الموضوع: مع زينب
عرض مشاركة واحدة
قديم اليوم, 06:44 AM
المشاركة 5
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مع زينب
توقفنا معًا عند سؤال زينب عن تلك **الخطوط الحمراء** التي وضعتُها في تعاملي مع الآخر، فكان هذا جوابي عليها:

منذ بداية سعيي الحثيث للصلح، وبعد مُباركة **ذاك القائد** لي أن أذهب إلى أتباعه وأجلس معهم، بدأت بأكثرهم شراسةً – والذي أعتبره أحقدَ من زعيمه – وهو بالمناسبة أخو أخي الأكبر من الرضاعة!

وقد كان معنا منذ صغره! فبعد الانتهاء من صلاة العصر، طلبت منه أن يأخذ من وقته خمس دقائق فقط لأبين له الوجه الآخر من المشكلة، فرفض الجلوس ولو لدقيقة بحجة انشغاله وارتباطه بموعد مسبق.

فما كان منه وأنا أتكلم معه إلا أن أخرج من قلبه ما ضاق به صدره، وقذف بنيران غضبه علي، واتهمني بأني أصل المشكلة، ولا يزال يكيل لي التهم.

فقلت له: "هل انتهيت؟!"

فقال:"هناك الكثير! " فانصرف عني.

في المساء، وصلني الخبر بأن **ذاك الشرس الحاقد** حرَّف الحديث الذي دار بيننا، واختلق روايةً بعيدةً كل البعد عن الواقع. ولا أذيعكم سرًّا، هنا كان تجاوزُ تلك **الخطوط الحمراء** في عُرفي – بعد أن استنفدت كل وسائل ضبط النفس.

وفي اليوم الثاني، صليتُ العصر في ذات المسجد، وبينما أنا أركب السيارة، إذ بذاك الحاقد يركب معي من غير إذن! وأخذ يصبُّ عليَّ الأسئلة وكأني في جلسة استجواب – وأنا فوادي ورمٌ عليه – قائلًا: **"السؤال الأول، السؤال الثاني..."**

حينها قلت له – وبكل هدوء –: **"انزل من السيارة."** وهو يكرر الأسئلة، وأنا أكرر طلبه بالنزول، وأقول له: **"إنك لست جديرًا بمناقشتي، فاطلب ممن هم أكبر منك ليناقشوني."** وبعد عناده، نزلتُ من السيارة وفتحت الباب الذي كان يجلس فيه، وقلت له: **"انزل! فوالله لو لم تنزل لجعلت أصابعي الخمس في وجهك!"**

فعلم أن رفضه النزول سيكلفه فقدان بعض حواسه الخمس!

في تلك اللحظة، كان زعيمه وبعض أتباعه ينتظرون اللحظة، فناديتُ بأعلى صوتي وقلت: **"ليسمع الجميع بأن فلانًا [اسمي] لن يسكت بعد الآن، وسترون مني الوجه الآخر بعد هذا!"**

بعدها أعلنوا حالة الاستنفار القصوى!

قالت زينب: **"وما كانت النتيجة؟"**

فقلت: **"القصة طويلة جدًّا، ولكن نهايتها أن الجميع قد انفضوا من حوله، وقد علم المُغرَّر بهم خطأهم، وحسُنت بعدها سيرتهم معي."**

والآن يا زينب، أطلب منك لملمة الفوائد من قصتي.

قالت:
- إذا حمى وطيس التعدي وتجاوز حدود المعقول، كانت المواجهةُ سبيل قطع حجة المعتدي – ومع هذا لن يسلم من كيدهم أحد. **"هذا عن تلك الخطوط الحمراء."**
- إن الإنسان يغرس الخير ويتعاهده بسقيه، وهو واضعٌ في الاحتمال أن بعضه قد ينبت فاسدًا.
- أن يكون للإنسان هدفٌ في الحياة يسعى لتحقيقه، فيترفع به عن صغائر الأمور.
- أن يكون واثقًا من نفسه، مقدامًا في عرض منهجه، صنديدًا حين مواجهته.
- أن يحاول جاهدًا تقريب وجهات النظر، ويجتهد في المقاربة والمسايدة.
- أن يتنازل عن بعض الأمور التي لا تخدش كرامته إن كان في ذلك مصلحة الجماعة.
- أن يكف لسانه عن إبداء عورات إخوانه، ويكف لسان من يخوض في أعراضهم حتى لو اختلف معهم.
- عليه أن يطرق أبواب الصلح، ويُضمد الجراح، فيكون محضرًا للخير.
- عليه أن يصفي قلبه من أدران الحقد والحسد وشهوة الانتقام.
- أن يتذكر الأيام الجميلة التي قضاها معهم ليدحر همزات الشيطان.
- أن يجعل يقينه أن الشيطان هو العدو الحقيقي، وأن ما حصل من مكائده، وأنهم أقوى من كيده، فلا يجعل العدو إلا الشيطان.
- على المؤمن أن يكون قويًّا في الحق، وأن يبين الحقيقة حين تكون المواجهة بينه وبين الباطل وجهًا لوجه.
- وأن الباطل لابد أن يُنحر بخنجر الحق، ولا يُجامَل فيه، لأن بعض التغاضي يجعله يستفحل ويعظم، حتى يُظَن بعدئذٍ أنه الحق!