الموضوع
:
مُهاجر
عرض مشاركة واحدة
يوم أمس, 11:31 AM
المشاركة
385
مُهاجر
من آل منابر ثقافية
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
تاريخ الإنضمام :
Feb 2022
رقم العضوية :
16905
المشاركات:
556
رد: مُهاجر
تلكَ الطُّرُقُ — وإنْ بدتْ موحشةً — هي ممرّاتُ النُّضجِ الخفي،
لا يُضيئُها ضوءُ رفيقٍ، بل شرارةُ وعيٍ في أعماقِ طريقٍ عَصيٍّ على السائرين.
ففي العُزلةِ يُمتحنُ الصدقُ، وتنكشفُ الذاتُ على حقيقتِها دونَ زينةٍ أو شاهدٍ أو معين.
هنالكَ، حيثُ يَصمُتُ الكونُ، يُولَدُ الفَهمُ من رحمِ السكون،
وتنطقُ البصيرةُ بما لا يُقال، وتُضيءُ ظلمةُ الفكرِ بنورِ الامتحان.
وفي معزلِ الوحدةِ، يُلتقَطُ نَفَسُ النقاء، ويُغسَلُ القلبُ من غُبارِ الضجيجِ والادّعاء.
فالعُزلةُ ليست هروبًا، بل عودةٌ إلى جوهرِ الحضور،
وليست فقرًا في الأنيس، بل غِنىً بالأنفاسِ والسرور.
هي سُلَّمُ الواصلين، ومحرابُ المُتأمِّلين،
فيها يُعرَفُ المرءُ بقدرِ ما يسكُت، ويعقِلُ بقدرِ ما يَخلو.
خابَ ظنُّ من ظنَّ أنَّ النورَ يُستعارُ من غيرِ موطنِه،
أو أنَّ الجلوسَ على أطلالِه يُورِثُ فائدةً أو يُحيي أمَلًا خامدًا في كامنِه.
فالنورُ لا يُوهَبُ لمن التمسَه من الأفق، بل لمن أضاءَ جذوتَه في العمق،
وفي زخمِ الرغبةِ تتقدُ شرارةُ الإدراك،
ومن وهجِها يُولَدُ الوعيُ، ويُنبَتُ الإشراق.
وفي مسيرةِ الحياةِ، لا يُجدي ازدراءُ الجسدِ، ولا نفعَ في وأدِ الروح،
فمن ضيَّعَ إحداهما خسرَ كليهما، ومن وازنَ بينهما فازَ بالراحةِ والبوح.
ومن أصغى إلى نداءِ سريرتِه، طارَ بجناحِ الصفاءِ إلى علياءِ السماء،
وإنْ ظلَّ صامتًا لا يُحرِّكُ ابنةَ شفةٍ، فإنَّ صمتَه حديثٌ، ونظرتَه بيان.
ذلكَ الصمتُ — وإنْ بدا سكونًا — هو صهيلُ اليقين،
تُبصرُ فيه العينانِ ما عجزَ عن رؤيتِه المُبصرون،
ويغدو الوصولُ إلى معينِ الحكمةِ بابًا لا يُفتحُ إلا بمفتاحِ التدبُّر،
الذي يُزَيِّنُه الصمتُ، ويُكلِّلُه الصفاء،
فبذلكَ يبلغُ السائرُ الشطَّ المستورَ،
مُوقنًا أنَّ بلوغَ النورِ لا يكونُ بالخطى، بل بالوعيِ الذي لا يزول.
رد مع الإقتباس