الموضوع
:
مُهاجر
عرض مشاركة واحدة
07-28-2025, 01:33 PM
المشاركة
283
مُهاجر
من آل منابر ثقافية
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
تاريخ الإنضمام :
Feb 2022
رقم العضوية :
16905
المشاركات:
478
رد: مُهاجر
رسائلُ حُبٍّ خططتُها بحروفِ الوجدِ، ولكنّني خبّأتُها في جيوبِ الصّمتِ.. ابتساماتٌ كتمتُها خلفَ ستائرِ الخجلِ، ودموعٌ حبستُها كي لا يرحمَني أحدٌ!
أحببتُ أناسًا في صمتِي، فغادروني في ضجيجِ الوداعِ.. واكتشفتُ حقيقةً مرّةً: كلُّ تحوُّلٍ في حياتي كان يُسبقُه فراقٌ.. فراقٌ لصورةٍ قديمةٍ، أو لظنٍّ زائفٍ، أو لحلمٍ ميّتٍ ظللتُ أسحبهُ كجرحٍ لا يندملُ!
ظننتُ أنّ الزّمنَ هو من غيّرني.. ولكنّ الحقيقةَ كانت أقوى: الذّكرياتُ كانت تضغطُ عليَّ كالرّيحِ العاتيةِ، تدفعُني لأن أخلعَ عنّي قشورَ الماضي، وأرتدي جلودًا جديدةً تُشبهُني!
الذّكرياتُ ليست فقط ما نحملهُ في العقلِ.. بل أيضًا ما نخجلُ من حملهِ في القلبِ!
ذلكَ اليومُ الذي خذلتُ فيهَ صديقًا بِجُبنِي..
تلكَ اللّحظةُ التي تظاهرتُ فيها بالقوّةِ وأنا أتهاوى تحتَ وطأةِ الضّعفِ..
كلمةٌ جارحةٌ ألقيتُها على أمّي ثمّ ندمتُ كأنّني ألقيتُ حجرًا على مرآةٍ!
أصدقاءُ تركتُهم ظنًّا منّي أنّني سأجدُ نفسي في مكانٍ آخرَ..
كلُّ ذلكَ يعودُ الآنَ.. لا لِيُؤلِمَني، بل لِيُعلّمَني!
التحوُّلُ الحقيقيُّ بدأ حينَ توقّفتُ عن الهربِ من ذاكرتي..
حينَ فتحتُ صندوقَ الماضي، لا لأبكي عليهِ، بل لأقرأهُ ككتابٍ مقدّسٍ!
وحينَ قلتُ لنفسي:
"نعم، هذا ما كنتُ عليهِ.. وهذا ما صرتُ إليهِ..
وبينَ الاثنينِ.. طريقٌ طويلٌ مِنَ الخيباتِ، والدّروسِ، والانكساراتِ، والانتصاراتِ!"
نعم.. ما زالتْ هناكَ أيّامٌ لا أفهمُها.. وقراراتٌ أندمُ عليها.. وأشخاصٌ أشتاقُ إليهم..
لكنّي الآنَ أعرفُ..
أنّ الذّكرى ليستْ سجنًا، بل جسرٌ..
وأنّ التّحوّلَ ليسَ أن تصبحَ شخصًا آخرَ، بل أن تعودَ إلى نفسِك الحقيقيّةِ بعدَ أنْ تُجرّدَكَ الحياةُ من الأقنعةِ!
وهذا ما أفعلهُ كلَّ يومٍ.. أتذكّرُ لأتغيّرَ.. أتغيّرُ لأتّزنَ..
وأمضي.. لا مَلَكًا ولا شيطانًا.. بل إنسانًا يحملُ تناقضاتِهِ بِصدقٍ!
اليومَ، وأنا أنظرُ إلى الماضي، أعرفُ أنّ الرّحلةَ لم تنتهِ..
فما زلتُ أتعلّمُ، وأكتشفُ، وأسقطُ، وأنهضُ..
الماضي ليسَ مجرّدَ ذكرياتٍ.. بل هو دمٌ يسري في عروقِ حاضري، ونورٌ يُضيءُ دربي إلى مستقبلي..
فيا أيّها الماضي.. أنت لستَ عدوًّا.. بل أنتَ المُعلّمُ الذي لا يتعبُ، والدّليلُ الذي لا يضلّ!
رد مع الإقتباس