الموضوع
:
صبرا وشاتيلا .. وسقط القناع
عرض مشاركة واحدة
اليوم, 02:34 PM
المشاركة
6
مُهاجر
من آل منابر ثقافية
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
تاريخ الإنضمام :
Feb 2022
رقم العضوية :
16905
المشاركات:
629
رد: صبرا وشاتيلا .. وسقط القناع
يأخذني هذا الموضوع إلى ذكريات قديمة ترجع إلى نصف قرن، حين سألت يوما شيخي العالم العارف ـ رحمه الله ـ:
متى تتحرر فلسطين ويكون للمسلمين النصر والتمكين؟
فقال مبتسما:
إذا رأيت غالب الدول العربية كحال فلسطين، فاعلم حينها أن النصر قد اقترب أجله.
ولم أفهم معنى كلامه، لكون الحال مستقرا حين ذاك في الدول العربية، وما كان لنا جرح إلا جرح فلسطين.
وحين رأيت ما حصل في غالب الدول العربية من اضطرابات وحروب، وتصدع بعد تماسك، وانهيار بعد استقرار، تذكرت قول شيخي بعدما رأيت تحققه رأي العين، فبان لي أن الطريق إلى النصر مفروش بالابتلاء، وأن الفجر لا يولد إلا من رحم الظلام.
بعد حدوث "طوفان الأقصى" وما تلازم معه من قتل ودمار وتنكيل، كان أخي الكبير ـ متعنا الله بعمره ـ في كل لقاء يتحدث عن غزة وما أصابها، وعن ذلك الخذلان من بني جلدتها، خذلان القريب قبل البعيد، وخيانة الصمت قبل السلاح، وأنا أواسيه بقولي:
سينصرهم رب العالمين.
فيعقب علي ويقول:
ألا يحرك فيك ذاك المصاب ساكنا؟!
وأرد عليه:
بلى، ولكن ما حيلتي حياله؟!
فاليد قصيرة، والجرح عميق، والصوت مخنوق، ولكن الله لا يعجزه شيء، ولا يغلق بابا إلا فتح أبوابا.
ما حصل في صبرا وشاتيلا كان جريمة مكتملة الأركان، نفذها الخونة، وأملاها الأسياد، وسكت عنها العالم، فاجتمع الإجرام، وتواطأ الصمت، وتعرّت الإنسانية.
أخي الكبير، عندما يأتينا بالأخبار المبكية، أتلقاها وأنا أضحك وأبتسم، مما يزيده حنقا وغضبا، فيراني عديم المشاعر، وحين يغضب علي أصدمه بجوابي، وأبين له أن كل خبر تأتيني به وتراه شرا، فإني أرى فيه الخير، لأن بعد الانكسار انبعاثا، وبعد الاحتراق نورا، وبعد الليل فجرا لا محالة.
فما ضاقت إلا اتسعت، وما أُغلِق باب إلا فُتح غيره، ولولا كثرة الطرق لما فُكّ اللحام، ولولا شدة البلاء لما عُرف صدق الرجاء.
حادثة صبرا وشاتيلا كانت في ذلك الزمان فاجعة يشيب من هولها الغلام، أما اليوم فقد باتت كشاهد مألوف؛ ففي كل ثانية، وفي كل بقعة من الوطن العربي، يُسفك دم، ويُنتهك عرض، وتُداس كرامة، ويُشترى الصمت بثمن بخس.
حتى تبلدت المشاعر، وبات الأمر مستساغا، وكأنه من "روتين الحياة" الممل، فصار القتل خبرا عابرا، وصار النزف أرقاما، وصارت المآسي مادة للاستهلاك لا للإيقاظ.
أما عن الجيوش العربية، فلم ولن أجد أدق توصيف لها إلا ما وصفها به الشهيد سيد قطب، وصدّقه الواقع الذي نتنفس لحظته، حين قال صادقا:
"إن هذه الجيوش العربية التي ترونها ليست للدفاع عن الإسلام والمسلمين، إنما هي لقتلكم، ولن تطلق طلقة واحدة على الصهاينة".
ولن تعود عزة الإسلام، ولا يزول الظلم وأهله، ولا تُسترد الحقوق المنهوبة، إلا بعد ظهور العلامة الفارقة، واللحظة الحاسمة، ألا وهي:
زوال الحكومات العميلة، التي هي الرئة التي منها يتنفس العدو، ومنها يطول عمره، فإذا انهارت الرئة اختنق الجسد، وإذا سقط الوكيل انكشف الأصيل، وإذا بُترت الخيانة وُلدت الكرامة من جديد.
رد مع الإقتباس