بسم الله الرحمن الرحيم

إنريكو فيرمي*(29 سبتمبر*1901*-*28 نوفمبر*1954)*فيزيائي*إيطالي*أمريكي*حصل على*جائزة نوبل في الفيزياء*عام*1938، وكان ضمن الفريق الذي أنتج أول*مفاعل نووي*وأول*القنبلة الذرية، وقام بإرساء*نظرية الكم*(بالإنجليزية:*Quantum Theory).
كان فيرمي أستاذًا للطبيعة في*جامعة روما، شديد الحماس لكشف أسرار الذرة، وذاع صيته في الأوساط العلمية لبحوثه المدققة التي كشف فيها عن العنصر رقم (93) في الجدول الدوري للعناصر الذي رتبه العالم الروسي*مندليف*عام 1869. وكان العنصر رقم (92هو*اليورانيوم*الذي أصبح فيما بعد ملء الأسماع لأنه كان سببًا في إنهاء الحرب.
وكان مجال البحث الذي شغل به كثير من العلماء هو تحويل عنصر إلى آخر، كما كان الأمر في القرون السابقة عندما حاولوا تحويل*الرصاص*إلى*ذهب، فذهبت كل محاولاتهم سدى. وقتئذ كانت*ماري كوري*قد كشفت عن عنصر «الراديوم» المشع، وعرف أنه بسبب هذه الخاصية، يعتبر مناسبًا للتحول إلى عنصر آخر. لكن جامعة روما لم تكن تستطيع أن تتحمل تكاليف شراء جرام واحد من الراديوم، ليجري عليه فيرمي أبحاثه، إذ كان المطلوب (34) ألف دولار.لكنه لم يتوقف وأجرى محاولاته على الغاز المشع*الرادون*الذي يتكون من تحلل*الراديوم، وهو غاز يتوفر من مصادر طبيعية أخرى، إذ قام بوضعه داخل أنبوب اختبار مع مسحوق آخر، فوجده يطلق إشعاعات لعدة أيام ثم يتوقف، فكان هذا دليلاً على تحلله. واستنتج فيرمي أن أنبوبه يعمل كبندقية لإطلاق «النيوترونات» التي لا تحمل أي شحنات كهربية، ولذلك أسموها المحايدات، وكان عليه أن يبحث عن عناصر أخرى يواصل عليها تجاربه. ووجد ضالته بعد عنت في عنصر*الفلورين*الذي أعطى إشعاعًا قويًا، فتحول إلى قذف عنصر اليورانيوم - الذي يحمل الرقم (92) في*جدول العناصر*- فوجد أنه يعطي أكثر من عنصر مشع فظن أنه تحول إلى عنصر جديد غير معروف.
هرب فيرمي من يد*الفاشية*واستبداد*النازية*إلى أمريكا، فتلقفته*جامعة كولومبيا*في*نيويورك، إذ كانت سمعته قد سبقته بأنه مكتشف العنصر رقم (93)، وكتبت صحيفة*نيويورك تايمز*قصة الإيطالي الذي حاول تحطيم ذرة اليورانيوم، فاكتشف عنصرًا جديدًا، وقتئذ لم يكن البحث العلمي قد عرف أن العنصر الواحد يمكن أن يكون له ثلاث صور متحدة في الخواص الظاهرية ولها خواص أخرى، وهو ما أطلقوا عليه*النظائر*Isotopes. وتبين أن العنصر (93) ليس غير نظير من نظائر العنصر (92) اليورانيوم، ولذلك فرقوا بينها بأوزانها الذرية، فكانت (يو 234، يو 235، يو 238). ووجد أن أكثر هذه النظائر قابلية للانشطار عندما يقذف بالنيوترونات هو النظير (يو 235)، لكن كانت العقبة أن نسبته ضئيلة في خام اليورانيوم ولا تتجاوز (0.7)%، الأمر الذي يعوق استخدامه بحالته الطبيعية، ويلزم رفع هذه النسبة إلى حوالي 4% أو 5% فيما يعرف بعملية «التخصيب النووي*أو التثرية» (بالإنجليزية:*Enrichment)، وذلك حتى يسهل توجيه النيوترونات إليه في الآلات التي تقوم بذلك، والتي كانت معروفة منذ عام*1929*باسم*المعجل الرحوي*(السيكلوترون) (بالإنجليزية:*Cyclotron)، الذي صممه الأمريكي*إرنست لورانس، لكي تكتسب الذرات عجلة تسارع بقوى طرد مركزية في مسارات المعجل الحلزونية.
لكن مقتضيات الحرب، لم تكن تناسب الولايات المتحدة الأمريكية لبناء معجل، ولا كان لديها قدر كاف من خام اليورانيوم. ولكن لأن الأمر أصبح مبشرًا بقرب تحقيق النجاح، بعدما اقترح فيرمي إمكان الاستغناء عن المعجل الرحوي بما أسماه «الركام» Pile، فقد قام أسطول من الطائرات بنقل قدر كاف من خام*اليورانيوم*من*كندا*والكونغو البلجيكي*(زائير*حاليًا)، ووضع تحت تصرف فيرمي الذي شرع مع زميله المهاجر*المجري*(الهنغاري)*زيلارد*Szilard في بناء ركام تجريبي ليكون بديلاً للمعجل الرحوي.
مواجهة الركام بذكاء
كانت الفكرة الذكية للركام، هي طوق النجاة الذي أنقذ أبحاث فيرمي، حيث عمد وزميله إلى صف طبقات من اليورانيوم بعضها فوق بعض بحيث تتخللها طبقات أخرى من الجرافيت لتهدئ من سرعة انطلاق النيوترونات عندما تنقسم ذرات اليورانيوم. لكن هذا لم يكن أكثر من انقسام معملي، بينما طموح فيرمي يهدف إلى جعله انقسامًا متسلسلاً في توالٍ، ليتحقق ما قاله أينشتاين عن انطلاق الطاقة من المادة في عام 1905، فيما عرف بالنظرية النسبية الخاصة.
زكى هذا التوجه ما حملته الأخبار من أن هتلر أصدر أوامره إلى جميع العلماء للعمل في بحوث تقسيم الذرة لاستخدامها في الحرب. فشد فيرمي الرحال إلى العاصمة واشنطن، في محاولة لإقناع أي من المسئولين بجدوى تبني فكرة أن تفجير كمية من اليورانيوم يمكن أن تكون قوتها أكثر آلاف المرات من أي مفجر آخر. وهداه تفكيره مع زميله المجري إلى أن أنسب من يدق جرس الإنذار للمسئولين هو أينشتاين نفسه، نظرًا لمكانته العلمية وصلاته الواسعة، فضلاً عن أنه على دراية بما كان يجري في ألمانيا من بحوث في المجال نفسه.
أعد فيرمي رسالة يحث فيها الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على تبني بحوث تفجير الذرة وما وصلت إليه من مرحلة حاسمة وعرضها عليه، وقد وقع أينشتين الرسالة في أغسطس 1939، بعد أن أضاف إليها فقرة ذكية، نوهت بأن الألمان قد أوقفوا بيع اليورانيوم إلى الدول الأخرى، دلالة على تقدم بحوثهم عن الذرة، وختم الرسالة بقوله «إن الإنسان لأول مرة في التاريخ، سوف يستخدم الطاقة التي لا تأتي من الشمس».
على الفور قرر الرئيس روزفلت تشكيل لجنة «شئون اليورانيوم»، وبعدها أخذت البحوث الذرية في الولايات المتحدة مسارًا جديدًا، وحشد رهط العلماء الذين تركوا أوروبا هربًا من ديكتاتورية النازي، لاستكمال بحوثهم، بدعم مكثف من السلطات الأمريكية. كان من هؤلاء: أوتو هان الألماني، ونيلز بور الدانمركي، وجيمس شادويك البريطاني، وأوتو فريش وأندرسون السويسريان، وإميليو سيجريه الإيطالي، وإيرين جوليو الفرنسية وليز ميتنر النمساوية. وكل منهم له باع في بحوث الكيمياء والطبيعة الذرية، ولكن كان أكثرهم حماسًا هو «فيرمي» لأنه كان قاب قوسين أو أدنى من تقسيم الذرة بفكرة الركام.
مفترق طرق
في 7 ديسمبر 1941، قلب الهجوم الياباني على بيرل هاربر مسار الحرب العالمية الثانية، عندما قصفت اليابان الميناء الأمريكي دون سابق إنذار، ما أدى إلى تحطيم الجزء الأكبر من الأسطول في المحيط الهادئ. اعتُبر هذا الهجوم صفعة قوية لهيبة أمريكا، فكان إعلانها الحرب على اليابان نتيجة حتمية، وتبعتها ألمانيا وإيطاليا بإعلان الحرب عليها. على إثر ذلك، احتدم السباق بين الجبهتين للحصول على أسرار السلاح الذري، إلا أن الولايات المتحدة كانت قد قطعت شوطًا كبيرًا في أبحاث الطاقة النووية.
نقطة الانطلاق كانت محاولة تحطيم ذرات اليورانيوم-235. وفي عام 1941، نجح العالم الأمريكي إدوين ماكميلان في تخليق نظير اليورانيوم «U-239»، الذي يتحول بعد سلسلة تفاعلات إشعاعية إلى البلوتونيوم 239، وأكد العلماء إمكانية انشطار ذراته عند قذفه بالنيوترونات البطيئة. ما أثار أملًا في ابتكار سلاح قادر على تغيير مجريات الحرب.
اتخذت الحكومة الأمريكية قرارًا بالحفاظ على سرية الأبحاث الذرية، وشكلت لجنة عسكرية برئاسة الجنرال ليسلي جروفز لتنظيم المشروع، وأطلقت عليه الاسم الرمزي مشروع مانهاتن. وضعت اللجنة عدة أهداف رئيسية: تركيز البحوث العلمية في جامعة واحدة بدلاً من تعدد المواقع، وتأمين مصادر خام اليورانيوم من كندا والكونغو، وتوفير المواد المساعدة مثل الجرافيت النقي والكادميوم. كما نقلت اللجنة الركام التجريبي لإنريكو فيرمي من جامعة كولومبيا إلى جامعة شيكاغو، حيث أُقيمت التجارب في صالة مخصصة للرقص، مع معامل ومخازن حول الجامعة لتجميع المواد اللازمة.
للتحكم في الانشطار المتسلسل، رُبطت قضبان الكادميوم داخل أكوام اليورانيوم والجرافيت بالحبال، بحيث يمكن سحبها أو دفعها للتحكم في معدل الانشطار. وعندما سجلت عدادات غايغر النشاط الإشعاعي، كان ذلك دليلًا على نجاح التحكم في الانشطار رغم بساطة التجهيزات. تحقق النجاح يوم 2 ديسمبر 1942، مع ارتفاع حرارة الركام، وأرسل العلماء رسالة مشفرة للحكومة: «الملاح الإيطالي وصل إلى الدنيا الجديدة». أصبح هذا اليوم بمثابة المولد الأكاديمي لعصر الذرة.
بعدها، بدأ تطوير ركام فيرمي عبر بناء مفاعل X-10، الذي أُجهز لتشعيع وتثري اليورانيوم وإنتاج البلوتونيوم، مع مضخات لتبريد الحرارة العالية الناتجة. وفي الوقت نفسه، اشترى الجنرال جروفز مساحات واسعة في ثلاث ولايات لإنشاء مدن سرية:
أوك ريدج، تنيسي: فصل اليورانيوم 235 من اليورانيوم 238 باستخدام عملية التثرية، بمصانع ضخمة تُغطي الطاقة الكهربائية لمدينة كاملة.
نهر كولومبيا، واشنطن: تحويل اليورانيوم إلى بلوتونيوم، مع إقامة معسكر يضم 60 ألف عامل وأسرهم، تحت إجراءات أمن صارمة.
لوس ألاموس، نيومكسيكو: إقامة منشآت للمختصين والعلماء لتصميم القنبلة، حيث عمل فيرمي وفريق العلماء الأوربيين والأمريكيين المهاجرين، مع طلاء المنشآت باللون الأخضر للتخفيف من المراقبة الجوية.
مع اكتمال تجهيز الركامات الثلاثة وإنتاج البلوتونيوم، كانت المرحلة الأخيرة اختبار أول تفجير نووي. أُقيم التجريب في صحراء الامجوردو على بعد نحو 350 كيلومترًا من لوس ألاموس، حيث رُفع البرج المعدني للقنبلة التجريبية التي تحوي كيلوغرامًا واحدًا من اليورانيوم 235. في 16 يوليو 1945، أدى الانفجار إلى تدمير البرج بالكامل، مع هدير قوي وضوء ساطع أكثر من الشمس، وارتفعت سحابة كثيفة إلى ارتفاع 12 كيلومترًا، مع تشكّل فجوة كبيرة في الأرض وتحويل الرمال إلى زجاج. أثبت الانفجار للعالم أن البشرية دخلت عصرًا جديدًا من الطاقة النووية، وأدى لاحقًا إلى اتخاذ إجراءات لتوجيه القنبلة ضد اليابان ردًا على هجوم بيرل هاربر.
القنبلة الذرية
في يوم 26 يوليو 1945، وجهت أمريكا إنذارًا إلى اليابان بأن تستسلم خلال يومين، وقد رفض رئيس وزرائها هذا المطلب، فأتى الرد وفي الساعة الثامنة والربع من صباح يوم 6 أغسطس 1945 أي بعد عشرة أيام من الإنذار بالاستسلام، استيقظ العالم على كارثة تفجير القنبلة الذرية الأولى، التي حملتها إحدى قاذفات السلاح الجوي الأمريكي من طراز ب - 29، وأسقطتها فوق مدينة هيروشيما اليابانية. ولم تمض غير ثلاثة أيام حتى ألقيت القنبلة الثانية فوق مدينة نجاساكي، وكانت كوارثها أشد وطأة وأكثر بشاعة، وعلى الفور أعلنت اليابان الاستسلام.
منقول