عرض مشاركة واحدة
قديم 10-22-2010, 01:18 AM
المشاركة 38
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والقصة بدأت عندما كان كيسنجر مثل كافة رجال الإدارة الأمريكية والإسرائيلية يثقون في أن مصر لن تحارب وحتى إن غامرت بالحرب فالهزيمة الساحقة ستكون نصيبها بلا ريب !
لهذا فعندما أوقظه مساعدوه على خبر اقتحام المصريين لقناة السويس كان لا زال يعيش في سكرة أفكار ديان ودافيد إليعازر ولهذا اعتبر الهجوم المصري حماقة مؤكدة لن تلبث أن تردها إسرائيل برد يعيد للمصريين عقلهم مع صدمة جديدة أشد من صدمة عام 1967 م ,
لهذا تحدث إلى مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة محمد الزيات وطالبه بأن ينصح القاهرة بإيقاف القتال وعودة الجهات المتحاربة إلى خطوط 5 أكتوبر وأنه لا داعى لتلك الحماقات فإن إسرائيل ستقوم بضربة مضادة خلال ثمان وأربعين ساعة وستكون الضربة قاضية [1]
ولم يعلق السفير المصري واكتفي بالإبتسام وأبلغ كيسنجر أن القاهرة ترفض العرض

ولم تهتز أعصاب كيسنجر لحظة واحدة وظل على ثقته أنه بعد يومين فحسب سيتلقي خبر القضاء على الجيش المصري كله لا مجرد خبر هزيمته على رمال سيناء فى مواجهة الإسرائيليين , بعد أن تتمكن إسرائيل من تنفيذ ضربتها المضادة
ومن الغريب أنه ظل على اعتقاده هذا حتى التاسع من أكتوبر وهو موعد الهجوم المضاد الذى قامت به القوات الإسرائيلية وتوقع له كيسنجر أن يفنى الجيش المصري عن بكرة أبيه
ولم تصله أنباء القتال ولا أنباء الإثنين الإسود فى إسرائيل بعد أن تحطمت المدرعات الإسرائيلية كقشر البيض أمام مشاة القوات المصرية وخسرت إسرائيل من الرجال والعتاد ما لم تره فى أبشع كوابيسها لا سيما بعد مقتل ألبرت ماندلر قائد المدرعات
ولم يجرؤ الإسرائيليون على إيضاح الموقف أمام كيسنجر وأخذهم هول الصدمة حتى أفاقوا وأرسلت جولدا مائير بصفة عاجلة إلى سيمحا دونتز السفير الإسرائيلي فى واشنطن لكى يوقظ كيسنجر من النوم في منتصف الليل ويلح عليه بمتابعة طلبات تسليح فوق المعتاد تحتاجها إسرائيل بصفة عاجلة لخطورة الوضع

واندهش كيسنجر لأن آخر معلوماته من السفير الإسرائيلي أن هجوم المصريين فشل وأن المعركة تحولت لنصر إسرائيلي حاسم فما الذى غير الموقف لهذه الدرجة ؟!
وبدت طلبات السلاح لكيسنجر مستغربة للغاية نظرا لأن المخازن الإسرائيلية مليئة عن آخرها بإحتياطى لا ينفذ كما أن طلبات السلاح المبدئية التى تقدمت بها إسرائيل وتتمثل فى معدات إلكترونية وصواريخ من طراز ( سويندور ) كلها تمت إجابتها ووصلت إلى إسرائيل
أما طلباتهم من ( الفانتوم ـ 4 ) فهى فى الطريق إليهم فما هو وجه العجلة إذا ؟!!

كانت أوهام كيسنجر لا زالت تحكمه حتى أنه لم يستجب لمكالمة السفير الإسرائيلي على نحو جاد وطالبه بالمرور عليه صباحا لمناقشة ما يطلب ,
وبعد مرور ساعة أعاد السفير الإسرائيلي سيمحا دونتز إيقاظ كيسنجر بإلحاح حتى أن كيسنجر رد عليه بغضب بما معناه أن السفير يحاول أن يبدو أمام زوجته قويا ونافذا حتى أنه يستطيع إيقاظ وزير خارجية الولايات المتحدة مرتين !
لكن ومع الإتصال الثالث فى نفس الليلة ومع لهجة السفير التى اكتست بالإنهيار وهو يبلغ كيسنجر أن الأمر لن ينتظر للصباح وأن إسرائيل نفسها قد لا تكون على خريطتها عندما يأتى الصباح !
هنا استيقظ كيسنجر ليستمع للصدمة المهولة التى ألقاها السفير الإسرائيلي فى أذنيه عن خسارة أول أيام القتال وكيف أن إسرائيل فقدت 49 طائرة منها 14 طائرة تم تدميرها على الأرض , وأن خسائرها من الدبابات بلغت 400 دبابة على الجبهة المصرية وحدها وعلى الجبهة السورية بلغت 100 دبابة ,
ليس هذا فقط ..
بل إن معدل الخسائر فى ارتفاع مستمر حتى أن الإحتياطى المخزن من السلاح أوشك على النفاذ بينما العتاد المصري والسورى لم يبلغ معشار الخسارة الإسرائيلية ولا زالت قوتهم المدرعة شبه كاملة وهى تتم العبور إلى الضفة الشرقية !
وطلب السفير من كيسنجر إخفاء هذه المعلومات نظرا لأن الدول العربية التى لم تشارك بعد بالقتال لو علمت بحجم الخسائر ستشترك وتفتح جبهات أخرى فى ظل هذا الوضع المتردى !!

ويستمر كيسنجر فى مذكراته فيصف إجتماعه بالسفير الإسرائيلي دونتز وملحقه العسكري مردخاى جور بأنه كان اجتماعا قلب الموازين حيث أن سرعة حاجة إسرائيل للسلاح تسببت فى إرباكهم فكل إستراتيجية الولايات المتحدة كانت مبنية على أن إسرائيل تستطيع تحقيق نصر سريع أو فى جميع الأحوال تستطيع الصمود !
أما الآن ونظرا لأن الأسلحة الثقيلة تحتاج لأسابيع حتى يمكن أن تدخل فى جبهة القتال فإن هذه الحلول كلها أصبحت هباء منثورا ويجب إيجاد حل سريع وحاسم ينقل السلاح بالسرعة المطلوبة
ويسجل كيسنجر فى مذكراته أن إنتصار العرب بسلاح سوفياتى كان أمرا لا يمكن أن تقبله الولايات المتحدة ولهذا وفور بدء الجسر الجوى يجب أن تقوم إسرائيل بتحقيق الإنتصار ولو على إحدى الجبهتين قبل أن يتمكن الطرفان من تثبيت أقدامهما على حقائق الواقع
واتصلت جولدا مائير بكيسنجر عارضة الحضور إلى الولايات المتحدة لتحفيز نيكسون على الإستجابة السريعة , ورفض كيسنجر إذ أن ابتعادها فى ظل تلك الظروف أمر غير مطلوب وأنه ـ أى كيسنجر ـ سيتخذ اللازم
كما أن الزيارة مهما اتخذوا من التدابير لكتمانها فستتسرب أخبارها لزيد من تعقيد الموقف



الهوامش :
[1]ـ سنوات الفوران ـ مذكرات هنرى كيسنجر ـ الطبعة العربية