عرض مشاركة واحدة
قديم 02-11-2025, 10:40 PM
المشاركة 8
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: كتابنا (كيف نفهم ما حدث في سوريا؟!)
وبهذه الأسباب تمكن حافظ الأسد من تقديم نفسه بوجه عربي يماثل الخط الرسمي للقومية العربية الذي يتبناه الشعب السوري كله، وكان من الطبيعي أن يتناسى السوريون انتماء الأسد للطائفة العلوية حتى تمكن –فيما بعد – من وضع العلويين في كافة مفاصل الدولة.

أما خطته في استخدام الجيش وضمان عدم نجاح أي محاولة انقلاب ضده، فقد كانت أقوى نقطة تفوق نجح في تنفيذها وأكبر دليل على هذا أن الجيش السوري الذي كان محترفا في الانقلابات باستمرار لم يستطع الانقلاب على نظام حافظ الأسد طيلة مدة حكمه.
والسـر في ذلك أنه وضع الضباط العلويين بتوزيع شديد الدقة حيث تركز وجودهم في التشكيلات المقاتلة لا الوظائف الإدارية.
ولم يجعل الوظائف القيادية في التشكيلات لصالح العلويين حصـرا، بل كان أكثر ذكاء من هذا فكان يضع في مقدمة الجيوش والفرق والكتائب قيادات من خارج الطائفة لكنه يضع تحتهم الضباط العلويين في قيادة الأركان، فلم يجتمع لأي فرقة أو كتيبة أو سلاح مجموعة قيادية موحدة وهو ما كان يعني استحالة نجاح أي محاولة انقلاب
ثم أضاف حافظ استراتيجية متفردة للجيش السوري وهو إبقاء الجيش مشغولا دائما بمهمات دفاعية لا تفرغ.
وكان الأمر سهلا وميسورا لأنه عندما تولى حافظ الحكم عام 1970م، حيث كانت الخطة العربية تجري لحرب التحرير وبدا واضحا مع التطورات أن مصـر ستخوض الحرب حتما بعد أن طالت الاستعدادات ولم يعد أمام القيادة المصرية بد من التنفيذ.
ورغم وفاة عبد الناصر المفاجأة، والتي نجم عنها صراع السلطة عام 1971م، بين السادات ومجموعة مراكز القوى إلا أن المواجهة تم حسمها عندما رفضت قيادات الجيش بزعامة رئيس الأركان (محمد صادق) الزج بالجيش في هذا الصراع باعتباره متفرغا لمعركته.
وهكذا لم يستطع الفريق (محمد فوزي) ورفاقه من رجال الحكومة أن يُتموا انقلابهم ضد السادات الذي خرج منه منتصـرا ليبدأ التفكير في الحلول الديبلوماسية أولا ومحاولة استمالة الأمريكيين إلا أن المحاولة فشلت فشلا ذريعا وَتَلَقى السادات صدمة من (هنري كيسنجر) المستشار السياسي لنيكسون أن الولايات المتحدة -وهو شخصيا- مشغولون بمشاكلهم في آسيا ومع الاتحاد السوفياتي وأن مشكلة الشرق الأوسط مستقرة وهو لا يفضل التدخل في مشكلة قبل اشتعالها" "

وواقع الأمر أن السادات لم يكن أمامه حل آخر بغير الحرب فالاستعدادات في الجيش وتحفز الشعب المعبأ للمعركة بلغ حده الأقصـى وأصبح التأخر في اتخاذ القرار تهديدا للنظام بأكمله كما أن التململ والمظاهرات المشتعلة بدأت في التزايد فضلا على غضب الضباط والجنود من استمرار حالة (اللاحرب واللاسلم) المستمرة منذ عام 1970م، بعد أن قبلت مصـر مبادرة (روجرز) والتي أنهت فترة حرب الاستنزاف.
وهكذا تم اتخاذ القرار الفعلي والتجهيز لمشاركة سوريا مع مصـر في الحرب، وهو الأمر الذي قَبِله حافظ الأسد وتم وضع الخطة على هذا الأساس.
وجاء يوم المعركة بمفاجآت صارخة كان أكبرها على الإطلاق هو تعاظم نتائج الحرب عما كان متوقعا سواء من القيادة المصرية أو السورية.
ولم يقتصـر الأمر فقط على الإنجاز العسكري الهائل بل كانت المفاجأة مع الانتفاضة الشعبية الرهيبة التي شملت بلاد العرب من المحيط إلى الخليج تفاعلا مع الحرب، وذلك بعد كبت طويل فشلت فيه الجيوش العربية في تحقيق أي انتصار لافت في مواجهة إسرائيل منذ حرب النكبة.
وهذه المفاجآت وهذا التفاعل الكاسح من الجماهير العربية كان تهديدا وجوديا لكافة حكام المنطقة حيث أن الشعوب انتفضت للمطالبة بالاشتراك في الحرب ودعم المصـريين والسوريين إلى أقصى مدى.
وبالفعل اجتمعت كلمة العرب لأول مرة على حرب واحدة، ثم جاء التأييد العالمي أيضا لمشـروعية الحرب وتعاطفت معظم دول العالم مع عدالة القضية العربية.

وكان الأمر المخزي تاريخيا حقيقة هو الدور الذي لعبه كل من (حافظ الأسد) و(السادات) في تضييع الكثير من النتائج السياسية المتوقعة للحرب.
فمن ناحية السادات، وفي مفاجأة كاملة لكافة الأطراف بدأ السادات اتصالاته مع الأمريكيين بعد وقف إطلاق النار، وهم حلفاء إسرائيل الذين أمدوها بطوفان من السلاح النوعي لوقف انهيار جيشها على الجبهة.
واستقبل السادات مستشار الأمن القومي الأمريكي(هنري كيسنجر) نفسه الذي كان قد دعم إسرائيل بكل ما يملك من قوة، وفي نفس الوقت حرص السادات على تنحية السوفيات وهم الحلفاء السياسيون والعسكريون للعرب منذ حرب 56م، ثم استمرت سياسته في الانفصال التدريجي عن القضايا العربية والقبول بالصلح المنفرد مع إسرائيل وتحقيق أغلى أمانيها بإعادة سيناء لمصـر في مقابل تخليها عن الخط القومي وهو الأمر الذي طلبته إسرائيل من عبد الناصر دون حرب أصلا في مقابل إعادة سيناء، وكان رفض مصـر قاطعا في ذلك، فإذا بالسادات ينفذه بعد هذا الإنجاز الذي تحقق في حرب أكتوبر.

وعلى الناحية الأخرى.
اندفع الجيش السوري للقتال وظهر منه أبلغ آيات البطولة والشجاعة والاحتراف ونجح خلال أول يومين من القتال في تحطيم دفاعات الجيش الإسرائيلي بكفاءة مذهلة مماثلة للإنجاز المصـري أمام قناة السويس.
وحتى اليوم الثالث من الحرب كان الجيش السوري قد وصل لنقطة الحدود وحرر الجولان كاملة، وأصبح يُشَكل تهديدا وجوديا على إسرائيل لأن هضبة الجولان تطل مباشرة على الداخل الإسرائيلي، لهذا ركز الإسرائيليون أكبر اهتمامهم على إيقاف الجبهة السورية
وبالطبع أعدت إسرائيل للهجوم المضاد سواء على الجبهة السورية أو الجبهة المصـرية، وكانت الخطة الموضوعة للجبهتين كافية لإفشال الهجوم المضاد الأول وهو ما تم فعلا على الجبهة المصـرية عندما نجح حائط الصواريخ في شل الطيران الإسرائيلي بالكامل، وبالتالي بقيت قوات العبور تحت الحماية ومتمسكة بمناطقها وعجز تفوق إسرائيل المعروف في سلاح الجو أن يخترق تلك الدفاعات.
ولم ينجح الإسرائيليون في كسب أي معركة إلا عندما حدث خطأ تطوير الهجوم الذي خرجت فيه بعض ألوية المدرعات المصرية عن حماية حائط الصواريخ فتمكن الطيران الإسرائيلي من تدميرها" "
وكان من المنطقي أن يفشل الهجوم المضاد الإسرائيلي على الجولان –بنفس الاستراتيجية- أو على الأقل تتكافأ القوتان ويظل الجيش السوري ممثلا لخطر التهديد على إسرائيل من مواقعه الاستراتيجية فوق الهضبة.
لكن هذا لم يحدث!
ونجح الطيران الإسرائيلي في تأمين الهجوم المضاد الكاسح رغم أن الدفاع الجوي السوري أسقط العديد من تلك الهجمات، لكن الغرابة تمثلت في أن الطيران الإسرائيلي سيطر على الجبهة وبدأ التراجع السوري شيئا فشيئا من يوم 10 أكتوبر حتى استعاد الإسرائيليون مواقعهم القديمة قبل بداية الحرب.
وبقي ما حدث على الجبهة السورية لغزا مستعصيا لأن الأداء العسكري للجيش السوري كان في قمة إتقانه، وظهرت فوارق رهيبة بين مستوى الكفاءة للجندي السوري أمام الجندي الإسرائيلي، تلك الكفاءة التي عطلتها آلة الحرب الجوية المتفوقة للعدو.

وبقي السؤال اللغز عن كيفية عجز الدفاع الجوي السوري عن ضمان تأمين قواته رغم أن خطة الحرب كلها كانت قائمة على تفادي القوة الجوية الإسرائيلية بشل فعالياتها بالدفاع الجوي المتفوق.
كما أن نجاح الجيش الإسرائيلي في احتلال مواقعه مرة أخرى في الجولان بهذا الشكل، ظل أمرا يصعب تفسيره ويثير التساؤلات عن طريقة إدارة المعارك في الجبهة السورية
وقد كانت إدارة حافظ الأسد للحرب فيها ما فيها من الخطوات غير المفهومة وفقا لتصـريح المشير (عبد الحليم أبو غزالة) –أحد قيادات المدفعية المصـرية في الحرب ووزير الدفاع فيما بعد– عندما عالج لغز الجبهة السورية في حرب أكتوبر في ترجمته لكتاب (دروس الحرب الحديثة)" "، وقال بأن المراجع والتحقيقات عن حرب أكتوبر من الجانب السوري معدومة، ولم يخرج منها شيء أو مصدر يروي وقائع القتال بشكل كاف.
وكل ما هو موجود على الساحة –حتى وقت كتابته لكتابه- من مصادر إسرائيلية وغربية.
وبالفعل استمر الصمت من الجانب السوري –عدا استثناءات بسيطة- ولم تصدر أي شهادة أو رواية رسمية أو غير رسمية عن طريق مذكرات قادة الحرب أو المراقبين والمحللين، وتمت التعمية الكاملة على وثائق حرب أكتوبر من الجانب الرسمي السوري بشكل كامل.
وهذا ما دعا المشير أبو غزالة في كتابه المشار إليه يقول:
(من الواضح أن الجبهة السورية بدأت في الانهيار اعتبارا من يوم 10 أكتوبر، الاسباب لا نعلمها، حيث لم يصدر أي مرجع سوري واحد عن الحرب وكل ما ينشـر وجهات نظر اسرائيلية أو غربية منحازة لإسرائيل)
وقد حاول أبو غزالة تخمين وتحليل الأسباب التي أدت لتلك النتائج وذكر منها تأخر وصول الدعم السوفياتي لميناء اللاذقية حتى يوم 11 أكتوبر بينما كان التراجع على الجبهة قد تم قبلها في 10 أكتوبر، وذكر أيضا من الأسباب أن تأخر وصول القوات العربية المساندة من الجيش العراقي فضلا على غياب التنسيق العسكري الذي أدى لأخطاء جسيمة نتج عنها إسقاط بعض مقاتلات الجيش العراقي بصواريخ سورية.
والواقع أن كل الأسباب التي ساقها أبو غزالة قد تصلح لتفسير الموقف في الأحوال العادية، بحيث يكون التفسير راجعا للتقصير أو نقص الكفاءة وغياب التنسيق.
غير أن التعتيم الكامل من جانب حكومة الأسد وعدم الإفراج عن خطط سير المعارك يؤكد أن اتهام التقصير وحده لا يكفي، لا سيما إن وضعنا بأذهاننا سابقة تعامل الأسد مع الجولان أثناء حرب يونيو عام 1967م.
خاصة أن صدام حسين له شهادة غريبة في هذا الشأن والتي أدلى بها للتيلفزيون العراقي عام 1982م بعد أن تفجرت الخلافات العنيفة بين فرعي حزب البعث في سوريا والعراق
فاتهم (صدام حسين) الرئيس السوري (حافظ الأسد) بالخيانة في إدارة حرب أكتوبر عندما تمكن الجيش العراقي من إيقاف تقدم الجيش الإسرائيلي على الجبهة، وبدأ بعدها في الإعداد لهجوم مضاد على الجولان، لكن القيادة السورية فاجأت الجيش العراقي بقبول وقف إطلاق النار ومطالبتهم بإيقاف الهجوم العراقي المضاد.
والخلاصة في هذا الشأن أن الجيش السوري تم خداعه والتآمر على تضحياته عندما استطاع الإسرائيليون استعادة الجولان مجددا وبقي الأمر تقريبا على ما كان عليه قبل الحرب، عدا تحرير منطقة (القنيطرة) وبعض الأجزاء المحيطة بها، وبقي الجولان كله محتلا حتى اليوم!
والواقع أن المناقشة في تلك القضية تطول وتستحق أن نفرد لها كتابا مستقلا.

القصد.
أن حافظ الأسد بعد حرب أكتوبر بدأ يُرَسخ لحكمه في سوريا كما شرحنا من قبل، واعتمد فيها على سياسة (حرق الأرض) تحت أقدام أي معارضة لحكمه، واستخدام القوة المفرطة مع الشعب ومع أي معارض وانتهج سياسة الاغتيالات كمنهج رئيسي مميز لفترة رياسته.
ولم يكن هناك مجال للأخطار أمام حافظ الأسد إلا التخوف من الانقلابات العسكرية وتحركات الأحزاب القوية كالحزب الشيوعي، أو التمرد الذي قد تقوم به جماعة الإخوان المسلمين ضد حكمه.
ولم يكن الأسد ينتظر حتى يصبح الخطر أمرا واقعا، بل كان يبادر بالهجوم والسحق لمجرد احتمال وجود خطر مستقبلي من هذا الطرف أو ذاك.
وفي بداية تولي الأسد للسلطة لم يكن للحركات الإسلامية وجود ظاهر، إلا جماعة الإخوان كحزب سري يتزعمه (مصطفى السباعي) و(عبد الفتاح البيانوني) و(مروان حديد)
بالإضافة إلى وجود رجال الدين المستقلين.
وقد انقسم رجال الدين إلى قسمين أحدهما وهو التيار الصوفي الذي قام بتأييد حافظ الأسد، وقسم آخر من السلفيين عارضوا مبدأ وجود الأسد كرئيس شرعي لسوريا باعتباره من الطائفة العلوية، وهؤلاء لم يجدوا حلا أمامهم إلا مغادرة سوريا إلى السعودية التي استقبلتهم ومعهم بعض قيادات الإخوان أيضا وتبقت القيادات الأخرى في سوريا للعمل السـري، وكانت السعودية منذ الخمسينيات قد استقبلت جماعة الإخوان في أراضيها ودعمتهم ضد نظام عبد الناصر في فترة عدائه مع الملك سعود وشقيقه فيصل.
كما استقبلت الفرع السوري منهم أيضا مع القيادات السلفية.
وَوَجّه الأسد اهتمامه أولا لنشاط الإخوان، نظرا لأن الحزب الشيوعي وباقي الأحزاب لم يدخلوا في صدام ظاهر معه.
لهذا تفرغ للإخوان أولا.
وكانت أبشع جرائمه عندما سمح عامدا للإخوان المسلمين في محافظة (حماة) بالتسلح وتمكن من التلاعب بهم عن طريق عملاء الأجهزة الأمنية حتى وقع الإخوان في الفخ فقاموا بتمرد مسلح في حماة على خلفية صدور بعض القوانين التي عارضوها.
وهذه هي طبيعة الإخوان في كل عصـر وقُطر، فجماعتهم منذ بدأت في مصـر على يد (حسن البنا) وهي تتبع النهج البراجماتي النفعي، لكنها تفشل دوما في تحقيق أي نجاح يذكر في أي صراع سياسي، ولهذا خسـروا أمام أنظمة الحكم باستمرار منذ تحالفهم الأول مع الانجليز والقصـر الملكي في عهد فاروق، ثم بعد ذلك بتحالفهم مع نظام ثورة يوليو وتحالفهم التالي مع السادات وهلم جرا....
ففي كل تلك المعارك كان الإخوان يستخدمون أسلوب الصفقات والمواءمات لكنهم يعجزون تماما عن التفكير الاستراتيجي وإدراك العواقب.
ولهذا وقعت لهم النكبات تلو النكبات، واستخدمتهم كافة الأنظمة العربية والغربية في معاركها السياسية دون أن يجني الإخوان شيئا من مكاسب تلك المعارك

وفي سوريا لم يكن حالهم أفضل من هذا.
فعندما أعلنوا التمرد المسلح على النظام لم يحسبوا العواقب ولا طبيعة شخصية حافظ الأسد الدموية التي جعلته يحاصر حماة بقوات الجيش ويقصفها بالدبابات كما لو كان يواجه معركة عسكرية نظامية.
ووفقا لشهادة العميد (نبيل الدندل) فإن حافظ الأسد عرف بمؤامرة وتمرد الإخوان عندما اكتشف جهاز الأمن السياسي أبعاد مخطط الإخوان المدعوم من النظام البعثي في العراق بعدما وقع في أيديهم عميل الاتصال بين الإخوان والنظام العراقي.
لكن المفاجأة كانت في أن الأسد أصدر أوامره بعدم تحرك جهاز الأمن السياسي لإحباط التحرك وأحال الموضوع إلى أحد رجاله الثقات وهو (علي دوبا) رئيس شعبة المخابرات العسكرية
وقال له بأن الأمن السياسي كشف له عن مؤامرة تمرد يُعِدها الإخوان تبدأ من حماة، وأنه أحال الموضوع إليه في جهاز الأمن القومي وطلب منه أن ينفي صحة معلومات جهاز الأمن السياسي بوجود مؤامرة!
وكان هدف حافظ الأسد هنا منح الفرصة كاملة للإخوان كي يتحركوا علنا في حماة بتمرد مسلح يتيح له أن يرد أمام الشعب بالقوة الغاشمة دون أن يخشى اتهامات بالقمع، وهو ما تم بعد ذلك فعل
وكان الهدف من الضـربة على هذا النحو إعطاء جرس إنذار لأي معارضة لحكمه سواء كانت معارضة مسلحة أو سلمية، وقد كرر حافظ الأسد الهجمات الوحشية على عدة مدن سورية في أكثر من مناسبة حتى لو لم يكن هناك داع فعلي لاستخدام القوة الغاشمة.
وكان الذي قاد مجزرة حماة هو (رفعت الأسد) شقيق حافظ والذي كان يعتبر نفسه شريكا في السلطة.
وفي بداية الثمانينات فكر في الانقلاب على أخيه لكن وزير الدفاع السوري (مصطفى طلاس) كشف المحاولة وأبلغ عنها حافظ الأسد الذي أعطاه أوامره بتصفية شقيقه دون تردد.
لكن رفعت الأسد كان يتحوط لذلك بالقوات التابعة له، وفشلت مهمة اغتياله" "، غير أن الخلافات انتهت بين الأخوين بوساطات متعددة نجم عنها نفي رفعت الأسد من سوريا وانتهاء الأزمة عند هذا الحد..

وبعد مجزرة حماة أطلق حافظ الأسد يد أجهزة الأمن العسكري في أنحاء البلاد بعد أن كان نشاطه مقتصـرا على الشئون العسكرية وحدها، فتشارك الأمن العسكري مع جهاز الأمن السياسي لفرض حالة من السيطرة الأمنية الكاملة على مفاصل الدولة، وأصبحت أجهزة الأمن مختصة بمتابعة ومراقبة كافة فئات الشعب بلا استثناء.
وبالطبع توسعت الاعتقالات بحجة الحفاظ على الأمن القومي حتى بلغت حدا مريعا مع انتشار عملاء الأمن في كافة التجمعات والمراكز الوظيفية، بحيث أصبحت أي كلمة عابرة يقولها أي مواطن سببا كافيا لتغييبه في المعتقل لباقي سنوات عمره.
والغريب أن شر حافظ الأسد لم يتوجه إلى سوريا وحدها، بل كانت يخطط أيضا للسيطرة على لبنان وإلى اختراق النظام العراقي أيضا
وكان حافظ الأسد يستخدم أقرب رجاله في الأمن والسياسة والوزارات لتنفيذ كافة مخططاته سواء داخل أو خارج سوريا، وكان منهم أسماء شهيرة انعقد ولاؤها لحافظ الأسد بشكل كامل، ولكن نهايتهم كانت دائما تأتي بالاغتيال أو الاختفاء عندما تنتهي الحاجة إليهم.
وكان أهم ضحايا أسرة الأسد في هذا المجال هو (غازي كنعان) الضابط العلوي الذي يجمعه مع حافظ الأسد أنهما من طائفة واحدة، بل وكان هناك مصاهرة بين بيت كنعان وبيت الأسد، والتحق غازي كنعان بخدمة الأسد في جهاز المخابرات العامة، قبل أن يوكل إليه الأسد مهمة رياسة جهاز الأمن العسكري المرافق للقوات السورية التي دخلت إلى لبنان إبان الحرب الأهلية.

وكان حافظ الأسد قد استثمر الحرب الأهلية اللبنانية لهدف بعيد المدى وهو السيطرة التامة على لبنان بوجود الجيش السوري فيها فضلا على إنشاء جهاز أمني رفيع المستوى يتدخل في الحياة السياسية اللبنانية ويتحكم في وصول رجال السلطة لمقاعد الحكم بحيث ينعقد ولاؤهم لحافظ الأسد
ونجح حافظ الأسد في إيجاد التغطية السياسية الكاملة لوجود الجيش السوري في لبنان بعد تفاهمات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، إضافة إلى قرار الجامعة العربية بانتداب الجيش السوري لأداء مهمة قوات التدخل العربي لحفظ الأمن في لبنان.
وعلى عكس ما كان ظاهرا أن مهمة الجيش السوري ستكون مؤقتة، أسند حافظ الأسد لكنعان مهمة تجهيز الأرض في لبنان لمد نفوذه بشكل دائم.
ونجح (غازي كنعان) في اصطناع الأتباع والعملاء بين مكونات الشعب اللبناني حتى وصل النفوذ السوري حدا مريعا جعله يتحكم في انتخابات المجالس النيابية واختيار الحكومة والوزراء ورجال الدين في المناصب الرسمية.
ونظرا لأن لبنان بطبيعته بلد سياسي حر متعدد الاتجاهات والقوى فقد خرجت أصوات كثيرة ضد هذه التدخلات من نظام الأسد، فكان الرد التقليدي من غازي كنعان هو الاغتيال أو الإرهاب.
وبلغت جرأة الأسد حدا مريعا في فرض سيطرته عندما قام جهاز الأمن السياسي بقيادة كنعان بتفخيخ طائرة خاصة برئيس الوزراء (رشيد كرّامي) الذي كان معروفا عنه مناهضته ومعارضته للوجود السوري في لبنان، وَقُتل كرامي في الحادثة.
وعندما تم انتخاب (رينيه معوض) رئيسا للجمهورية، وأعلن في صراحة ووضوح أن لبنان بلد مستقل وأن تدخلات حافظ الأسد غير مقبولة في لبنان.
تم اغتياله بعدها بأيام في إحدى العروض العسكرية.
ووصلت الرسالة واضحة لكافة الأطراف داخل سوريا ولبنان أن سياسة حافظ الأسد لا تحتمل خيارا ثالثا بين الولاء أو القتل!
ومن أخطر السياسات التي اتبعها الأسد في لبنان هو تعامله مع منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت قد اتخذت لبنان مقرا لها بعد مغادرتها للأردن عقب أحداث (أيلول الأسود).
فرغم أن حافظ الأسد كان من أشهر المتاجرين بالقضية الفلسطينية إلا أن حقيقة تعامله مع الفلسطينيين كانت تشي بالعداء المستحكم والسعي للسيطرة التامة على الفصائل.
لهذا أمر الأسد رَجُله غازي كنعان بتفكيك الجبهة الفلسطينية الموحدة في لبنان عن طريق دعم بعض الأصوات المعارضة لمنظمة التحرير مثل (أحمد جبريل) الذي خاض صراعا مع (ياسر عرفات) ودعمه الأسد في ذلك، ومن يومها تعددت الانشقاقات في الجبهة الفلسطينية وظهرت على الساحة عشـرات الفصائل المسلحة التي يعادي بعضها بعضا بعد أن كان الفلسطينيون جبهة موحدة ممثلة في (منظمة التحرير الفلسطينية) التي أسسها (أحمد الشقيري) في الستينيات، وتولاها ياسر عرفات بعد استقالة الشقيري.
ولجأ غازي كنعان أيضا لتفكيك القوى المعارضة للوجود السوري إما باكتساب ولائها أو بإعلان الحرب عليها، ونجح في جبهة المسيحيين برياسة (آل جميل) فتم اغتيال (بشير الجميل) بعد انتخابه بأيام لمنصب الرياسة.
وعندما تمردت بعض القرى المسيحية على النفوذ السوري بعد اغتيال زعيمهم قامت قوات حافظ الأسد بإبادة تلك القرى بالكامل!

يتبع إن شاء الله