عرض مشاركة واحدة
قديم 10-24-2010, 06:40 PM
المشاركة 23
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
ثالثًا: الأصول السلفيّة للنقد الغربي (عند اليونان):
يعتبر الفكر الأوربّي اليونان والرومان أساتذته الأوائل، فقامت نهضته في القرن الخامس عشر على فكرة العودة إلى التراث السلفي(الكلاسيكي)، فتمّت إحياء تلك المؤلفات وترجمتها، وظلّت أوربا طوال القرون الثلاثة التي تلت عصر النهضة تردد آراء أرسطو وهوارس وتناقشها، ودأب طلاب الآداب على حفظ أقوالهما عن ظهر قلب؛ ومع ذلك فإنّه من الضروري الإشارة إلى أنّ الأدب الأوربي لم يتجمّد في أطر القواعد النقدية السلفيّة، وظلّت محاولات الأدباء في الخروج عليه بما يكفل لهم حريّة التعبير والإحساس.

ç النقد الأدبي قبل أرسطو:
1/ النقد عند أريستوفان:
يعتبر منهج أرسطو أوّل منهج نقديّ متماسك عرفته الآراء الأوربيّة، وما عرفه اليونان قبل أرسطو-باستثناء أريستوفان- لم يكن إلا شتاتًا من التعليقات النقديّة، واستثني أريستوفان من ذلك لأنّ أعماله تشكّل خطوة متقدّمة نسبيًّا في النقد.
ليس من الممكن الحديث عن اتّجاه نقدي عند أريستوفان، ولكنّنا نستطيع أن نقول بأنّه تبنّى خطّين نقدين مستمرّين: الأول كرهه لجميع أشكال البلاغة والتصنّع، والثاني اهتمامه بالناحية الأخلاقيّة، واعتبارها ذات قيمة أساسيّة في الأحكام الأدبيّة، وهو في ذلك متأثّر بالنظرة التعليمية التي شاعت عند اليونان حتّى عهد أرسطو.
إنّ مسرحيّته (الضفادع) من أقدم النصوص الممتعة في النقد الأدبي، وقد ظهرت على المسرح سنة 405 ق.م، وتضمّنت الموازنة بين أسخيلوس ويوربيديس من حيثُ الشاعريّة والمكانة المسرحيّة؛ وتروي قصّة ذهاب الإله ديونيسوس إلى العالم السفلي ليختار أحد الشعراء المسرحيين، ويعيده للحياة ليكل إليه مهمة إصلاح أهل أثينا، وإرشادهم وإزالة نواحي الفساد التي تطغى عليهم، وبعد أن يخوض ديونيسوس مغامرات عديدة ليصل إلى العالم السفلي، يستدعي أسخيلوس ويوربيديس ويتيح لهما أن يتناظرا تحت إشرافه، وبمرأى من الجمهور، وبعد تردّد يحكم ديونيسوس لصالح أسخيلوس ويقرر اصطحابه للحياة، ويسدل الستار على النشيد الأخير للجوقة.

2/ النقد عند أفلاطون:
خلال النصف الأوّل من القرن الرابع قبل الميلاد عُرف أفلاطون بمحاوراته الفلسفيّة، التي تعرّض في ثلاث منها إلى طبيعة الشعر ووظيفته، وبثّ فيها كثيرًا من آرائه النقديّة، وهذه المحاورات هي: الجمهوريّة، والأيون، والقوانين.

وينسب إلى أفلاطون أنّه هاجم الشعر والشعراء، ونادى بإبعاد الشعراء عن جمهوريّته الفاضلة؛ إلا أنّ هذا الهجوم ينبغي ألا يؤخذ بعموميّته، فقد قيّده أفلاطون بزاوية معيّنة هي زاوية المصلحة العامة للجمهوريّة الفاضلة، فنادى بإبعاد الشعراء على أساس سياسي أخلاقي إذ لم يجد لهم وظيفة سياسيّة معيّنة، بل كان يخشى منهم على فضائل مدينته ليس لأنّهم لا أخلاقيون، بل لأنّ الفن عنده بوجه عام لا يعتبر سعيًا جادًا وراء الحقيقة، بل تقليدًا للمثل من الدرجة الثالثة، والفنّان عند أفلاطون مقلّد غير مسؤول، فلم يسمح إلا لصنف من الشعراء بدخول الجمهوريّة وهم الشعراء الذين يتغنون بالآلهة والفضائل.

ç النقد الأدبي عند أرسطو:
بثّ ارسطو آراءه النقديّة في مؤلفيه (الشعر) و (البلاغة)، وقد أرسى كتابه الشعر دعائم النقد الأدبي في أوربا مدّة طويلة، ونال تقديرًا عظيمًا منذ تأليفه حتّى اليوم، وعندما بعث هذا الكتاب من جديد في عصر النهضة بالغ السلفيّون في التقيّد به، وثار الابتداعيّون فيما بعد على هذا التزمّت وإن احتفطوا بتقدير كبير له.
وأهمّ ما تضمّنه هذا الكتاب:

· في طبيعة الشعر:
1/ الأنواع المختلفة للشعر هي وسائل محاكاة.

2/ موضوع المحاكاة هو الإنسان وانفعالاته، والمقلّدون إمّا يكونون أعلى من المستوى العادي، وعندها يتّجه التقليد اتجاهًا مثاليًّا، أو يكونوا في المستوى المتوسّط ويتّجه التقليد اتّجاهًا واقعيًّا، أو دون المتوسّط ويتّجه التقليد اتّجاه السخرية.

3/ الشعراء لا يقلدون ما حدث، بل هو ما هو محتمل الحدوث، ومن هنا ينشأ فرق جوهري بين الشاعر والمؤرّخ.
الشعراء يقلّدون الحقيقة المثلى، وكل ما هو شامل ونموذجي، وفي هذا رد على أفلاطون الذي اعتبر الشعر تقليد من الدرجة الثالثة.


· في وظيفة الشعر (التطهير):
لم يقبل أرسطو رفض أفلاطون للمأساة على أنّها تثير الشفقة والخوف وتضعف الناس انفعاليًّا، بل على العكس اعتقد أرسطو أنّ الماساة تطهّر الناس من هذه الانفعالات وتجعلهم أقوى، وهو ينطلق هنا من مفهوم التلقيح الطبّي.
وتعبر نظرية المحاكاة والتطهير أهمّ ما أتى به أرسطو في هذا المجال.

· في فنّ المأساة:
المأساة تبعًا لتعريف أرسطو محاكاة عمل تام متكامل ذي جسامة معيّنة، وهي تعتمد على العمل المباشر لا السرد، وتتألف من بداية ووسط وخاتمة، بحيث تترابط هذه الأجزاء ترابطًا منطقيًّا يهدف إلى إثارة الشفقة والخوف، فإحداث التطهير، وقد رتّب أرسطو عناصر المأساة على الوجه التالي:

1/ العقدة: وهي ضرورية لإنتاج العمل المسرحي، وما يرافقه من عواطف الرأفة والخوف، وقد اهتمّ بالعقد لأنّ المأساة عنده عمل متكامل مترابط، وتصوير دينامي للحياة لا مجرّد عرض للشخصيات.

2/ الشخصيّات: وتأتي في المرتبة الثانية، ولا بدّ أن يتوافر فيها: استهداف الخير، اللياقة فالشجاعة من صفات الرجولة، فإذا تحلّت بها امرأة كان ذلك غير لائق بها، والواقعيّة، والتماسك والثبات، أي: استمرار الشخصيّة على نسق ثابت.

3/ الفكر: القدرة على قول شي محدد ومناسب ضمن ظروف معيّنة.

4/ اللغة: وهي التعبير عن المعنى بالكلمات، ويجب أن تزدان بالزخرف دون إفراط.

5/ الغناء.

6/ المشهد: وله عاطفة خاصة به، إلا أنّه أضعف الأجزاء كونه يرتبط بالمخرج لا الشاعر.

· في المقارنة بين الملحمة والمأساة:
تشترك الملحمة والمأساة في كونها تقوم على محاكاة أعمال رجالٍ عظام، وتختلف في:

1/ الأسلوب: فالملحمة تجمع بين السرد المباشر وغير المباشر، بينما المأساة تقوم على العمل المباشر.

2/ وسيلة المحاكاة: الملحمة خالية من الموسيقى ومن المشاهد.

3/ في الشكل الشعري: تعتمد الملحمة على وزن عروضي واحد، بينما تتنوع الاوزان في المأساة.

4/ في الطول: طول الملحمة غير محدود، بينما يفضّل أن تتمّ المأساة في دورة شمسيّة واحد قدر الإمكان.

وبذلك يتّضح أن المأساة عد أرسطو أكثر تعقيدًا من الملحمة، وأرفع شأنًا.

** ويجب التمييز بدقّة بين ما هو (وصفي) وبين ما هو (تشريعي) في كتاب أرسطو، إذ يبدو أن الأمرين مختلطان، والأغلب أنّ أرسطو كان يتحدث عن المسرحية اليونانية كما شاهدها، وبذلك تكون الناحية الوصفية في كتابه أقوى من الناحية التشريعية بخلاف ما درج عليه الكلاسيكيون.