الموضوع: مُهاجر
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-28-2025, 12:50 PM
المشاركة 324
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
من العبث...
أن تمضي ثواني عمرك، بل أنفاسك، في مراقبة مَن أحببته يومًا،
تتابع خطواته، تترصّد حضوره وغيابه،
تفتّش في كلماته، وتُعيد تأمّل صمته،
وكأنك تبحث عن إشاراتٍ خفيّة تدلّ على أنه لا يزال يذكرك...
بينما، في ذات اللحظة،
تمضي جاهدًا في طمس كل ملامحه من ذاكرتك،
تحاول دفن صوته، وضحكته، ووجهه الذي كان يومًا مأوى روحك،
في قبرٍ موحشٍ اسمه النسيان.

أيّ عبثٍ هذا؟
أن تنقسم داخليًا بين قلبٍ لا يزال ينبض له،
وعقلٍ يوبّخك كل مساء لأنك لم تتجاوز بعدُ تلك الحكاية.
أن تحمل في يدك وردة الذكرى، وفي الأخرى مجرفة النسيان.
أن تبني له ضريحًا في وجدانك، ثم تجلس عنده تبكي،
وترجوه أن يرحل!

إنه العبث بعينه...
أن ترفض الاعتراف بأنك ما زلت تحبه،
وتحاول في كل تصرّف أن تُقنع نفسك بأنك تعافيت،
بينما تنهار كل تلك الادّعاءات في لحظة سماع اسمه،
أو حين يمرّ طيفه في ذاكرتك فجأة، بلا استئذان.

إنه العبث...
حين تتحوّل من عاشقٍ كان يمنح بلا حساب،
إلى حارسٍ لذاكرةٍ تتآكل،
يخشى أن ينسى، ويخشى أن يتذكّر... في آنٍ واحد.

لكن...
رغم كلّ هذا التيه،
ستصل يومًا إلى الضفّة الأخرى من نفسك،
إلى حيث لا ينتظرك طيفه، ولا تُطاردك ملامحه،
حين تتعلّم أن الذكرى ليست قيدًا، بل درس،
وأن الحب الذي لم يُكتَب له البقاء،
ليس نهاية... بل بداية جديدة لذاتك.

ستشفى، ولو بعد حين،
وستضحك من قلبك، لا من ذكراك،
وتمضي نحو مَن يستحق أن يُكتَب في فصولك القادمة،
لا في هوامش ماضيك.