الموضوع
:
مُهاجر
عرض مشاركة واحدة
يوم أمس, 02:12 PM
المشاركة
398
مُهاجر
من آل منابر ثقافية
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
تاريخ الإنضمام :
Feb 2022
رقم العضوية :
16905
المشاركات:
573
رد: مُهاجر
قالت:
ثَمَّةُ جراحٍ تؤرّقني كل يوم، وندباتٌ محفورةٌ في الذاكرة. بداخلي أكوامٌ من الألم، بل شظايا من الأحزان تتفكك على هيئة دموع، كلما هدّتني الحياة! أبكي… والدموع تحكي مسافاتٍ وأميالًا، بُعدًا وبلدانًا… أيُّ وجعٍ هذا الذي يَرسي خيامه عليّ؟ فيرديني صريعةً كلما أردت الفرار! ضعيني بين خرائطه، وحِدت عن الطريق…
قلت:
أيُّ حزنٍ ينحت فيّ البؤس حتى حدّ التشبّع، وكأني بين صفحاته رواية. يكتب سطورها ببكاء الحروف، ويرقص على أعتاب الحنين، وعندما أبكي، يستيقظ النبض، وأتقيّأ الذكريات، وترتجف فرائصي، فلا أشعر إلا أنني في عالمٍ آخر.
قالت:
أحاول أن ألملم أشتات الواقع… قل أنه "هُدم". أمنياتٌ انتهت، وماضٍ رحل… ولا زلت أقف على أنغام الموت، أنتظره يومًا بعد يوم، عله يكتب لي شيئًا من "الراحة" من تعب الحياة.
قلت:
كم منا يستيقظ وينام على وقع الأحزان، والهمُّ فينا يطاول السماء؟ عند الصباح تشرق الشمس على يومٍ جديد، تبعث الدعوات إلى رب العالمين، وتنسكب الدموع على دفتر الأيام لتُبلّل أوراقنا القديمة، وتدخلنا في أتون الذكريات. حينها يموج في القلب داعي الحنين، نختبط في الأرض، والوهن في القلوب ينمو.
قالت:
أشتكي من الحزن وأبحث عن الخلاص، والجروح بداخلي عميقة بلا قرار، أخفي آثارها بابتسامةٍ عريضة، أحاول عبثًا إخفاءها، لأن العيون لا تعرف السكينة، وجموح المشاعر سبيل الهروب من دوامة العتاب، والقول بأن الأمر ذاك يُعاب.
قلت:
يريدوننا بشرًا بقلب كالحجر، دعواتهم مغلّفة بالإشفاق، فما عاد الحزن يجدي، ولا يعيد ما فات، تلك دعواتهم، والصدق في ثنايا الإخبار.
قالت:
تلك مرحلة طَوَتْها الأيام، وحملتها رياح الزمان، وما علينا غير فتح صفحة جديدة نستشرف بها نعمة الأمان…
قلت:
فالعمر يمضي، ورسائل انقضائه نراها في تعاقب الليل والنهار. فيا قلبي أبشر، فقد جاءك الاطمئنان، فغادر مواطن البلاء، وخلع رداء العناء، فالعمر إلى زوال، وأنعش القلب بالصفاء.
قالت:
وساير الأحزان بالصبر والسلوان، فما دام فرح، ولا حزن في قلب إنسان. أبرم اتفاقًا مع نفسي بأن أجعل من الأحزان محطةً لمراجعة الحساب، لأمضي بعدها بلا ارتياب. بتلك العبارة أنهي حزني، ومنها أبدأ حزني الذي أدور حول حِماه الذي لا أكاد أنهض منه حتى أعود لأسقط فيه من جديد!
قلت:
ليتنا نستطيع الهروب! ولّيت قلوبنا بلا مشاعر، ولّيت الدمع يتجمّد على حافة الذكريات. نعبث دومًا حول ماهية الأسباب، ونسأل: لماذا رحلوا؟ وكيف لقلوبنا أن تصبر؟ وكيف سنعيش؟ نساير الزمن كثيرًا، نمضي ونتناسى، وغالبًا ما ننكسر، نتعثّر ونَسقط عند أقرب كلمة، أو أقل حركة، أو حتى لقاء عيون. والمنكسر مجدافه يتيه ويضيع، وينغمس في أعماقٍ مُزرية، نبحث عن ذاتنا ولا نجدها، كانت، وكانت، وكانت غرقى، ولا نريد النجاة، ونفقد أنفسنا مرات ومرات، حتى البوح تعب حروفه، ولم تعد يداي قادرتين عليه، عسى الله أن يكتب لقلوبنا فرحًا قريبًا.
قالت:
سأستميح شعوري عذرًا كي أعاود تقييم ذاتي، أُطل من شرفات الماضي، أسرج بذلك فكري لأنهك جواد ذكرياتي، أستقصي مواطن اللقاء، حيث تلاقينا بعد إرهاق، بعدما تراكم على سطح القلب غبار الشوق، فتعلّق بذاك نبض يتحشرج في صدر الكون، ويعبث الوقت بعقارب الساعة.
قلت:
وقد تغشى واقعي سراب الأماني، فما زلت أسفّ قفار الرحيل حتى يسلمني العناء لسباتٍ عميق ليخفف عني تباريح السنين. هذيانٌ يُعمّق الجرح، ويُلهب الصدر الحزين، والشوق يبني سرداب الأنين، تركض الأمنيات تعانق المستحيل في عرف من أخضع قلبه لداعي العويل، فأسلم أمره لسجّان التيه.
طرائقٌ فيها يسري الهائمون على إيقاع عزف العاشقين، يبنون بها قصور الحالمين بفجر يجمع شتات قلوبهم لتسكن في ديار الآمنين.
يبكي، يشتكي، يتذمّر، يتبرّم، يعبس، يغضب، وفي نهاية أمره: ألمٌ ما زال متشبثًا به، وعنه لم ينجَل. فما يزال ذاك حال من أرهق جواد عزمه في ميدان الحزن، وظنّ أن الحل في رحيله عن الشهود، فكان الهروب إلى الأمام ليجد نفسه على ذلك الحال، يتعاقب عليه الليل والنهار، والشروق والغروب، مضمّخٌ بالأسى، يرعى النجوم، يرجي الأفول، آماله معلقة في مشانق اليأس، وقد وضع عنق الأمل في مقصلة القنوط، تسمع منه ذاك العويل وتنهدات السنين، تهرب منه العبر، وتزاحم الأفكار عقله، والحلول تراوده، غير أنه أودع كل ذلك في سرداب التسويف بعدما تجرد من الأخذ بالأسباب، ويبقى على حاله يعيش ويموت، ويُبعث عليه مرةً أخرى، عشقَ جلدَ الذات وآهات الليالي الطوال يجد في ذلك الواقع أنه قدر ليس منه وعنه مفر، فيعيش في أتونه، ليستجير به كالمستجير من النار بالرمضاء، بينما الحلّ شاهِر للعيان، لا يكلّفه إلا التفكر والجلوس مع النفس جلوس محاسبة وتقييم، ليعرف بذلك قبلته وموضع قدمه، أما ندب الحظ بالنواح فلن يقرب بعيدًا، ولن يعيد له حبيبًا.
قالت:
كلماتٌ أحيت بداخلي شيئًا جميلًا، قل أنها ذكرتني بنفسي القديمة، آه وما أجملها من أيام حين كنت لا أترك للحزن منفذًا، ولا لليأس مكانًا بين أضلعي. كانت حياةً رغم أنها جنونية، وفيها كثير من طول الأمل، إلا أنها كانت الأجمل بالنسبة لي، أحاول وأقسم جاهدة بذلك، ولكنني أسقط كم مرة أشرعت نوافذي وشممت هواء القرآن، وعند أول حركة للعاطفة أنهار بالبكاء، حتى عجزت حينها عن قراءة آية من كتاب الله ثلاث ليالٍ متتالية. كلما فتحت الصفحات تبللت بماء الندم والأحزان، ورغم ذلك تلك الليالي علمتني الكثير، وعلمتني كيف تسقط الدمعة من أجل الله، لا لغيره، ومن أجل الآخرة لا للدنيا.
قلت:
رغم الحزن نظل نتعلم، ونتعلم، ونبقى كلما عذّبنا جلد الذات نهرع لآياته، نُرمّم ما تهدّم من دواخلنا، ونلمّ أشتاتنا، وإلا كنت لا شيء يُذكر الآن، هباءً منثورًا.
قالت:
لكلماتك أصب خبيبات السكر في الحياة، أتوفر بالتفاؤل، وتشرق بسمتي من جديد، أدامك الله نبضًا زاهرًا لأحبابك.
قلت:
لطالما حلمت أن أكون خلقًا آخر: همسة بها حياة وحديث الروح من بعد أن نالها التهميش، حتى باتت تئن من رغبتها لتلك الجرعات التي تُحييها من رقدتها، وتعيد لها بسمتها وسعادتها. نصبنا جام الاهتمام بما يداعب القلب والأذهان، نسافر عبر الخيال، نُفرد شراع الأوهام، نركض خلف سراب يحسبه ماء ذلك الظمآن، تسير به الأقدام حيث تعاقب الأيام، وهو وسنان يطربه شدو ولهان، والقلب يُغرس فيه الأحزان، وأرى الجسد تفترسه الحمى والسهر، والحال يشكو جور إنسان، نصيح ونبكي من ضيق الحال، نصف أوضاعنا بأبشع الأوصاف، وبعد ذلك نلوم الأيام لما يجول ويعانيه الإنسان، يبحث عن السعادة في تفاهات الأشياء، نلوذ بمن يعز عليه امتلاك ما يعينه على بلواه، تُذاع لنا الحلول ويعلونا الذهول، ونحن ساهون واجمون، نريد الحلول من غير مجهود، والقلب من الخير كالعصف المأكول، وحب الشر لنا مجبول، يشقّ ضميرنا معول التذكير، ولا تزال قلوبنا أقسى من الجلمود.
رد مع الإقتباس