عرض مشاركة واحدة
قديم 10-25-2010, 07:53 PM
المشاركة 27
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
ç تفسير بنيوي للعقل البشري:
إذا كان العقل البشري يحلّ مشاكله من خلال بنية ما، وإذا كانت هذه البنية هي صفة العقل البشري منذ الأزل، فهل هناك تشابه بين طرق تفكير العقل البشري في استيعابه لمشكلاته، وفي الوصول إلى طريقة لحلّها؟

هنا يتحتّم علينا أن نعود إلى الانثروبولوجيّة البنيوية، وإذا ذكرت الانثروبولوجيّة البنيوية ذكر (ليفي شتراوس)، الذي لا يعدّ رائد الانثروبولوجيّة البنيوية فحسب، بل رائد البنيويين بصفة عامّة.

وبناء على ذلك فإنّنا عندما نقوم بدراسة العناصر البنيوية للظواهر الحضاريّة، فإنّنا نقوم في الوقت نفسه بالكشف عن طبيعة العقل البشري، وهذا الكشف يصدق على الإنسان المعاصر، مثلما يصدق على عقل الإنسان البدائي، فنتاج الحضارات مختلف كلّ الاختلاف على السطح، ولكن بما أنّ كلّ الحضارات في من نتاج العقل البشري، فلا بدّ أن تكون هناك في مكان ما تحت السطح ملامح يشترك فيها الناس جميعًا، وفي هذا يقول ليفي شتراوس: "والانثروبولجيا البنيوية تقدّم لي نوعًا من الرضا الذهني، فهي تربط بين تاريخ الكون من الطرف البعيد، وتاريخي أنا من الطرف القريب، وهي تكشف القناع عن المحركات المشتركة في الوقت نفسه".

وعند البنيويين أنّ هناك مظهران لنماذج الفكر والسلوك الإنساني الشعور واللاشعور، وكلٌّ منهما يخضع لبنية محدّدة، ومن الخطأ أن نكتفي بدراسة المظهر الشعوري في دراسة بناء الفكر الإنساني، كما أنّه ليس كافيًا أن نردّ بعض الظواهر للاشعور، فهي كلّها ليست إلا أشكالاً متنوّعة من التعبير أساسها بناء كلّي واحد، ومن هنا نفهم أن التحليل البنيوي هو إجراء لتصنيف الظواهر الاجتماعيّة، وربط بعضها ببعض في مفهومات كلّية واحدة، وعندئذ ندرك العلاقات بين هذه الظواهر في مستوياتها المختلفة من ناحية، كما أنّنا ندرك العلاقات بين الشعور واللاشعور من ناحية أخرى.

فالبنيويون يؤكدون على وجود ميكانيزم (مكانيكيّة) في الإنسان، يتحرّك بوصفة قوّة بنيوية، ومظهر التحليل الذي يعتمد على التفكيك والربط، هو اكتشاف العلاقات بين مظره وآخر من مظاهر الحياة الإنسانيّة، أي اكتشاف بنيتها.

ç البنيوية والتحليل النفسي:

إنّ اهتمام البنيويين بالنشاط اللاشعوري للفكر البشري أدّى إلى التقائهم بالتحليل النفسي، ووجه التشابه بينهما أنّ علماء التحليل النفسي يحاولون سبر منطقة اللاشعور بقصد الكشف عن الحقيقة الرابضة فيه، التي تطفو أحيانًا إلى السطح في شكل ظواهر سلوكيّة على نحو ما، شأنه شأن البنيوية التي تبدأ من الظاهر لتدخل إلى الباطن، فيحاولون الوصول إلى النسق الذي يجمع هذه الظواهر المتفرّقة.

بيد أنّ وجه الاختلاف يتمثّل في في أنّ ما تبحث عنه البنيوية من نسق أو بنية يقع في عمق التاريخ البشري، وفي عمق التكوين الكوني، في حين أنّ النسق الذي يبحث عنه علم النفس التحليلي يقع في اللاشعور الذي تشكّل محتواه في النهاية حياة الإنسان الفرديّة.

ولهذا فإنّ البنيوية لا تميّز بين حالتي الشعور واللاشعور فحسب كما يفعل علماء النفس، ولكنّها تضيف إلى ذلك مصطلح Non-conscious وهو مصطلح تصعب ترجمته إلى العربيّة، إلا إذا تجاوزنا وترجمناه بحالة (خارج الشعور)، ويضرب البنيويون لذلك مثالاً على سبيل التقريب بعمليّة المشي، فالمشي ليس فعلا لا شعوريًّا، كما أنّه ليس فعلاً شعوريًّا كاملاً، بمعنى عندما أمشي لا أكون بوعي بحركة المشي وكيف أقوم به، ولكنّنا في نفس الوقت يستحيل علينا عدّ المشي حركة لا شعوريّة.

وأهميّة تحديد هذا المستوى من الشعور بالنسبة للبنيويين هو أنّ كثيرًا من أفعال الفرد في الحياة الاجتماعيّة تتمّ على هذا المستوى، فقد يمارس الفرد سلوكًا تمارسه الجماعة، ولكنّه لا يتساءل عن مصدر هذه الممارسة ودوافعها، ونجد كثيرًا من التصرفات لا تتمّ إلا على مستوى الشعور الجمعي لا الفردي، وهنا نصل إلى مصطلح آخر تحدّث عنه البنيويون وهو (الذاتية المتداخلة Intrasubjective)، فنحن هنا إزاء الذات، ولكنّها الذات المتداخلة مع الجماعة، وهذا المصطلح مهم للبنيويين لأنّه يمهّد لفكرة البناء.

على أنّه لا يفترض دائمًا أن سلوك الفرد لا يتمّ إلا على هذا المستوى الجمعي، ففي أحيان كثيرة يعلو صوت الفرد بحيث لا يشعر أنّه يسلك من خلال الجماعة، بل يقف على بعدٍ منها، ومع ذلك فإن هذا السلوك الفردي لا يعني أنّه انفصل عن الجماعة، بل إنه اتّخذها موضوعًا يتأمّله، وهنا نأتي على المصطلح الثالث وهو (الذات المشاركة Inter subjective) الذي يعني أنّ الفرد يعيش بين الجماعة لا من خلالها، وهذا يعني أنّ هناك نمطين من الذات، الذات التي تتكون من عدة ذوات، والذات التي يكون الغير موضوعًا لها.