عرض مشاركة واحدة
قديم 10-22-2010, 01:25 AM
المشاركة 40
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
المرحلة الثالثة من الحرب :


تعتبر هذه المرحلة من الحرب أيضا ضمن المراحل التي جرى فيها جدل كبير بين العسكريين والسياسيين , ليس على مستوى العالم الخارجى بقدر ما هو في إطار العالم العربي تحديدا ,
وهذا أمر طبيعى لأن العالم العربي في العادة تحكمه الميول والأهواء ـ إلا فيما ندر ـ بينما عالج المحللون الغربيون مراحل الحرب كلها بشيئ كبير من الحيادية
والنزاعات السياسية والإختلاف مع الأنظمة الحاكمة كانت السبب الأقوى في انتشار بعض وجهات النظر الخاطئة , وعدم الإنصاف في التقدير لا سيما في ظل اعتراف العدو نفسه بمدى التفوق الذى حققته القوات المصرية ,
فهذه النزاعات السياسية وقفت خلف كثير من الإنتقادات المصطنعة التي لم يكن لها أثر في كتابات العدو أو اعترافاته , ولو صحت لكانت انتصارات يجب أن يفخر العدو بها !
فليس معقولا أن يترك العدو أمرا يري فيه انتصارا له ويسقطه من حساباته لا سيما في ظل الصدمة التي تلقاها
ولهذا بدا غريبا جدا أن يتحدث البعض عن فرص ضائعة فى حرب أكتوبر وعن قرارات حملت بعض النجاح للإسرائيليين بينما الإسرائيليون أنفسهم رأوا فى نفس تلك النقاط هزائم مروعة لهم !
ولست أدرى ما الذى يمكن أن نطالب به القوات المصرية أكثر مما حققته فعلا , بعد أن انتصرت انتصارا ساحقا فى 51 معركة من مجموع معارك الحرب البالغ عددها 64 معركة ( والمعركة هى التى تشارك فيها قوات لواء أو أكثر من كل جانب ) وتمكنت القوات المصرية من السيطرة والإحتفاظ على رقعة أرض بطول 185 كيلومترا وبعمق 15 كيلومترا


وهناك أيضا سبب آخر غير سوء النية الكامن وراء الخلافات السياسية , سبب يكمن في حسن النوايا ,
ذلك أن بعض المحللين ممن انتقدوا مرحلة تطوير الهجوم المصري نحو الشرق والذي بدأ في 14 أكتوبر وبالغوا في عرضه وانتقاده كما بالغوا فى انتقاد الوقفة التعبوية وغيرها
وقعوا تحت تأثير مخالف للمنطق الواقعى ,
ذلك أنهم ـ من مكاتبهم ـ أصدروا الأحكام وأبرزوا الأخطاء متناسين أنهم يحكمون الآن على واقعة اتضح ـ بعد مرور السنوات ـ كل شيئ حولها وتوافرت المعلومات بشكل مكثف فضلا على أنهم يصدرون الحكم من موقع الأريحية لا من موقع القتال حيث يكون مطلوبا من القيادة العسكرية سرعة اتخاذ القرار في أقل مدى معلوماتى ممكن وأقصر وقت متاح ,
فكان يجب على المنتقدين أن يراعوا تلك النقطة الجوهرية فضلا على مراعاة نقطة أكثر جوهرية وهى أن الحكم على واقعة معينة بالخطأ أو الصواب إنما يكون في إطار نسبة الخطأ البشري التقليدى
فلو كانت الأخطاء من هذا النوع فهى ليست أخطاء لأنه ما من عمل إنسانى في الوجود يمكنه أن يحرز النجاح بنسبة مائة في المائة على طول الخط ,
وإنما يمكننا انتقاد الأخطاء إذا كانت من الفداحة بحيث أن تلافيها كان ممكنا وواقعا , ومدى فداحتها يفوق كثيرا ما يمكن احتماله كخطأ له تبريره المنطقي
فمثلا حشد القوات المصرية في حرب يونيو لمجرد صنع مظاهرة عسكرية إعلامية دون نية جدية في القتال هو خطأ أو خطيئة لا يمكن قبول التبرير فيها أيا كانت الدوافع ,
أما الخطأ الذى يقع من أى قيادة في شأن معركة من معارك الحرب الناجحة كحرب أكتوبر فهى أخطاء محتملة ومبررة
وبالطبع ليس معنى هذا عدم الإشارة إلى الأخطاء بشتى أنواعها , ولكن الإشارة إلى الأخطاء والقرارات الأصوب التي كان من الممكن اتخاذها شيئ , والمبالغة في تقدير حجم الأخطاء شيئ آخر
فذكر الأخطاء والسلبيات تذكرة واجبة , أما المبالغة فيها فيدخل في باب التجنى
ولكن حماسة النجاح المبهر الذى تحقق في الأيام الأولى للقتال خلال المرحلة الأولى والثانية دفعت البعض من المحللين إلى اعتبار مستوى النجاح فقط على هذا المستوى وعدم الاعتداد بأى نجاح جزئي بل اعتبار النجاح الجزئي فشلا ذريعا !


هذا بالضبط ما حكم نفسية المحللين الذى تعرضوا بالنقد القاس لمرحلة تطوير الهجوم نحو الشرق فقد أرادوها عملية مبهرة فائقة النجاح على نفس مستوى الأيام الأولى للقتال ولهذا اعتبروها عملية فاشلة رغم أن مقاييس الأرباح والخسائر ومدى تحقق الهدف الإستراتيجى من التطوير كان يميل لصالحنا على العدو ,
ولكن لأن الخسائر المصرية برزت في تلك الفترة ـ وإن كانت أقل من خسائر العدو قطعا ـ فقد اعتبرها المحللون المنتقدون خطوة غير ناجحة لأن نجاحها الجزئي لم يقنعهم , رغم أنه قوات العدو المدرعة كانت تتفوق علينا بمقدار الضعف
وهذا لا شك أنه ظلم فادح للقادة المشاركين والجنود المجاهدين إذ أنه ليس مطلوبا منهم أن يحققوا المستحيل عدة مرات على امتداد أيام الحرب !
فقد كانت انجازات أيام القتال الأولى تعدت حاجز المستحيل عندما تمت بخسائر لا تتعدى 2 % بينما المعدل الذى كان متوقعا يبلغ 40%
أى أن قواتنا لو حققت ما حققته في الأيام الأولى بمعدل خسائر 40 % في الأفراد والمعدات لتم اعتبار ذلك نجاحا تاما وتحقيقا للهدف الإستراتيجى الأول بعبور القناة وتحطيم خط بارليف
فما بالنا وقد تجاوزا القدرة البشرية فحققوه بمعدلات خسائر 2 % فقط
فكيف يمكن أن نلقي عليهم باللائمة في المراحل المتقدمة من القتال لو ارتفع معدل الخسائر إلى معدله الطبيعى المتوقع وفى ظل تحقيق الأهداف الإستراتيجية المطلوبة ! ؟!


ولم يكن معدل الخسائر الذى ارتفع على نحوه الطبيعى المتوقع ذنبا للمقاتلين , بل كانت الظروف في القتال قد تغيرت بعد نزول الأسلحة الأمريكية الجديدة التي تم استقدامها خصيصا لمواجهة عناصر القوة التي تميز بها المصريون في بداية القتال
وأهمها تفوقهم الرهيب في قتال المدرعات وحسن استخدامهم للمشاة حاملى صواريخ آر بي جى
فنزلت صواريخ تاو الأمريكية للساحة والتى تتفوق بمراحل على صواريخ آر بي جى ولا تحتاج التصويب والمعاملة اليدوية التي تحتاجها الصواريخ السوفيتية المحمولة ,
فكان من الطبيعى أن يرتفع معدل خسائر الدبابات المصرية ويقل مستوى أداء الأفراد بعد استخدام الإسرائيليين للدبابات الحديثة الطراز المزودة بأضواء الزينون المجهزة لإغشاء بصر المقاتلين المصريين ومنعهم من حسن التصويب
فنجح هذا الأسلوب في تخفيف قدرة المقاتلين على صيد الدبابات كما كان الحال أول أيام الحرب لأن صواريخ آر بي جى ومولوتكا تحتاج من المقاتل دقة تصويب عالية حتى يمكنه تعطيل دبابة العدو ولابد له أن يصيب الجنزير مباشرة أو يصيب برج الدبابة ولو أصاب أى جزء آخر فلن تتوقف الدبابة ,
بعكس صواريخ تاو الموجهة إليكترونيا التي كان بإمكانها حصد الدبابات حصدا ,
ورغم كل ما حدث فلم تزد خسائر الدبابات المصرية في مرحلة تطوير الهجوم عن 250 دبابة فقط خسر العدو أمامها ـ رغم التفوق التكنولوجى ــ ما يزيد عليها فضلا على أنه خسر 400 دبابة كاملة في يوم واحد أثناء توجيهه للهجوم المضاد الفاشل السابق الحديث عنه ,
فبلا شك أن معدل الخسائر هنا مقبولا بل ممتازا في ظل هذا التفوق النوعى الرادع وفى ظل استعداد العدو لأسلوب المقاتل المصري واتخاذه التدابير لمواجهته بعد أن أصبحت له خبرة بهذا الأسلوب خلال أيام الحرب الأولى ,

هذا من ناحية معدل الأرباح والخسائر ,
ومن ناحية تحقيق الهدف الإستراتيجى من عملية تطوير الهجوم فقد تحقق إلى حد كبير
لأن التطوير الذى تم تنفيذه لم يكن الهدف منه هو هدف الخطة باحتلال المضايق بل كان عملية سريعة لتخفيف الضغط على الجبهة السورية وهو ما تم بالفعل بعد أن قام العدو بتوجيه قوته الجوية الضاربة للجبهة المصرية ,
هذا مع تسليمنا الكامل أن قرار تطوير الهجوم بالطريقة المتعجلة التي تم بها لم يكن من الأصوب فعله ,
إلا أنه أيضا لا يمثل تراجعا أو تدنيا في المستوى والدليل على ذلك أن الهدف النهائي للحرب تم كاملا وحافظت مصر على مكاسبها من القتال حفاظا تاما واستردت سيناء عن طريق إلحاق العمل السياسي بالجهد العسكري الذى تحقق على الأرض , وكانت أرض سيناء هى الأرض الوحيدة التي دخلتها إسرائيل ثم انسحبت منها كاملة