الموضوع: مُهاجر
عرض مشاركة واحدة
قديم اليوم, 07:01 AM
المشاركة 381
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
نقع في شِراك الحيرة، ونحن نتجوّل بفكرٍ تائهٍ بين مسالك الاختيار، لننتقي موضوعًا نطرحه على طاولة الحوار والنقاش؛ إذ غالبه طُرح وأُشبع بحثًا وردًّا، حتى غدا التكرار له نهجًا لا ينتهي ومسارًا لا يتغيّر، وكأنّ الأمر مُشرع بابه لكل عابر، وكأنّ الحلول لم يقبلها من أصابته ناره، فظلّ يكتوي في صمتٍ ويغلي من لهيب قراره.

هي الحياة تمضي بالواحد منّا، وهو يسحب ثوب الشقاء على جسد الأمل، والماء يتعثّر به بلا اكتراثٍ ولا وجل، كأنّ الدرب لا يعرف رحمة، وكأنّ الزمان لا يمنح فسحة.

في باحة الحياة صورٌ من معاناةٍ خرج من رحمها من سُطِّرت نجاحاتهم، فكانوا للتضحيات والنجاحات عنوانًا ومثالًا.
وفي غالب الأمر يشطح الفكر ويتسلّل في أضيق الاحتمالات، والمصيبة أنّ الفكر يتكلّس عند أول عقبة، فيجعل الحكم المتعجّل نهاية القصة ومسك الختام، دون أن يتريّث ليبصر ما تُخبئه الأيام.

ولقد وجدتُ الفائزين هم الذين امتطَوا صبرهم زادًا، واتّخذوا اليقين سلاحًا، وجعلوا حسن الظنّ بربّهم جناحًا، يطير بهم في كل وقتٍ وحين.

تعجّبتُ ممن تعتلي شفاهَه ابتسامةٌ عريضةٌ عند كل مطبٍّ يواجهه، كأنّه يلتقطها هديةً من دروب الكفاح، ويسقيها من ماء الطموح، وكأنّها وردةٌ نبتت على شوك العناء!
ويستوحش حين يسير في طريق النجاح من غير مصادفة الأخطار، كأنّه يستفزّها ليستنهضها، ويتحرّش بها ليستدعيها، وكأنّ يقينه أنّ المجد لا يُبلغ إلا على سلالم الألم، ولا يُقطف إلا من شوك العذاب والمكابدة.

والله...
لا أعجب حين يبلغ مبتغاه، كما أعجب كيف يستمرئ المعاناة، ويتلذّذ بالوجع كأنّه طَعم الحياة!
وكأنّه أدرك أن الطريق إلى النور لا يُضاء إلا بشرارة الألم، وأنّ المجد لا يُولد إلا من رحم الصبر والعزم والاحتساب.

هكذا هي الحياة...
تُدني من رحمها الأشدّ وجعًا ليكون الأبلغ أثرًا،
وتُخفي وراء كل عثرةٍ بابَ نهوض،
ووراء كل وجعٍ مهدَ فجرٍ جديدٍ فيوض.

فمن صبر على كدرها، أورثه الله صفاءها،
ومن صدق مع ربّه، أراه من خلف البلاء سناه وضياءها،
ومن سار بثقةٍ في دربها، وجد في نهاية المدى مفتاحها وبهاءها.

فطوبى لمن لم يَخَفْ من لهيبها، ولم يجزع من صخبها،
بل جابها بقلبٍ راسخٍ، وابتسامةٍ تكسو وجهه في وهجها،
حتى إذا بلغ مبتغاه، علم أنّه ما خُلق الوجعُ إلا ليهذّب،
ولا كُتبت المعاناة إلا لتُقرّب،
ولا طال الطريق إلا ليُظهر في المسير من صدقَ في التوكّل ومن كذب.