرسوار تحديدا كنقطة وحيدة للنجاح , ولا شك أن الخبرة التى وقفت خلف هذا الإختيار تستحق الإشادة فى ظل ضعف الإمكانيات التى كانت تعمل بها القوات المسلحة , واتخذت القيادة المصرية التدابير لمنع العدو من هذه المحاولة وكانت التدابير حاسمة تمثلت فى وضع فرقتين مدرعتين كاملتين هما الفرقة 2 المدرعة والفرقة 21 المدرعة خلف الجيشين , ولا شك أن وضع فرقتين مدرعتين بحجمهما الهائل وتسليحهما الهائل ( الفرقة المدرعة تختلف عن فرقة المشاة لأن تسليحها الرئيسي هو الدبابات ) كان يقضي على أدنى أمل فى تنفيذ محاولة الإختراق , ولهذا فقد قوبل اقتراح شارون بالرفض القاطع نظرا لعدم خلو موضع الثغرة وصعوبة النجاح فى النقاط المقترحة الأخرى , ولكن تخلت القيادة المصرية عن حرصها عندما اتخذت قرار تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر , ونظرا لأن التطوير سيتم فى ظل تفوق جوى للعدو وبلا غطاء من حائط الصواريخ فقد استلزم الأمر معاونة ضرورية من المدرعات وتمثلت هذه المعاونة فى دفع الفرقتين 2 , 21 المدرعتين إلى الشرق وتخليهما عن مكانهما لمشاركة قوات الهجوم , والتقطت الأقمار الصناعية الأمريكية تحرك الفرقتين , وفورا بلغ النبأ للقيادة الإسرائيلية لتعود خطة شارون إلى المائدة مرة أخرى ويتم اتخاذ التدابير لاستثمار هذه الفرصة التى فتحت الطريق أمام المحاولة , وهى أول مرة تتخلى فيها القيادة المصرية عن حصافتها وبراعتها , وعن هدوئها الذى استفز العدو استفزازا مميتا كونها قابلت الهجمات المضادة بأعصاب هادئة وتنفيذ تكتيكى لا مزيد عليه , فإذا بها تستجيب لضغط قرار التطوير الذى طلبته القيادة السورية , تحت الضرورة الملحة وفى عجلة لم تكن على مستوى التخطيط المبدئي الفذ ولم يكن متوقعا من التطوير أن يحقق أهدافه إلا فى جذب الجهد الجوى الذى كلف القوات المصرية خسائرها فى الدبابات فضلا على انفراد الجبهة المصرية بمواجهة الأسلحة الأمريكية الجديدة والتى لم تحتاجها إسرائيل فى الجبهة السورية بعد أن استغل الطيران الإسرائيلي اندفاع القوات السورية خارج مظلتها الدفاعية ليتمكن من استخدام الطيران المتفوق ضد المدرعات بشكل بالغ التأثير , رغم أنه تكبد خسائر فادحة في مواجهة البطولات السورية الخارقة ولكن قَـبـِل العدو التضحيات بالطائرات والمدرعات في سبيل رد الهجوم السورى لخطورته على المستوطنات حيث تشرف الجولان على مستوطنات العدو مما جعل الجيش السورى يهدد العمق السكانى للعدو مباشرة , لهذا ركز العدو في هجماته المضادة باستخدام الطيران والمدرعات وأصبحت المعركة سجالا بينه وبين القوات السورية وتكبد الطرفان خسائر مروعة في عدد من أعنف معارك القرن العشرين , وكان نجاح القوات الإسرائيلية الجزئي على جبهة الجولان في هجماتها المضادة معتمدا باستمرار على التفوق الجوى وخروج السوريين من نطاق حائط الصواريخ وهو الأمر الذى لم يتكرر مع الجبهة المصرية إلى الحد الذى دفع ديفيد إليعازر رئيس الأركان الإسرائيلي إلى التعبير عن ذلك بقوله : ( قد اتضح لنا أن مصر برغم القتال الشرس والضاري والشديد تسير فى هدوء عجيب فى تنفيذ خطتها ... فعلى الرغم من الكثافة الكبيرة لمعداتها وأسلحتها الثقيلة وعلى الرغم من وجود 60000 جندي عبروا إلى الضفة الشرقية للقناة فإنها لا تحرك قواتها شبرا واحدا .. إلا بعد أن تحقق قواتها تمركز مضمون أو ما نسميه نحن فى العسكرية تمركز جزري أي أنها قبل أن تحرك أسلحتها الثقيلة شبرا واحدا تضمن لها أيضا تغطية جوية وحماية كبيرة . إذا ما معني كل هذا ؟ إن له معني واحدا أن مصر لاتتحرك عشوائيا كما كان الحال فى الحروب السابقة ... ولا تتقدم لمجرد أن الطريق أمامها مفتوح للتقدم !!! إنها أولا تقدم صواريخ ارض جو لضمان الحماية الجوية .... ثم تزيد من تعميق وتحصين رؤوس الكباري ثم تقدم بقية الأسلحة الأخري ..) انتهى كلام إليعازر