الموضوع
:
كتابنا (كيف نفهم ما حدث في سوريا؟!)
عرض مشاركة واحدة
02-28-2025, 08:59 AM
المشاركة
12
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
تاريخ الإنضمام :
Jan 2006
رقم العضوية :
780
المشاركات:
1,201
رد: كتابنا (كيف نفهم ما حدث في سوريا؟!)
الفصل الثالث
كيف تم اختراع الجماعات الجهادية
سيظل العالم العربي رَهْنا لنفس السيناريو الذي يتكرر كمسلسل مكسيكي، ما لم توقن الشعوب على المستوى العام –لا مستوى المثقفين- حقيقة أن ما دار من صراعات بين تيارات الحكم ومنافسيها على أرض العرب منذ نهاية السبعينيات وحتى اليوم إنما هو صراع الوحوش على الفريسة.
وأنه منذ ذلك التاريخ تحديدا انتهت فعليا كل دعوى مخلصة بالدين أو الوطنية، وبقيت فقط التجارة بالشعارات إلى ما لا نهاية، وتحولت قِبْلة الحكومات العربية كافة إلى فلك السياسة الأمريكية تدور بأمرها وضاعت تلك الصحوة القومية الكبرى التي بدأت في الخمسينيات وانتهت بعد حرب أكتوبر.
وأضاع العرب على أنفسهم الفرصة الذهبية ليصبحوا قوة فاعلة –ولو نسبيا- بحيث يمتلكون الحد الأدنى من الاستقلال في مواجهة القوى العظمى مثل إيران وتركيا مثلا.
وما حدث من نهاية السبعينيات أن استمر خط التنازلات يجري حثيثا حتى وصل لقاع المكان والزمان اليوم كما نرى
ولولا بعض الكرامة التي حفظتها لنا المقاومة الفلسطينية في طوفان الأقصـى لشهدنا اتفاقية (سايكس –بيكو) جديدة تعيد ترتيب الدول العربية وتماثل سايكس بيكو القديمة وهي السياسة التي خطط لتنفيذها (دونالد ترامب) تحت مسمى (صفقة القرن) في فترته الأولى وانتوى إكمالها إن فاز بولاية جديدة.
فالموقف الواجب رؤيته أن أنظمة الحكم العربية وصلت إلى آخر مدى للسقوط بسبب سياسة الهيمنة الأمريكية حتى وصلت الدرجة بالمفكرين الكبار لوصف أوضاع الحكومات بألفاظ قاسية مثلما قال الدكتور (عبد الله النفيسـي) بأن الحكومات العربية لو تعلقت بأستار الكعبة فلا تصدقوهم، لأنها حكومات تضاجع الشيطان الأمريكي منذ مائة عام
ومثلما قال هيكل في بدايات حرب احتلال العراق عام 2003م، أن العالم العربي قبل هذه المهزلة كان أمامه فرصة بالغة الضآلة للحاق بآخر عربة في قطار القوى على خريطة العالم، والآن ضاعت الفرصة.
وربما كان الموقف من الحكومات سهل الشـرح والاستيعاب، لكن المعضلة الحقيقية تكمن في أن ما يُسَمى بالتيارات المعارضة للحكم سواء تيارات تتخذ الشكل الديني كجماعات ما يُسَمى بالإسلام السياسي، أو تيارات الليبرالية والعلمانية، كل هذه التيارات عبارة خطوط احتياطية نشأت تحت رعاية الغرب أيضا في حال فوجئوا يوما بقيام الشعوب بثورة مفاجئة.
فنحن – كشعوب- لا نملك تيارا واحدا من كافة التيارات السياسية، حكومية أو معارضة، تُعَبر عن طموحات الشعوب فعليا لا مظهريا، وكل ما ملكناه خلال الخمسين عاما الأخيرة هم فئة من المفكرين والعلماء المستقلين التي تمت محاربتهم من كافة الأطراف، لكنهم أدوا واجبهم وقالوا كلمتهم وشرحوا لنا عورات الأنظمة الحاكمة، وأيضا عورات تيارات ما يُسَمى المعارضة، عملا بالحكمة المأثورة:
(قل كلمتك ...وامض)
فالغرب دَرَج على مد أصابعه في النسيج الاجتماعي العربي ولديه لكل حادث حديث، لا سيما وأن القوى السياسية الظاهرة التي تنافس أنظمة الحكم وتحاول تقديم نفسها بديلا متوقعا، كلها بلا استثناء هي التي تتشوف وتبادر إلى الغرب حتى يعترف بها ككيانات سياسية لديها فرصة للظهور والوجود في أوطانها
ولهذا عند تغير الظروف يتخلى الغرب في بساطة عن الحكومات التي رعاها لعدة عقود، ويبدأ التعامل مع المتغيرات بزعماء جدد كانوا في دور المعارضة للحكومات القائمة وتحت حماية الحكومات الغربية نفسها، وبالتالي يصبحون وجوها مقبولة في مراكز القيادة، وهذا يفسـر لك –عزيزي القارئ- لماذا يفسح الغرب في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا المجال لحماية رموز المعارضة لحكام المنطقة العربية ويسبغ عليهم حمايته، رغم أنهم أعداء الأنظمة الحليفة لهم.
بل إن الغرب يُسْبغ حمايته حتى على رموز حركات الإرهاب المعادية للأنظمة بالرغم من أنها–وفقا للدعاية الغربية نفسها- ليست تيارا معارضا مدنيا بل حركات إرهاب مسلح!
وما نقوله فعلته بريطانيا ومن بعدها الولايات المتحدة عدة مرات لكننا لا نتعلم.
لا نتعلم رغم أن كبار مفكرينا أدوا واجبهم وشرحوا وأوضحوا عَبْر سنوات طويلة في كتاباتهم وأقوالهم، وكان شرحهم متكررا وموثقا حول تلك المعادلة الجهنمية التي يقبع فيها العالم العربي، وهي أنه عالم متخبط لا يبادر للعمل السياسي فيه تيار واحد يستهدف مصلحة وطنية، سواء كان داخل البلاد، أو خارجها هاربا من بطش الحكام.
بالطبع مع استثناء تلك الفئة المستقلة التي هربت خارج بلادها فرارا بحياتها من الترصد والقتل، ولكنهم استقلوا بأنفسهم فلم يقعوا تحت رعاية الحكومات الغربية وتمويلاتهم ورعايتهم، كذلك لم يقعوا فريسة لتمويل وتحريض الحكومات العربية المعادية لحكومات بلادهم.
فمن مساخر حكام بلادنا –من المحيط إلى الخليج-أنهم جميعا يلتمسون بركات البيت الأبيض ويعملون على التفاني في إرضائه لكن هذا الاتفاق في المنهج لا يصحبه اتفاق في الصداقة والتحالف، بل ينافسون بعضهم بعضا وبشكل فج، لأن كل واحد منهم يسعى لحصد شهرة أكبر وزعامة أشد، ودورا أكثر فاعلية في محيطه الإقليمي.
لهذا وجدنا تيارات كثيرة معارضة هربت من بلادها لأوربا والولايات المتحدة وَجَنّدت نفسها لصالح بلد عربي آخر بهدف المكايدة.
ولو عدنا للوراء قليلا ستكتشف هولا.
فدول الخليج قامت بتمويل حركات معارضة داخلية ضد بعضها البعض، وليبيا دعمت بعض وجوه المعارضة السعودية في لندن بعد تفجر الصراع بين القذافي والملك عبد الله، والعراق دعم المعارضة الليبية ضد القذافي، والسعودية دعمت الإخوان المسلمين ضد عبد الناصر، وسوريا والعراق دعم كل منهما الجماعات المسلحة ضد بعضهم البعض.... وهلم جرا.
لهذا كشف لنا المفكرون الكبار هذه المأساة، ومنهم كاتبنا الكبير (محمود السعدني) والذي كان له تجربة عميقة امتدت لعشـر سنوات قضاها في المنفى خارج مصـر هربا من نظام السادات، وفي رحلة هروبه لم ينس واجبه الوطني في معارضة السادات لكنه لم يترك مجالا لأي نظام عربي معاد للسادات أن يستغله ويطوعه بالتمويل في عمله الصحفي كما فعل غيره.
ولهذا ذاق (محمود السعدني) الأمرين هو وبعض رفاقه في الخارج، وعانوا من أقسى ظروف المعيشة وأسسوا لأنفسهم تجارب صحفية عدة، أشهرها وأعلاها تجربة مجلة (23يوليو) التي تم منعها من دخول مصـر ومعظم الدول العربية التي كانت تدعي معارضة السادات في (كامب ديفيد)، لكن السعدني ورفاقه استمروا في رسالتهم وَوَجّهوا مدفعية أقلامهم دفاعا عن القضية الوطنية ضد كافة الأنظمة دون استثناء.
ولهذا لم يتكسب أحد منهم في الخارج بل عانوا في هروبهم بأكثر مما عانوه داخل المعتقلات.
وعندما عاد السعدني إلى مصـر عقب اغتيال السادات حرص على تسجيل تجربته في عدة كتب، ورغم أنه كتبها بأسلوبه الساخر إلا أن صفحاته كانت تُقَطر مرارة وهو يروي –كشاهد عيان- أن العالم العربي بأنظمة حكمه ومعارضته المعلنة مجرد تجار دين وقومية وأخلاق!
وهذا الأمر الذي أدركه السعدني بالتجربة القاسية، أدركه عملاق الفكر العربي (محمد حسنين هيكل) بالخبرة وسعة الاطلاع والاتصالات الواسعة التي تميز بها.
لهذا كانت له كلمة مأثورة يرددها دوما:
(إنني لن يكون لي خارج مصر، مكتب أو منزل، أو قبر)
وظل حتى آخر عمره الطويل لا يستقر بالخارج أكثر من شهر واحد ويعود.
وعندما اختلف مع السادات، مارس معارضته القاسية ضده من داخل مصـر، رغم منعه من الكتابة فيها إلا أن هيكل كان فوق المنع قطعا فكانت مقالاته وكتبه تُنشـر خارج مصر وتزلزل أركان النظام، وحاول السادات معه بالتطويع والمناصب عدة مرات، فرفض وفي نهاية الأمر اعتقله في موجة اعتقالات سبتمبر الشهيرة.
وكان هيكل يملك ألف فرصة لكي يتفادى الاعتقال بعد أن علم بِنِيَة السادات في اعتقال رموز المعارضة الوطنية في الداخل، وعرض عليه صديقه الرئيس الفرنسـي (فرانسوا ميتران) عام 1981م قبل اعتقاله بشهر واحد أن يبقى ضيفا لمدة وجيزة لديه في فرنسا لأن السادات قرر الهجوم على المعارضة فرفض هيكل وعاد وتم اعتقاله.
مع أن هيكل عندما عزله السادات من منصبه الأثير كرئيس لمجلس إدارة الأهرام جاءه عرض خرافي من مجموعة (التايمز) البريطانية، وهي كبرى صحف العالم كي يتولى رياسة تحرير الجريدة الرئيسية فيها، وهو عرض قادر على إغراء رؤساء الدول بعد اعتزالهم، ورغم هذا رفضه هيكل لأن صوت معارضته وهو رئيس تحرير صحيفة أجنبية سيسمح للنظام بالطعن فيه.
ومرة أخرى كانت لديه عشـرات الفرص لممارسة معارضته من الخارج باستقلال تام، حيث كان هيكل شخصية عالمية وصاحب ثروة كبيرة باعتباره من أكبر عشـر كتاب سياسيين على مستوى العالم، وبالتالي لن يحتاج لتمويل أو رعاية دولة أو نظام.
لكنه رفض أيضا.
بل بلغ حرص هيكل أنه كان يرفض عدة أشياء لا تمثل شبهة ورغم هذا كان يتشدد في الرفض مثل اعتذاره للجامعة الأمريكية عن قبول تكريمه بشهادة الدكتوراة الفخرية عن مجمل أعماله، رغم أن تلك الشهادة قبلتها شخصيات عامة كبرى داخل وخارج مصر.
كذلك اعتذاره عن قبول دعوات رياسية من بعض رؤساء الدول العربية المعارضة للسادات، وكانت دعوتهم له دعوة شخصية قائمة على معرفتهم بمكانته ورغم هذا رفض حتى لا يقال إن هؤلاء الرؤساء يمولونه أو يدعمونه، وبالطبع كان يسافر بانتظام لرحلات خارجية يلتقي فيها هؤلاء الرؤساء وغيرهم لأداء عمله طالما أنها رحلات قام بها هو وبقراره كجزء من رحلة عمل، ولكنه كان يرفض الدعوات الشخصية وما يحيط من تكريمات أو أوسمة أو جوائز.
وهذه العبقرية من هيكل في إصراره على البقاء بعيدا والحديث من أعلى نقطة في المدرج السياسي تكمن في خبرته الواسعة بطبيعة السياسة العربية – الغربية التي أنبأته أن النظم العربية يحلو لها دوما أن تتهم معارضيها بالتمويل والعمالة للغرب، برغم أنهم كأنظمة حكم خاضعون لرعاية الغرب من الأساس
ونظرا لأن كان يرغب في ممارسة دوره في التوعية نابعا من ضميره وباستقلال تام، فكان لزاما عليه أن يتخذ الحيطة من كل شبهة.
لأن المفكر أو الصحفي حتى لو نطق بالحق في مواجهة سياسة نظام حكم، فإن هذا الحق سينقلب باطلا إذا كان من نطق به إنما كان يفعل ذلك لأجل صفقة تلقى عليها أجرا لمهاجمة النظام، أي أن الأمر لا يعدو كونه توظيفا فجا مأجورا.
ولهذا نرى كل يوم في إعلامنا العربي المصون وفي الشاشات الخارجية صراع ديكة بين إعلاميين كل منهم يعمل ضد الآخر وهم هنا لا يمثلون صراعا بين حق وباطل، بل هم وكلاء حرب بين تلك الأنظمة التي تمول تلك القنوات، ولهذا ينتابني الضحك بشدة وأنا أسمع اتهاماتهم لبعضهم البعض كل يوم بأنهم إعلام مأجور أو أنهم أصحاب تمويلات مشبوهة، لأن الطرفان كذلك في الواقع.
لكن الميزة الوحيدة من صراعاتهم المضحكة أننا نستفيد للغاية من تلك الشاشات المتصارعة لأنهم يفضحون رُعَاتهم عندما يهاجمون بعضهم البعض، وبالتالي يكون أمامنا فرصة ذهبية للوصول إلى الحقائق التي يستميت كل منهما في الحصول عليها عن خصمه
وليس معنى هذا أن كل صحفي أو مفكر هاجر خارج بلاده هو بالضرورة مأجور.
كلا بالطبع....
فأي مفكر استطاع الهرب والنجاة بنفسه وممارسة دوره التوعوي باستقلال عن أي تيار، فهو هنا يقوم بواجبه الذي لم يستطع القيام به في وطنه، المهم ألا يندرج تحت تيارات خارجية تملك عمله وتوجيهه.
وليس معنى ما شرحناه من تبعية التيارات السياسية حكومية أو معارضة للغرب، أن الحكومات الغربية تتحكم في ثورات الشعوب أو تدبرها كما يروج إعلام الأنظمة، فهذا لا علاقة له بالمنطق فضلا عن العلم.
حيث لا توجد أية ثورة شعبية في العالم أجمع يمكن اعتبارها مؤامرة أو ترتيب من الخارج، وهنا أنا لا أتحدث عن الثورات الطائفية الخاصة بفئة معينة من فئات أي شعب، كما لا أتحدث عن الانقلابات التي يدبرها الغرب – عند الحاجة- للخلاص من نظم حكم قائمة.
بل أتحدث عن مفهوم (الثورة الشعبية) والتي تعني اجتماع كلمة شعب معين بكافة فئاته في بلد معينة على الثورة ضد النظام القائم سواء كان نظام احتلال من الخارج أو نظام حكم من الداخل.
هذه الثورات لا يمكن أن تكون قابلة للصنع أو التدبير كمؤامرة من الخارج بالشكل الذي تروجه أنظمة الحكم المستبدة للدفاع عن أنفسهم ضد أي حراك ثوري
فالثورات منبعها داخلي وطالما توافرت أسبابها واجتمعت عليها كلمة الشعوب، دون طائفية أو اختزال، فهي ثورة شعبية حقيقية ووطنية لا شك في ذلك.
وفي ضوء هذا الأمر، قد يثور سؤال منطقي.
وهو كيف يمكننا تفسير ظاهرة أن بعض زعماء ورموز تلك الثورات يتخذون جانب الغرب أيضا رغم أن الثورة غالبا ما تقوم ضد نظام حليف للغرب.
والجواب بالغ البساطة.
فالتدخل الخارجي، نعم لا يستطيع التحكم في حركة الشعوب، لكنه يستطيع التركيز على رموز محددة أو تيارات حزبية معينة، يكون لها بعض الشعبية فتتم رعايتهم كعملاء مصالح لهم سواء وصلوا للحكم أو استخدمهم الغرب كأداة ضغط في مرحلة ما بعد الثورة.
أي أن الغرب لا يترك الحوادث تسبقه، فإن داهمه تغيير مفاجئ فهناك دوما طرق احتياطية لبقاء النفوذ الغربي قائما للحفاظ على مصالحه
وكلنا يذكر شاه إيران (رضا بهلوي) الذي قامت ضده ثورة شعبية كاسحة جمعت كافة طوائف الشعب الإيراني من شيعة وسنة وأكراد وبلوش وعرب وشيوعيين ومسيحيين عام 1979م، وكان لكل طائفة قيادات وطنية حقيقية كافحت نظام الشاه منذ سقوط ثورة الزعيم الإيراني الوطني الدكتور (محمد مصدق) في الخمسينيات على يد المخابرات الأمريكية التي نجحت في إعادة الشاه مرة أخرى" "
وعندما أيقنت أوربا والولايات المتحدة أن الشاه قد استنفذ وقته بعد ثلاثين عاما من الحكم، والتغيير أصبح حتميا مع استمرار نزول الملايين للشوارع، أعطت الولايات المتحدة أوامرها لقيادات الجيش الإيراني بالتخلي عن الشاه وتركه في مواجهة الأمر الواقع" ".
ثم قامت فرنسا باستضافة رجل الدين الإيراني الذي اختارته كنقطة نفوذ لسياستها وهو (آية الله الخميني)، واتخذ له مقرا في قرية (نوفل دي شاتو) وتم تلميعه في الإعلام الغربي وكأنه القائد الأوحد والزعيم الأكبر الذي وقف ضد الشاه!
مع أن الثورة الشعبية لم يكن لها قيادة محددة لتعدد تياراتها السياسية، وكانت القيادات الثورية الحقيقية موجودة بقلب المظاهرات ودفع بعضهم حياته ثمنا لذلك والآخر بقي من بداية الثورة حتى خلع الشاه بين جماهير الشعب يقوم بدوره.
إلا أن العالم –بفعل الميديا الغربية- لم ير إلا الخميني الذي قامت فرنسا بإعادته على طائرة خاصة إلى إيران بعد هروب الشاه
واستقبلوه استقبال الأبطال، ليبدأ الخميني في تكريس نفوذه الداخلي باستخدام أنصاره ودعمهم بالسلاح عندما قام بتكوين ميلشيات (الحرس الثوري) واستخدمها لتصفية معارضيه، وأيضا تكريس نفوذه الخارجي برعاية فرنسية أمريكية فنجح في إعدام كافة قيادات الثورة، وغدر حتى بزملائه ورفاق الكفاح وأسس لدولة الفاشية الدينية الإيرانية منذ ذلك الوقت، وتناسى تماما شعارات الموت لأمريكا وإسرائيل والتي تحولت إلى الوجه الحقيقي له بالحرب على العراق ومحاولة تصدير الثورة للدول العربية وإنشاء حكومات شيعية تابعة له فيها.
فالخميني قبل الثورة كان في نظر الناس مناضل ومقاتل ضد هيمنة السياسة الأمريكية التي ترعى الشاه، وبعدها فوجئ الإيرانيون بأن التعاون بين دولة الخميني والأمريكيين تعدى مراحل زمن الشاه نفسه، عندما مَوّلته الولايات المتحدة وإسرائيل بالسلاح والدعم اللوجيستي والمخابراتي في حربه مع العراق، وهو الأمر الذي تفجر مع فضيحة (إيران –كونترا) التي كشفتها الصحافة الأمريكية بعد أن سقطت طائرة شحن إسرائيلية محملة بالسلاح لإيران، وكان سقوطها قريبا من الحدود الإيرانية السوفياتية وتم كشف العملية بأكملها.
ومن تلك التجارب أيضا تأييد الولايات المتحدة لإسقاط حسني مبارك في ثورة يناير، ثم دعم الإخوان المسلمين تحديدا للسيطرة على الحكم وكأنهم كانوا أصحاب الثورة، وانقلب الإخوان على كافة شعاراتهم القديمة التي عاشوا فيها يعدون جماهيرهم بتحرير القدس إذا وصلوا للحكم، وعندما جاءوا للحكم وجدنا الرعاية الأمريكية والبريطانية لهم على أعلى ما يكون وتعهد الإخوان لهم أنهم سيمضون على نفس خط مبارك في العلاقة مع الغرب وإسرائيل إذا استمر الدعم الأمريكي لهم.
أما التيارات الليبرالية التي تنادي ليل نهار بالحريات في مواجهة الأنظمة المستبدة- كما يروجون- فَهُم لا يدافعون هنا عن مفهوم الحريات السياسية، بل مفهوم الحريات الجنسية والتحلل من الأديان وما يتعلق بها، لأنهم في أعماقهم أكثر استبدادا من تلك الأنظمة، ولا يكترثون حتى لإخفاء انتمائهم الغربي القح سواء في تبني كافة السياسات الغربية حتى ضد القضية الفلسطينية، أو في اعتبارهم الولايات المتحدة وأوربا هي قِبْلة العبادة ونموذج حرية الإنسان!
وأما الحكومات المعاصرة فحدث ولا حرج.
فالمعركة البطولية التي خاضتها المقاومة الفلسطينية منفردة في عملية طوفان الأقصـى وقلبت بها موازين المنطقة، هذه المعركة كانت فاضحة لدرجة لم يستوعبها أشد المتشائمين.
فالحكومات العربية لم تكتف بالسكوت أو حتى بالتأييد المبطن لإسرائيل، بل زاد الأمر حده عندما خرج (بنيامين نتنياهو) علانية ليقول فيه:
(على حكام المنطقة أن يصمتوا تماما إذا أرادوا الحفاظ على عروشهم وكراسيهم)
ولم يجرؤ نظام عربي واحد على فتح فمه بكلمة تعليقا على هذا التصريح الفج!
بل قام الإعلام والسياسة العربية بالعمل كقنوات خلفية لدعم إسرائيل وتشويه المقاومة واتهامها بالإرهاب، فضلا على اعتقال كل من تسول له نفسه رفع العلم الفلسطيني أو الخروج في مظاهرة تأييد عاجزة ضد الوحشية والإبادة الإسرائيلية.
ونأتي الآن للملف السوري، وكيف تدخلت فيه الجماعات المسلحة مختلفة الأطراف والتمويل، بهدف رعاية مصالح الممولين
فالثورة بدأت في أول أمرها شعبية تماما-كما سنشـرح لاحقا- ولكن مع عام 2012م بدأت جماعات مسلحة مختلفة ومتنوعة، تقتحم الحدود السورية من كافة الاتجاهات لتخوض معاركها ضد النظام.
ثم تطور الأمر إلى قتالها بعضها بعضا مع استمرار قتالها مع نظام الأسد.
ثم فجأة ظهر اختراع جديد لم نسمع به من قبل اسمه (داعش)، والتي دخلت من الحدود العراقية لتحارب الجماعات المسلحة التي تقاتل الأسد، فجاءت داعش لتستولي على بعض مناطقها دون أن يدري أحد من هي داعش وكيف ومتى تكونت وما هو مصدر تمويلها وتسليحها النوعي؟!
وبدأت منذ ذلك الحين مأساة الشعب السوري الذي تعرض لأبشع آليات القتل والحرق والاختطاف وأصبح هو المادة الخام لضحايا تلك المعارك دون أن يجد من يقاتل أو يعبر عنه.
فالجيش النظامي في البلاد بدلا من أن يحمي الشعب كان هو أول المهاجمين للشعب بشتى أنواع العتاد والسلاح، حتى الأسلحة المحرمة دوليا!
والجماعات التي أعلنت أنها جماعات مقاومة مسلحة تحارب ضد بشار الأسد وجيشه، وتناضل لإنقاذ الشعب السوري، كانت ممارساتها ضد الشعب في المناطق التي سيطرت عليها لا تقل بشاعة عن ممارسات النظام نفسه
واستمر الأمر يتطور حتى وقع الهجوم الشامل الأخير الذي انتزع بشار الأسد ونظامه من سدة الحكم السوري بعد خمسين عاما مريرة.
وانفجرت فرحة الناس داخل وخارج سوريا، ولابد لهم أن يفرحوا لأنه –بغض النظر عن الوسيلة- فإن الخلاص من حكم بشار كان إنجازا غير مُتَصور بعد أن تمسك بالحكم وأفنى في ذلك قرابة مليون قتيل من الشعب السوري وخمسة ملايين مُهَجّر، ومثلهم من المصابين والمعتقلين، وتم نسف مدن سوريا وَقُرَاها كما لو كانت قد تعرضت لأهوال يوم القيامة!
فلا شك أن الخلاص من النظام حدث تاريخي يجب أن تحتفل به الإنسانية كلها لا الشعب السوري وحده.
لكن مع الوضع في الاعتبار ما سبق أن شرحناه، وهو ألا يقع الجمهور رهن التلاعب الخارجي مرة أخرى بسيناريوهات محفوظة وقعت في سوريا منذ الخمسينيات وشرحناها بالتفصيل في الفصول السابقة.
لذلك سنطرح في هذا الفصل تاريخا موازيا لما يسمى بالحركات الجهادية أو الإسلامية التي انتصـرت على نظام بشار واقتلعته مثلما يقول الإعلام!
لنرى هل الذي انتصر هنا هي المقاومة السورية أم جماعات المصالح؟
فالجواب على هذا السؤال بالغ الأهمية لأنه ببساطة يحمل مستقبل سوريا في أجواء عاصفة.
فلو كان المنتصـر هو الشعب والمقاومة السورية حقا، فالفرحة بالإنجاز والاحتفال به أمر واجب، والإعداد لإعادة البناء والاصطفاف هو التصرف المطلوب حاليا.
أما إن كان المنتصـر هم جماعات المصالح، فهنا تتغير الصورة تماما، وعلى الشعب السوري أن يدرك بأن الحرب والخطر لا زال قائما، وبالتالي فالوقت وقت استعداد وإعادة توحد يجب أن يجتمع عليه الشعب لكي يكون له كلمة في مصيره وسط كل هذه التدخلات الخارجية التي تتقاسم المكاسب
الصفحة الشخصية بموقع فيس بوك
القناة الخاصة بيوتيوب
رد مع الإقتباس