الموضوع
:
مع زينب
عرض مشاركة واحدة
اليوم, 06:25 AM
المشاركة
2
مُهاجر
من آل منابر ثقافية
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
تاريخ الإنضمام :
Feb 2022
رقم العضوية :
16905
المشاركات:
417
رد: مع زينب
في خِضَمِّ التَّجَارِبِ، تَبْرُزُ تِلْكَ الدُّرُوسُ الَّتِي حَقَّ لَهَا أَنْ تَكُونَ مَادَّةً دَسِمَةً،
يَتَناوَلُهَا ذَاكَ السَّالِكُ فِي دُرُوبِ الحَيَاةِ، وَالَّذِي لَا يَزَالُ لَمْ يَشُبَّ عَنِ الطَّوْقِ بَعْدُ.
وَكَمْ لَنَا مِنْ نِعْمَةٍ لَا نُحْسِنُ لَهَا شُكْرًا، وَلَا نُوَلِّي لَهَا اهْتِمَامًا،
وَمِنْ جُمْلَتِهَا ذَاكَ المَعِينُ المُنْتَشِرُ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ، وَالَّذِي يُسَهِّلُ مِنْ خِلَالِهِ جَنْيُ الفَائِدَةِ،
غَيْرَ أَنَّ الكَثِيرَ مِنَّا لَا يُهِمُّهُ أَمْرُ ذَلِكَ!
نَعُودُ لِزَيْنَبَ؛
كَانَتْ — وَلَا تَزَالُ — زَيْنَبُ مُغْرَمَةً بِسَمَاعِ القِصَصِ البُولِيسِيَّةِ،
وَتَلكَ القِصَصِ الَّتِي يَكُونُ مُحْتَوَاهَا "الأَكْشِنَ" وَالإِثَارَةَ.
كَثِيرًا مَا تَلْجَأُ إِلَى العُزْلَةِ فِي غُرْفَتِهَا، وَفِي قَرِيبٍ مِنَ الأَيَّامِ،
أَبْدَتْ لِي وَالِدَتُهَا أَنَّهَا فِي الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ تَسْتَنْكِرُ مِنْهَا بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ، حَتَّى قَرَأْتُ فِي مَذَكَّرَتِهَا الخَاصَّةِ تِلْكَ العِبَارَاتِ القَاسِيَةِ،
وَتَلكَ الحَيَاةِ القَاتِمَةِ الَّتِي تَصِفُهَا بِهَا، كَأَنَّهَا حَبِيسَةُ الهُمُومِ، لِدَرَجَةِ وَصُولِهَا إِلَى التَّفْكِيرِ بِإِنْهَاءِ حَيَاتِهَا!
نَزَلَ الخَبَرُ عَلَيَّ كَالصَّاعِقَةِ، ثَارَنِي الأَمْرُ، وَغَضِبْتُ مِنْهَا،
حَاوَلْتُ كَظْمَ غَيْظِي، وَلَمْلَمَةَ غَضَبِي، مُحَاوِلًا بِذَلِكَ جَاهِدًا أَنْ أَكُونَ مُتَزِنًا فِي تَصَرُّفَاتِي.
طَلَبْنَا مِنْهَا أَنَا وَوَالِدَتُهَا أَنْ نَخْرُجَ مَعًا، لِشِرَاءِ مَا تُرِيدُ مِنَ احْتِيَاجَاتٍ،
وَفِي السَّيَّارَةِ فَتَحْنَا مَوَاضِيعَ بَعِيدَةً عَنِ الوَاقِعَةِ، وَأَنَا أُغْمِزُ لِوَالِدَتِهَا أَنْ تُشْرِعَ فِي الدُّخُولِ فِي المَوْضُوعِ.
وَبَعْدَ تَأَخُّرِ الإِجَابَةِ وَالعِدَامِ الاسْتِجَابَةِ مِنْهَا — وَالِدَتُهَا — بَاغَتُهَا بِسُؤَالِي عَنْ حَالِهَا، عَنْ دِرَاسَتِهَا،
عَنْ طُمُوحَاتِهَا، عَنْ حَاجِيَاتِهَا. زَيْنَبُ، كَوْنَهَا القَرِيبَةَ مِنِّي، فَطِنَتْ إِلَى أَنَّ وَرَاءَ كَلَامِي اسْتِنْطَاقٌ لِأَمْرٍ مَا!
ذَكَّرْتُهَا بِأَنَّ مَا تَشَاهِدُهُ وَتَسْمَعُهُ مِنْ قِصَصٍ يُؤَدِّي إِلَى التَّشَاؤُمِ وَكُرْهِ الحَيَاةِ،
فَتِلْكَ القِصَصُ فِي مَضْمُونِهَا كُرْهٌ لِلحَيَاةِ،
وَدَعْوَةٌ لِلانعِزَالِ، وَقَدْ يُؤَدِّي الأَمْرُ إِلَى الانتِحَارِ.
قُلْتُ لَهَا:
"مَا عَهِدْتُكِ غَيْرَ تِلْكَ الفَتَاةِ الَّتِي لَا تَطْلُبُ شَيْئًا إِلَّا وَتَجِدُهُ أَمَامَهَا، مَحْفُوفَةً بِالمَحَبَّةِ.
وَقَدْ تَعَاهَدْنَا أَنْ نَكُونَ كَالأَصْدِقَاءِ: تُصَارِحِينِي بِكُلِّ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الأُمُورِ العَمِيقَةِ
الَّتِي تَسْتَحْيِينَ مُكَاشَفَتِي بِهَا، فَتِلْكَ وَالِدَتُكِ مَعَكِ."
ذَكَّرْتُهَا بِالنِّعَمِ الَّتِي تَرْفَلُ بِهَا، وَقَارَنْتُ حَالَهَا بِحَالِ غَيْرِهَا.
كَانَ هَدَفِي إِخْرَاجَهَا مِنْ صَمْتِهَا، حَاوَلْتُ جَاهِدًا، لِدَرَجَةِ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ طَوْرِي،
وَغَضِبْتُ عَلَيْهَا، وَهِيَ سَاكِتَةٌ لَا تَنْطِقُ بِحَرْفٍ!
وَعِنْدَ وُصُولِنَا لِوِجْهَتِنَا، طَلَبْتُ مِنْ وَالِدَتِهَا الجُلُوسَ فِي السَّيَّارَةِ،
وَذَهَابِي مَعَ زَيْنَبَ وَحْدَنَا.
وَفِي الطَّرِيقِ، أَفْضَتْ بِمَا فِي قَلْبِهَا.
عُودًا جَدِيدًا مَعَ الحَبِيبَةِ "زَيْنَب":
لَا أُذِيعُكُمْ سِرًّا، أَتَتْنِي بَعْضُ الاسْتِفْهَامَاتِ حَوْلَ السَّبَبِ فِي تِلْكَ الحَالَةِ الَّتِي عَصَفَتْ بِزَيْنَبَ،
وَهَلْ كَانَتْ ظُنُونِي فِي مَحَلِّهَا؟!
وَالجَوَابُ عَلَى تِلْكَ التَّسَاؤُلَاتِ:
أَتْرُكُهَا لِزَيْنَبَ تُخْبِرُنَا عَنْ سَبَبِ تِلْكَ الحَالَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا. فَبَعْدَ أَنْ نَزَلْنَا مِنَ السَّيَّارَةِ،
سَأَلْتُهَا مِنْ جَدِيدٍ عَنْ سَبَبِ ضِيقِهَا، فَمَا أَنْ أَبْدَتْ لِي السَّبَبَ إِلَّا بِتِلْكَ الرُّوحِ كَأَنَّهَا عَادَتْ لِي مِنْ جَدِيدٍ!
فَقَدْ ذَهَبَتْ بِتَفْكِيرِي بَعِيدًا، وَأَنِّي قَدْ أَعِدْتُ العُدَّةَ، وَتِلْكَ التَّحْضِيرَاتِ لِمُوَاجَهَةِ مَا تُعَانِي مِنْهُ،
مِنْ تِلْكَ المَعْلُومَاتِ الَّتِي تَشَرَّبْتُهَا مِنَ الكُتُبِ، وَبَعْضِ التَّجَارِبِ فِي كَيْفِيَّةِ إِدَارَةِ "الكَوَارِثِ الأُسْرِيَّةِ"!
إِلَى أَنْ أَبْدَتْ لِي ذَاكَ السَّبَبَ: بِأَنَّ مَا تُعَانِيهِ مِنَ اكتِئَابٍ هُوَ بِسَبَبِ صَدِيقَتِهَا الَّتِي ابْتَعَدَتْ عَنْهَا!
وَأَنَّهَا امْتَدَّتْ بِهَا المُدَّةُ وَلَمْ تُكَلِّمْهَا!
"وَأَنَا مِنْ غَمِيضَتِي عَلَيْهَا بَغَيْتُ أَدْخِلُهَا بِجَمْعٍ"!!!
قُلْتُ لَهَا:
وَهَلْ هَذَا الأَمْرُ يَجْعَلُكِ تَكْرَهِينَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا، وَمَنْ فِيهَا؟!!
أَرْجَأْتُ النِّقَاشَ إِلَى رُجُوعِنَا لِلسَّيَّارَةِ بَعْدَ الانْتِهَاءِ مِنَ التَّسَوُّقِ.
فَأَوَّلَ مَا رَكِبْنَا السَّيَّارَةَ،
حَبِبْتُ أَسْوِيَ "أَكْشِنَ مَعَ أُمِّ زَيْنَبَ" — قُلْتُ لَهَا:
"إِنَّ زَيْنَبَ سَبَبُ زَعْلِهَا هُوَ أَنْتِ!"
قَالَتْ:
وَكَيْفَ ذَلِكَ؟!
قُلْتُ لَهَا:
"أَمْزَحُ مَعَكِ، غَيْرَ أَنَّ زَيْنَبَ أَخْبَرَتْنِي عَنْ سَبَبِ ضِيقِهَا. فَتِلْكَ الصَّدِيقَةُ كَانَتِ ابْنَةَ خَالَتِهَا،
وَهِيَ كَالظِّلِّ وَالهَوَاءِ وَالمَاءِ جَمِيعًا، لَا تَسْتَغْنِي إِحْدَاهُمَا عَنِ الأُخْرَى.
نَاقَشَتْهَا وَالِدَتُهَا، وَأَرْجَعَتْنَا لِبِدَايَةِ الخِلَافِ بَيْنَهُمَا، وَبِأَنَّ الأَمْرَ قَدِ انْتَهَى. وَمَا كَانَ مِنْ زَيْنَبَ إِلَّا تِلْكَ الهَوَاجِسُ،
وَ الخَوْفُ مِنَ الوُقُوعِ فِي شَرَكِ ذَلِكَ الخِلَافِ مَرَّةً أُخْرَى!"
بَدَأْتُ حَدِيثِي مَعَ زَيْنَبَ:
أَخْبَرْتُهَا أَنَّنَا فِي هَذِهِ الحَيَاةِ لَا بُدَّ لَنَا أَنْ نَضَعَ أَقْسَى الاحْتِمَالَاتِ، وَنَرْسُمَ ذَلِكَ السِّيْنَارْيُو القَاتِمَ،
فَنَحْنُ نَسِيرُ فِي الحَيَاةِ وَتِلْكَ الأَلْغَامُ تُحِيطُ بِنَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَإِنَّ هَذِهِ النَّفْسَ وَجَبَ عَلَيْنَا تَحْصِينُهَا،
وَتَرْبِيَتُهَا، وَتَرْوِيضُهَا. نَتَعَلَّمُ مِنْ ذَلِكَ حُبَّ الذَّاتِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيسٍ، وَمِنْ غَيْرِ إِعْلَاءِ صَوْتِ "الأَنَا"،
وَأَنْ لَا نَتْرُكَ النَّفْسَ مُوْدَعَةً فِي خَزَائِنِ النِّسْيَانِ وَالإِهْمَالِ، لِأَنَّ مَصِيرَنَا الرُّجُوعُ إِلَيْهَا فِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ.
وَإِنَّ النَّفْسَ اليَوْمَ تَشْكُو الهَجْرَ، حِينَ جَعَلْنَا مَشَاعِرَنَا وَأَحَاسِيسَنَا وَجَوَارِحَنَا كُلَّهَا لِغَيْرِنَا!
بَعْدَ أَنْ نَسِينَا فِي لَحْظَةِ ضَعْفٍ، وَحِرْصٍ عَلَى وُجُودِ مَنْ نُحِبُّهُمْ بِجَانِبِنَا.
فَمَا يُعَانِيهِ الكَثِيرُ مِنَّا يَا زَيْنَبُ هُوَ إِهْمَالُ النَّفْسِ، وَتَسْخِيرُ كُلِّيَّتِنَا - مِنْ مَشَاعِرَ وَغَيْرِهَا - لِمَنْ نُخَالِطُهُمْ،
وَفِي غَالِبِ تِلْكَ التَّضْحِيَاتِ الكَثِيرُ مِنَ الخَيْبَاتِ!
فَلَا بُدَّ لَنَا يَا زَيْنَبُ وَضْعُ خَطِّ رَجْعَةٍ فِي تَعَامُلَاتِنَا مَعَ بَنِي جِنْسِنَا، وَأَنْ نَحْسُبَ لِذَلِكَ اليَوْمِ الَّذِي سَنَبْقَى فِيهِ مَعَ أَنْفُسِنَا،
كَيْ لَا تَلْسَعَنَا عَصَا الغَفْلَةِ، وَكَيْ لَا تُهْشَمَ حَيَاتُنَا مِطْرَقَةُ النُّكْرَانِ!
يَا زَيْنَبُ:
لَا زِلْتِ صَغِيرَةً، لَمْ تَعِيشِي وَاقِعَ الظُّلْمِ بَعْدُ!
إِنَّمَا هِيَ رَدَّةُ فِعْلٍ، وَقَرْصَةُ أُذُنٍ، ثُمَّ عَوْدَةٌ،
وَضَمَّةُ حَضْنٍ!
فَمَا تَقُولِينَ فِي الَّذِي عَاشَ فِي اتُّونِ الظُّلْمِ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ؟!"
قَالَتْ زَيْنَبُ:
"حَدِّثْنِي عَنْ قِصَّتِكَ."
قُلْتُ لَهَا:
"سَأَسْرُدُهَا لَكِ فِي القَادِمِ مِنَ الوَقْتِ، بِإِذْنِ الوَاحِدِ الأَحَدِ.".
رد مع الإقتباس