الموضوع: مع زينب
عرض مشاركة واحدة
قديم اليوم, 06:39 AM
المشاركة 4
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مع زينب
بعد تلك الاستراحة التي تخللت زيارةَ ذاك الزائر، بدأت زينب بسيلٍ من الأسئلة حول تلك الانتقالة المفاجئة من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال.

فكان منها هذا السؤال:
"ما أتعجب منه هو كيف يكون مَن سلك دربَ الرشادِ ذاتَ يومٍ، مصدرًا لتلك الشطحات؟!
كيف يُشيطن مَن كان له بالأمس سراجُ هدايةٍ بعد الله؟!"

فأجبتُ:
"تبقى نفوس البشر وقلوبهم متقلبة الحال، فتنتابها عواملُ 'تعرية' تُكشف من خلالها معادنُها.
والابتلاء يكون على قدر الإيمان؛ فمن الناس مَن يعبد الله على حرف، ومنهم مَن إيمانه كالجبال في ثباته.

حبُّ الوجاهة وشهوةُ الظهور قد يكونان وقودًا للبعض مَن انسلخ من ربقة الإيمان، فلم تعد للتقوى وخوف الله مكانةٌ في معادلات حياته، ولا وزنٌ لها حين مال إلى زخرف الدنيا.
هذا هو الجواب المُختصر لسؤالكِ: الإنسان رهينُ توجهه، وما استقر في قلبه من نوازع النفس ومغريات الحياة الزائلة."

ثم عدنا إلى تفاصيل القصة:
"كنت في تلك الفترة بعيدًا عن ضجيج المجموعة، أختلي بنفسي، وكان الكتابُ جليسي."

قالت زينب:
"وكيف تجاوزتَ ذلك الظلمَ الذي وقع عليك؟ وكيف تأقلمتَ مع واقعك الجديد؟"

فقلتُ:
"بهذا السؤال وصلتِ إلى ما أردتُ توضيحه! لو عدنا إلى قضيتكِ مع ابنة خالتكِ، لوجدتِ الإجابةَ في كلامي.

فقد ذكرتُ لكِ أن على الإنسان أن يُحضِّر نفسه لذلك اليوم الذي قد يجد نفسه فيه وحيدًا.
فالدنيا لن تخلو من خلافات ونكبات، وما علينا إلا أن نُهيئ أنفسنا نفسيًا ومعنويًا وفكريًا، ونتعامل مع الصعوبات بإدارة حكيمة، كي لا تكون نهايةً لوجودنا!

بل يجب أن نحوِّل المحنَ إلى منحٍ، والكوارثَ إلى حوافزَ نكتشف من خلالها إمكاناتنا الخفية."

قالت زينب:
"وهل يعني هذا السكوتَ على الظلم؟!"

فأجبتُ:
"كثيرون حين يستشهدون بمواقف النبي ﷺ، يذكرون العفوَ والتجاوزَ فقط، دون أن يفرقوا بين المواقف التي يُستحب فيها الصفحُ وتلك التي تستوجب الحزمَ!

أما أنا، فطيلةَ الخمس عشرة سنة التي قضيتها في 'المنفى'، كنتُ بعيدًا عن الأحداث.
ولم تبدأ المواجهة إلا حين بدأ بعضُ أفراد تلك المجموعة يزورونني ليسمعوا روايتي، فكانوا كالمنصفين.
ولما وصل الخبرُ إلى زعيمهم، ثار غضبًا حتى أصدر فتوى تُحرِّم السلامَ عليَّ ومقاطعتي!"

قالت زينب مندهشة:
"ولماذا كل هذا؟!"

فقلتُ:
"إنها سياسةُ الخائف على عرشه! ضربةٌ استباقيةٌ ليقطع الطريقَ على أيٍّ منهم يُفكّر في التواصل معي.
فصار الجميعُ — حتى مَن عرفوني منذ المرحلة الابتدائية — يمرون عليَّ ولا يُسلّمون، وقد امتلأت قلوبُهم حقدًا!"

قالت:
"ما الذي يضرهم لو تركوك في حالك؟!"

فأجبتُ:
"هم يعلمون أني المعادلةُ الصعبة، وأنهم مهما شوّهوا سمعتي، فلن يستطيعوا الصبرَ على حقيقتِي!"

سألتْ:
"وهل سعيتَ للصلح ولملمة الأمر؟"

قلتُ:
"ذهبتُ إلى زعيمهم بنفسي، وأبديتُ له حسن النية، ووعدتُه بتجاوز كل الاتهامات لِنفتح صفحةً جديدةً.
فوعدني — بعد أن اشترط عليَّ شروطًا — فوافقتُ.

قالت:
"ثم ماذا حدث؟"

فأجبتُ:
"نكث وعده، وعاد إلى خبثه!"

قالت:
"وكيف كانت المواجهة؟ وهل كانت لديك خطوطٌ حمراءُ إذا تجاوزوها يكون الردُّ مشروعًا؟"

فقلتُ:
"في اللقاءات القادمة، سأُجيبُ عن هذا."