الموضوع: مُهاجر
عرض مشاركة واحدة
قديم اليوم, 07:03 AM
المشاركة 382
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
لعلَّ الحياةَ اقتضت أن تُغيِّر ذاك النمطَ الرَّبَّاني، وكأنها أرادت أن تُنبِّه الغافلين بأن السكونَ ليس من سُنن الأكوان، فالبعضُ يجعلُ من المقولةِ علّةً وحيلةً وعذرًا يتذرَّع به، هروبًا من جوهر الحقيقةِ وعمق المعنى!

كثيرونَ لا يُدركونَ ما وراء تلك اللمساتِ اللطيفةِ، واللطائفِ الدقيقةِ الخفيّة، التي أودعها المولى عزَّ وجلَّ في صنوفِ الموجودات، أكانت ماديّةً أم معنويّةً، فهي إشاراتٌ لا يقرؤها إلا من رقَّ حسُّه، وأبصر قلبُه، ووزنَ الأشياءَ بميزانٍ من نورٍ وعرفان.

"وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا"
نغمةٌ ربّانيةٌ تُذكّر بأن التوازنَ هو سرُّ البقاء، وأن الأرضَ لم تُبسَط لتكونَ ساحةَ عبثٍ، بل ميدانَ ابتلاءٍ وعدلٍ وامتحان.

فما حلَّ بالأرضِ من أمراضٍ وكوارثٍ ونِقَم، إلا بما جَنَتْهُ أيدي البشر، وما زاغَ من عقولهم حين اغترّوا بقوّتهم، فاستغنوا عن خالقهم.
وقد قال الحقُّ سبحانه:

"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ، لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"

ومع هذا كلّه، تراهم يطلبون الخلاصَ من البلاء ببلاءٍ أعظم، ويستجيرون من الرمضاءِ بالنار!
كأنهم لم يتّعظوا بسنن الكون، ولم يفهموا أن الحلولَ في أيديهم، لكنّهم يُعرضون عنها استكبارًا وغرورًا.

هي قاعدةٌ لن تتحرّك ولن تتبدّل:
ما بدّلَ قومٌ أمرَ الله، ولا استبدلوا حكمَه بحكمٍ من صنعهم، إلا حاقت بهم سنّةُ الزوال، وذاقوا من مرارةِ الاختلال ما لا يَعرفُ له دواء.

فما خلقَ اللهُ الخلقَ عبثًا،
ولا تركهم هملًا،
بل جعلَ لكلِّ شيءٍ قدرًا، ولكلِّ انحرافٍ جزاءً، ولكلِّ توازنٍ بقاءً.

فسبحانَ من أقامَ نظامَ الوجودِ بالعدل،
وأدارَ رحاهُ بالحكمةِ،
ليعلمَ الإنسانُ أنَّ الإصلاحَ ليس خيارًا… بل فريضةُ الحياة.