الموضوع
:
كتابنا (كيف نفهم ما حدث في سوريا؟!)
عرض مشاركة واحدة
02-15-2025, 05:12 AM
المشاركة
11
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
تاريخ الإنضمام :
Jan 2006
رقم العضوية :
780
المشاركات:
1,201
رد: كتابنا (كيف نفهم ما حدث في سوريا؟!)
وبالطبع كان تفكيرهم بالغ السذاجة والغباء والضحالة،
نظرا لأنهم لم يحسبوا حسابا للتغييرات العالمية الفادحة في القرن الجديد خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر والتي جعلت من الولايات المتحدة وحشا كاسرا ترك السياسة الناعمة للحزب الديمقراطي، وانتهج سياسة العصا الغليظة مع كافة دول العالم وأصبح التطرف حاكما على سياسة الفريق الرياسي لبوش الابن بسياسة أن من معنا صراحة فهو حليف ومن لم يدعمنا فهو عدو.
وهي السياسة التي لم تقبل معها أمريكا إلا العبودية الكاملة من حكومات المنطقة والعالم، فآثرت القوى الكبرى في العالم مثل الصين وروسيا وأوربا مهادنة نظام بوش المجنون مؤقتا!
وبالتالي كان الظرف الدولي قد تغير بشكل فادح وَمِن قِصـَر النظر أن يتعامل بشار وحكومته على أن الأوضاع والتحالفات ستظل كما هي بينما كبريات الدول لجأت للحذر والترقب.
بالإضافة إلى الخطأ الأكبر الذي تمثل في تنحية غازي كنعان عن منصبه في لبنان، ونقله لسوريا، وهي خسارة فادحة للنظام السوري طالما قرر البقاء على نفس خط حافظ الأسد.
فغازي كنعان بخبرته وبكونه رجل أمريكا في الشام كان هو الشخصية المناسبة لكيفية اختيار السياسة السليمة للتعامل في لبنان وكان هو الوحيد القادر على علاج قضية الحريري وفقا للمستجدات.
ولم يتصور بشار الأسد ونظامه هذه الحقيقة، وعليه أقدموا على تفجير موكب رفيق الحريري بعبوات ناسفة زنة ألف طن من مادة (تي ان تي) نسفت الموكب وقتلت الحريري وعشـرين شخصا معه، وحسبوا أنها ستمر كما مرت جرائم أكبر منها في السابق عندما اغتال الأسد (كمال جنبلاط) والرئيس المنتخب (رينيه معوض) وغيرهم من كبار المسئولين ولم يتحرك أحد.
لكن الذي فوجئوا به أن العالم أجمع انقلب على هذه الجريمة وأصدرت الأمم المتحدة بيانا أعلنت فيه عن إجراء تحقيق دولي في اغتيال الحريري وتصاعدت الضغوط العالمية – لأول مرة- ضد وجود الجيش السوري في لبنان
وأدرك بشار الأسد متأخرا أن اغتيال الحريري سيكون الفرصة لتصفية أعدائه لحساباتهم معه.
في ذلك الوقت كان غازي كنعان على عِلْم مسبق بعملية الاغتيال نظرا لأنه كان يراقب كافة قيادات مكتب الأمن السوري والأخطر من هذا أنه حصل على التسجيلات الكاملة لرستم غزال ورجاله وهم يدبرون لاغتيال الحريري واحتفظ بها.
وبشكل ما وصلت المعلومة لبشار الأسد أن كنعان يتابع أزمة النظام في اغتيال الحريري ولديه من الأوراق ما يهدد النظام بأكمله أمام العالم
خاصة وأن الأمم المتحدة أسندت رياسة لجنة التحقيق للقاضي الألماني (ميليس ديتليف) الذي جاء وباشر عمله في التحقيق مع ضباط سوريين ومسئولين من أجهزة الأمن والجيش
وبدأت الدراما تتصاعد عندما طلب (ميليس) التحقيق مع غازي كنعان، وبالفعل اجتمع معه في قاعة أمنية ملغمة بأجهزة التنصت التي وضعتها المخابرات السورية، ولهذا فاجأ كنعان المحقق الدولي عندما لـَمّح له بأن لديه الكثير ولكن المكان والزمان ليسا مناسبين للحديث!
وكان كنعان يعلم بأنه بهذا التصـريح سيصبح هدفا مؤكدا لنظام الأسد، لهذا بادر بالحركة والاتفاق مع المحقق (ميليس) على تأمين خروجه من سوريا عن طريق السفارة الأمريكية في مقابل أن يدلي له بكل ما لديه من معلومات وأدلة.
لكن كنعان ارتكب الخطأ الأكبر في حياته عندما تمهل في الهرب لحين ترتيب عملية اللجوء.
وهنا ظهر بشار الأسد في مقابلة مع شبكة (سي إن إن) الأمريكية يحاول الخلاص عندما صرح علنا بأنه سيعتقل كل رجل أمن سوري يثبت تورطه بعملية الاغتيال، وأنه ينتظر نتائج لجنة التحقيق للاستجابة لذلك!
ولكن الشـيء الذي فعله بشار بعد تلك المقابلة هي إصداره الأوامر باغتيال (غازي كنعان) على الفور بعدما تأكد من هذا الأخير قرر بيع النظام وتبرئة نفسه.
وهكذا خرج البيان الرسمي السوري ينعي كنعان الذي انتحر داخل مكتبه برصاصة مباشرة في الفم! ثم بلغ بشار قمة الملهاة عندما قام بتصفية فريق الأمن الذي باشر عملية الاغتيال بأكمله، فضلا على تصفية كل ضابط كان لديه معلومة موثقة عن هذا الأمر!
فتم اغتيال العميد (محمد سليمان) مدير مكتب بشار ومستشاره الأمني بثلاث رصاصات من مجهول، واللواء (مصطفى التاجر) الذي تم قتله داخل مزرعته في حلب، والقيادي الشهير في حزب الله (عماد مغنية) أحد المشـرفين على عملية اغتيال الحريري من الجانب اللبناني ورفيقه في الحزب (مصطفى بدر الدين) الذي اتهمته لجنة التحقيق بالضلوع في عملية الاغتيال وطلبت استدعائه، فتم قتله قبلها
وبعد مرور فترة على الاغتيال قرر بشار الأسد التوسع في تصفية كافة القيادات السورية التي تورطت في الملف اللبناني كله -لا قضية الحريري وحدها -منذ عهد أبيه وحتى عهده هو
وهكذا في عام 2012م، تم اغتيال (جامع جامع) نائب رئيس جهاز الأمن السوري الذي كان يقوده (رستم غزال) الذي تم اغتياله أيضا، ثم اغتالوا اللواء (آصف شوكت) نائب وزير الدفاع السوري
والكارثة السوداء في هذا الأمر أن كل من شملتهم عملية التصفية لم يكونوا منشقين أو مصدر خطر مباشر مثل غازي كنعان، بل كانوا جميعا من أوثق رجال النظام سواء الذين تم تكليفهم بمهمة اغتيال الحريري، أو أولئك الذين خدموا داخل أجهزة الأمن السوري بلبنان، وبالتالي فَهُم والنظام على خط واحد.
ولم يكن هناك واحد منهم يتوقع غدر الأسد لأنهم تصوروا أنه لن يجرؤ على اغتيال قياداته الأمنية في ظل وجود لجنة التحقيق الدولية وإلا سيكون الأمر إثباتا رسميا على صحة اتهام النظام.
ورغم أن هذا التفكير كان تفكيرا منطقيا إلا أن جنون نظام الأسد لم يكن يقف عند حد، وكان شغوفا جدا بمسألة التخلص من أي شخص لديه من الأسرار ما يكفي لاستخدامها في ابتزاز النظام في يوم ما!
ولا شك أن بشار الأسد بعدها بذل قصارى جهده لتفادي الآثار الكارثية الناجمة عن اغتيال الحريري وأبدى استعداده لأي صفقة تُخرجه من هذا الضغط
وبالطبع كانت قضية الحريري فرصة للسياسة الأمريكية والغربية لابتزاز نظام الأسد كما جرت العادة دوما من الولايات المتحدة على ابتزاز الأنظمة العربية بمختلف أنواع الشعارات، بالذات في فترة التوجهات الجديدة للإدارة الأمريكية والتي قررت فيها إدارة بوش نسف كافة التنسيقات القديمة والبدء في محاولة تجديدها والاستعداد لتغيير حتمي سيأتي على الشرق الأوسط ينبغي أن يكون للأمريكيين فيه دور ومعرفة واستعداد
وانتهت لجنة التحقيق في اغتيال الحريري إلى ثبوت التورط السوري واللبناني من حزب الله في الاغتيال، ودعت لجنة (ميليس) المجتمع الدولي لوضع قاعدة له في لبنان لضمان أمنه.
وانتهت الضغوط بإنهاء وجود الجيش السوري تماما في لبنان بعد شهرين من عملية الاغتيال.
وقد أثبت بشار الأسد منذ وقت مبكر أنه يتفوق على دموية والده نفسه وفي غرامه بعمليات الاغتيال حتى لو لم يكن هناك مبرر واقعي لها.
وقد ساق العميد (نبيل الدندل) دليلا على هذا بواقعة حدثت في بدايات حكم بشار، عندما كان (محمود الزعبي) أحد رجال النظام الذين يتولون ملف تهريب الأموال السورية لأوربا.
في ذلك الوقت كان الزعبي يقوم بعمليات التهريب بمختلف الوسائل التي لا يهتم بمعرفتها بشار الأسد ووالده، وكان من ضمن تلك الوسائل استخدام (محمود الزعبي) لابنه في تأسيس عدة شركات دولية في مصر تكون مَعْبرا للأموال من سوريا إلى مصر ثم إلى البنوك الأوربية.
وبالطبع كان ابن الزعبي يتكسب من وراء ذلك.
وعلمت المخابرات المصـرية بالأمر، ورفعت تقريرا للرئيس مبارك، فبادر مبارك باستدعاء بشار الأسد لمصـر وأخبره بأن رئيس وزرائه (محمود الزعبي) لديه ابن بمصـر يستغل الأعمال التجارية في تهريب الأموال الطائلة للخارج.
وسأل مبارك بشار إن كان يعلم بهذا الأمر، فيتجاهل مبارك الموضوع، أم لا يعلمه فيقوم بإيقاف نشاط تلك الشركات.
وشعر بشار الأسد بالإهانة من طريقة مبارك في الحديث عن الأمر وأبلغه بأن ما دار لم يكن بعلمه وأنه سيتصرف.
واستدعى بشار الأسد رئيس حكومته وسأله عن مكاسب ولده من عمليات التهريب، فاندهش الزعبي وقال له بأن ولده يتكسب كما يتكسب غيره، وأن كل ما يدور إنما يدور لصالح النظام.
ولأن بشار كان مجنونا بالفعل، فقد غاظه هذا الرد فأصدر أوامره باغتياله بعدها بأيام!
لكن طبيعة النظام تغلبت على أزماته الداخلية التي تكاثرت عليه، فحاول ترتيب أموره للسيطرة عليها داخليا وخارجيا خاصة بعد أن نجح نظام الأسد في وضع موطئ قدم له بالعراق بعد الاحتلال الأمريكي عن طريق الاتفاق الذي عَقَده بشار الأسد مع منظمات الإرهاب وأكبرها (القاعدة) داخل العراق، وكان الاتفاق برعاية إيرانية بعد أن أصبحت إيران –حليف الأسد- هي الحاكم المحلي الفعلي للعراق، وأصبح تحالفها مع الأمريكيين تحالفا استراتيجيا للقضاء على المقاومة العراقية السنية والقضاء أيضا على نفوذ القبائل السنية الكبرى وتغيير ديمغرافية البلاد لتغليب العنصر الشيعي فيها.
وهو ما نجحت فيه إيران بامتياز –كما يقول المفكر الكويتي الكبير عبد الله النفيسـي- بعد أن ضمنت التحالف الأمريكي الكامل سواء بالتسليح أو السيطرة السياسية، للدرجة التي جعلت أحد الصحفيين يسأل (بول بريمر) –أول حاكم عسكري للعراق بعد الاحتلال- عن سبب دعم الأمريكيين للتنظيمات الشيعية وإهمال شأن أهل السنة وإبعادهم عن أي دور في الحكم.
فقال له (بول بريمر) عبارة لافتة معناها:
(إن التعامل مع الشيعة في العراق لا يتطلب من الولايات المتحدة إلا أن تخاطب وتفاوض طرفا واحدا فقط هو المرجعية الشيعية التي تحكم الطائفة، فإذا تم التفاوض والاتفاق فإن الاتفاق يسـري دون منغصات، أما مع السنة فنحن لا نملك أن نفاوض طرفا محددا فهم بلا قيادة متحدة أو جماعات تملك أدوات التنفيذ)
وبول بريمر هنا كان يشير للفارق الكبير بين طبيعة الشيعة الكهنوتية التي تجعل أتباعها مجرد أدوات في يد قيادة المرجعية، وبين أهل السنة الذين لا يتبعون مرجعيتهم إلا عن اقتناع وأدلة، وليست لديهم عقيدة الاستسلام لمرجعيتهم الدينية كما هو الحال مع الشيعة.
وهذه هي السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة بناء على نصيحة (توماس فريدمان) الكاتب السياسي الأمريكي الذي قال ناصحا إدارة (بوش الابن):
(ينبغي أن نسلح الشيعة في العراق ونترك السنة يقبضون على الهواء)
وبلغ التعاون بين نظام بشار الأسد والقاعدة إلى الحد الذي سمح فيه بشار بتجنيد وتدريب مقاتلي (القاعدة) في سوريا تحت إشراف وقائد الأمن العسكري بمنطقة (تدمر) وقام بتوظيف الحدود لضمان تدفق المقاتلين داخل العراق في مقابل الحفاظ على المصالح السورية وعدم التعرض لها
ولا يستغرب القارئ من تلك التحالفات المتناقضة التي تدفع إيران والأسد لتحالف مع (القاعدة) فكل ما يقال عن العداوات السياسية في العلن هو مجرد تمويهات وعداوات تتقلب كبندول الساعة وفقا للمصلحة الوقتية كما سنرى.
ثم انتهت فترة بوش الثانية، وَخَفّت التهديدات التي كان يخشاها نظام الأسد من عجرفة الحزب الجمهوري وجاء الحزب الديمقراطي للحكم برياسة (باراك أوباما) وهو ما رَتّب أملا في تجديد التحالف مع الإدارة الأمريكية على نحو ما كان يجري أيام حافظ الأسد.
وظلت الأمور مستقرة حتى أتى موعد الطوفان –الغير متوقع- على العالم العربي باشتعال المظاهرات الشعبية العارمة ضد نظام (ابن علي) في تونس أواخر عام 2010م.
وقبل أن يتمالك المحللون أنفسهم لفهم أبعاد الانفجار، كان ابن علي يتخذ طريقه السعودية هاربا من البلاد ثم تلا ذلك نزول الشعب المصري لمظاهرات ثورة يناير وما تلاها من سقوط نظام مبارك ومشروع التوريث، وبنفس الحال وقعت الأحداث في ليبيا واليمن لتقترب العاصفة من النظام في دمشق.
وإلى هذه النقطة نكون قد شرحنا بالتفصيل العدو الأول للشعب السوري الذي تمثل في نظام حكم (آل الأسد)، وحلفائه في إيران ولبنان وروسيا فيما بعد
ويلزم لنا أن نتعرض للعدو الثاني أو الجبهة الثانية التي دخلت الحرب الأهلية ضد نظام الأسد وضد الشعب السوري أيضا وهي الجماعات المسلحة التابعة لدول لخليج وتركيا والولايات المتحدة، لنفهم كيف تم التآمر على ثورة الشعب السوري بداية من عام 2012م، وتحولت الساحة السورية لحرب عالمية بجبهات متعددة كلها تتصارع على موقع وثروات السوريين، وكلها –بلا استثناء- تصب النيران والحمم على الشعب السوري الأعزل في جولات صراعهم الدامي.
يتبع بإذن الله
الصفحة الشخصية بموقع فيس بوك
القناة الخاصة بيوتيوب
رد مع الإقتباس