عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
0

المشاهدات
50
 
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي


أحمد فؤاد صوفي is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
1,832

+التقييم
0.31

تاريخ التسجيل
Feb 2009

الاقامة

رقم العضوية
6386
يوم أمس, 11:45 PM
المشاركة 1
يوم أمس, 11:45 PM
المشاركة 1
افتراضي *حِكَايَةُ الْبِذْرَةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ شَجَرَة*


*حِكَايَةُ الْبِذْرَةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ شَجَرَة*

أَرْجُوكِ يَا غَيْمَة، اِسْقِنِي قَطْرَةَ مَاءْ ، قَطْرَةٌ وَاحِدَةٌ، أَرْجُوكِ، إِنَّنِي عَطْشَى ،،،
وَمَضَتِ الْبِذْرَةُ الْصَغِيرَةُ تَسْتَجْدِي كُلَّ غَيْمَةٍ تَمُرُّ فَوْقَهَا، عَسَى أَنْ تَجُودَ عَلَيْهَا بِبِضْعِ قَطَرَاتٍ مِنَ الْمَاءِ، كَيْ تَتَمَكَّنَ مِنَ الْمِيلَادْ، وَلَكِنَّهَا بَقِيَتْ في مَكَانِهَا قَابِعَةً تَحْتَ حَوَاشِي الْأَرْضِ تَنْتَظِرُ الْفَرَجْ، لَدَيْهَا شَوْقٌ كَبِيرٌ، لَا تُرِيدُ الانْتِظَارْ، بَلْ تُرِيدُ لَوْ تَنْبُتُ وَتَكْبُرُ لِتُصْبِحَ شَجَرَةً كَبِيرَةً يَتَفَيَّأُ النَّاسُ ظِلَالَهَا، وَيَجْمَعُونَ عَنْهَا الثَّمَرْ.
وَفَجْأَةً، وَفي صَبَاحِ يَوْمٍ سَعِيدٍ زَمَانُهُ، تَحَرَّكَتْ رِيحٌ لَطِيفَةٌ، وَبَدَأَتْ تَلْتَقِطُ الْغُيُومَ الصَّغِيرَةَ مِنَ السَّمَاءِ رُوَيْدَاً رُوَيْدَاً، مُتَنَاثِرَةً هُنَا وَهُنَاكْ، جَمَعَتْهَا وَقَرَّبَتْهَا لِبَعْضِهَا، ثُمَّ أَهْدَتْهَا لِلْغَيْمَةِ الْأُمْ، اَلَّتِي ثَقُلَ حِمْلُهَا، وَلَمْ تَسْتَطِعِ الْمُقَاوَمَةَ أَكْثَرْ، فَبَدَأَ الْمَطَرُ يَهْطِلُ أَنْهَارَاً، لُؤْلُؤٌ يَتَمَاوَجُ أَلَقَاً، وَأَحَسَّتِ الْبِذْرَةُ تَحْتَ حَشَاشِ الْأَرْضِ أَنْ قَدْ آنَ الْأَوَانْ، فَفَرِحَتْ وَاخْتَلَجَتْ، وَتَلَقَّتْ قَطَرَاتٍ مِنْ مَاءِ السَّمَاءْ، وَبَعْدَهَا مَرَّ أَوَانْ، كَافَحَتِ الْبِذْرَةُ الصَّغِيرَةُ وتَمَسَّكَتْ بِجُذُورِهَا تَخْتَرِقُ الْأَرْضَ بِقُوَةٍ وَثَبَاتْ، ثُمَّ بَدَأَ بُرْعُمٌ أَخْضَرَ صَغِيرٌ يَظْهَرُ في جَانِبِهَا، سَيَكُونُ هُوَ السَّبِيلٌ لِبَعْثِ حَيَاتِهَا الْجَدِيدَة، كَمَا سُمِعَ حَفِيفُ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ فَوْقَهَا تَحْتَفِلُ مَعَهَا بِوِلَادِتَهَا، وَجَمْعٌ مِنْ صُوَيْحِبَاتِهَا تَجَمَّعْنَ قُرْبَهَا وَحَوْلَهَا.
مَرَّ أَوَانٌ آخَرْ، وَهَا هِيَ ذِي الْبِذْرَةُ الضَّئِيلَةُ قَدْ كَبُرَتْ وَأَصْبَحَتْ شَجَرَةً أَنِيقَةً، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ دَاخِلَ نَفْسِهَا رَاضِيَةً، فَهِيَ أَرَادَتْ أَنْ تَكُونَ شَجَرَةً كَبِيرَةً، تُعْطِي لِلْرَائِحِ وَالْغَادِي ظِلَّاً وَثَمَرَاً، وَلَنْ يُمْكِنُهَا الْاِكْتِفَاءَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكْ.
مَرَّ عَامٌ إِثْرَ عَامْ، وَهَا قَدْ أَصْبَحَتِ الْشَجَرَةُ مَقْصِدَاً لِلْنَاسِ، يَمْكُثُونَ تَحْتَهَا سَاعَاتٍ طِوَالْ، يَتَكَلَّمُونَ عَنِ الْمَحَبَّةِ وَالْحَيَاة، وَثَمَرٌ كَثِيرٌ بَيْنَ الْأَغْصَانِ يُرَحِّبُ بِالْزُوَّارِ، وَيَسْعَدُ بِهِمْ كُلَّمَا اقتَطَفُوا مِنْهُ شَيْئَاً.
وَأَخِيرَاً، صَارَتِ الْبِذْرَةُ سَعِيدَةً، وَاعْتَادَتْ كُلَّ عَامٍ أَنْ تَطْرَحَ عَلَى الْأَرْضِ تَحْتَهَا كَثِيراً مِنَ الْبُذُورِ الصَّغِيرَةِ، وَكُلُّ بِذْرَةٍ مِنْهَا تُسَابِقُ الزَّمَنَ لِتَقُومَ بِنَفْسِ مَا قَامَتْ بِهِ أُمُّهُمْ، التي أَتَمَّتْ وَاجِبَهَا عَلَى خَيْرِ وَجْهٍ، وَعَاشَتْ حَيَاتُهَا أَخِيرَاً بِقَنَاعَةٍ وسَعَادَة.