الموضوع
:
كتابنا (كيف نفهم ما حدث في سوريا؟!)
عرض مشاركة واحدة
02-11-2025, 10:32 PM
المشاركة
7
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
تاريخ الإنضمام :
Jan 2006
رقم العضوية :
780
المشاركات:
1,201
رد: كتابنا (كيف نفهم ما حدث في سوريا؟!)
*دوامة حرب النكسة ودور الأسد
بعد مرور كل هذه الفترة الطويلة على حرب النكسة، إلا أن تفاصيلها لا زالت تتزايد كلما خرجت الوثائق الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية بالتتابع.
واللافت للنظر أن حرب النكسة ومن بعدها حرب أكتوبر، ظلت إلى اليوم تتكشف فيها حقائق ووقائع جديدة لم يتم نشـرها من قبل لأن هاتين المواجهتين بالذات ظلت تفاصيلهما مليئة بكنوز الأسرار رغم أطنان الوثائق التي تم الإفراج عنها.
وسنركز هنا على النقطة المفصلية في البحث وهو دور حافظ الأسد –وزير الدفاع السوري وقتها- والذي انكشف دوره ومؤامرته في تسهيل احتلال الجولان بأكملها في حرب 1967 رغم أن الجولان لم تكن ضمن تخطيط الجيش الإسرائيلي من الأساس.
ونستطيع من خلال كم المعلومات والمصادر التي تم الكشف عنها أن نقول بأن الخطة الإسرائيلية الأمريكية كانت تهدف من بدايتها لاقتحام سيناء وتحطيم قدرات الجيش المصـري فيها وتدمير أكبر كمية من أسلحته وعتاده بحيث يتم استغلال ذلك في تسوية قضية الشـرق الأوسط وفق الاستراتيجية الإسرائيلية الهادفة إلى إبعاد مصـر وتنحيتها عن محور القومية والقضية الفلسطينية إما بهزيمة تُرَكّعها وإما باتفاق سلام شامل يضمن انشغالها بنفسها بعيدا عن القضايا العربية.
فالهدف الإسرائيلي من احتلال سيناء لم يكن التوسع الجغرافي والإقليمي بل كان الهدف يتركز على وجود ورقة ضغط هائلة تتمثل في احتلال سيناء وإنشاء عازل طويل وممتد بين مصـر وإسرائيل يظل قائما حتى استسلام مصر للمطلب الإسرائيلي بإقامة سلام منفرد معها.
ولم تكن الاستراتيجية الإسرائيلية تضع في حسبانها البقاء في سيناء أو احتلال الجولان بل كان هدفها الأسمى السيطرة على الضفة الغربية والقدس وإنهاء الصـراع بعد ذلك عن طريق تطبيع إجباري ينسف أي حلول موازية.
وبالتالي فمطالب إسرائيل في سيناء والجولان كانت ضمانات أمن، ومطالب أمن، بخلاف مطالبها في الأراضي المحتلة فهي مطالب توسع واستيطان.
وقد شرحنا الاستراتيجية الإسرائيلية بشكل موسع من مصادر الإسرائيليين من قبل في كتابنا (كيف نفهم قضية فلسطين)
وتم ترتيب خطوات الحرب بقصة الإشاعة التي فجرت الأزمة والتي كانت تتحدث عن نوايا إسرائيلية لمهاجمة الحدود السورية.
وبدأ الإعلام العربي يتحدث عن ضرورة وجود دور لمصـر وعبد الناصر لحماية سوريا، وسارت الأمور سيرها المعروف ونجحت الدعاية الإسرائيلية في استفزاز عبد الناصر الذي أقدم على اتخاذ الخطوات التصعيدية التي هدفت منها إسرائيل إيجاد المبرر للهجوم دون أن تتحمل مسئولية تفجير الحرب.
وذلك عندما اتخذ عبد الناصر قرار سحب قوات الطوارئ الدولية وإغلاق خليج العقبة في وجه الملاحة الإسرائيلية.
وجاءت الضـربة الكبرى في 5 يونيو والتي تحولت من مجرد حرب إلى كارثة محققة يتحمل مسئوليتها نظام عبد الناصر بعد أن ترك القوات المسلحة رهن إهمال وَعَتَه (عبد الحكيم عامر) ومجموعته الحاكمة في الجيش، والتي أدت إلى تدمير الطيران المصـري بأكمله فضلا على تحطيم الحشود المصـرية في سيناء واحتلالها بالكامل.
وهكذا تم الجزء الأول بنجاح.
وكان موعد الجزء الثاني هو تنفيذ (موشي ديان) خطة اجتياح الضفة الغريبة والقدس التي كانت تحت حكم الأردن منذ حرب النكبة عام 1948م، ولم يكن الأمريكيون قد سمحوا للإسرائيليين بذلك في الخطة الأصلية بعد أن تعهدوا لحليفهم الملك (حسين) أن إسرائيل في ضربتها القادمة لن تمس الضفة الغربية وسيقتصر الهجوم على مصر وحدها.
لكن الملك حسين كان يدرك تماما أن القيادة الإسرائيلية لن تفوت الفرصة، ولهذا ألح على الأمريكيين بضـرورة التيقن من ذلك، فبادر الأمريكيون بإرسال أهم قطعهم التكنولوجية وهي السفينة (ليبرتي) لكي تقوم بمراقبة الجبهة الإسرائيلية مع الأردن وضمان عدم اجتياحها.
وكان (موشي ديان) يعلم بذلك فاتخذ قراره بضـرب السفينة (ليبرتي) لكي لا تكشف أن الجيش الإسرائيلي قد اجتاح الضفة الغربية دون أن يكون هناك أي هجوم من الجيش الأردني وتم هذا فعلا ثم أعلن (ديان) أن الجيش الأردني قد احتشد أمام الحدود وسيشارك في الحرب إلى جوار مصـر وتحت هذه الذريعة تم اجتياح الضفة الغربية بنجاح وابتلع الأمريكيون الفعلة الإسرائيلية كما ابتلعوا الاعتذار الإسرائيلي المتبجح عن ضرب السفينة ليبرتي والذي برره ديان بأنه كان خطأ غير مقصود!
كل هذا تم في الفترة من 5 يونيو حتى مساء 8 يونيو وهو موعد قبول وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه جميع الأطراف.
وحتى ذلك التاريخ من مساء 8 يونيو لم تكن الجبهة السورية قد دار فيها أي نواع من القتال، ونظرا للكارثة المحققة التي سببت مفاجأة كبرى للعرب جميعا فقد غفل الجميع عن نقطة إحجام الجيش السوري عن الهجوم حيث اقتصـرت المواجهة على مجرد بيانات عسكرية حماسية تعلن اندلاع القتال لكن كل هذا ثبت أنه مجرد شعارات لم يكن لها واقع على الأرض!
وتحت تأثير ما حدث قال الرئيس السوري (نور الأتاسي) مُبَرّرا ما حدث أنهم كانوا يُعِدون لهجوم كبير على الجليل غير أن وقف إطلاق النار قد فاجأهم!
ونظرا لأن الأمور كانت قد استقرت بالفعل، ولم يكن الأمر يحتمل اشتعالا جديدا يزيد من الخسارة والهزيمة فقد بادر عبد الناصر بمراسلة (نور الأتاسي) ودعوته إلى أن يقبل وقف إطلاق النار للحفاظ على الجيش السوري وقوته بعد هذه الهزيمة الثقيلة، وأن العقل يقتضـي التمسك بالجيش السوري متماسكا بعد الانهيار الذي نال الجيش المصـري، فضلا على ضرورة وقف نزيف احتلال الأرض العربية.
وحتى هذه اللحظة لم يكن هناك أدنى مبرر لا أمام إسرائيل ولا أمام سوريا لإعادة تفجير القتال، بالذات إذا علمنا أن فكرة اجتياح الحدود السورية لم تكن موضوعة في خطة الحرب الإسرائيلية من الأصل.
وهذا ما كشفته الوثائق الإسرائيلية وروايات القادة العسكريين في الجيش الإسرائيلي، فعندما تم إعداد الخطة وتنسيقها مع الأمريكيين كانت الخطة تقتضـي بعدم الهجوم على سوريا وتوسيع قاعدة العمليات لسبب منطقي وهو أن توسيع العمليات بالاستيلاء على مساحات شاسعة من الأرض قد يكون ممكنا عسكريا أما السيطرة على تلك الأرض فهذا هو الذي يفوق إمكانيات الجيش الإسرائيلي ويهدد استقراره.
ولهذا عارض (موشي ديان) فكرة الجنرال (إسحاق رابين) بدخول الجولان –ولو جزئيا- وبناء على مذكرات رابين فقد ظلت الخطة قاصرة على الجبهة المصـرية والأردنية حتى تم التنفيذ فعلا.
ومن خلال مذكرات (اسحاق رابين) نقرأ قصة الهجوم على الجولان بعد وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب، حيث انتشت القيادة الإسرائيلية بتلك الحرب السريعة ونتائجها الغير متوقعة.
فلم يتوقع الإسرائيليون حالة الانهيار التي كانت عليها القيادات العربية، والتي تسببت في تحقيق أعلى نسبة نجاح للخطة.
وتحت تأثير هذا النجاح راودت رابين فكرة الهجوم على الجولان وضرب القوات السورية وعدم تركها كمصدر تهديد، لكن (موشيه ديان) رفض تماما وأصر على وجهة نظره التي كانت قبل الحرب لا سيما وأن إسرائيل لم تتوقع أن ينسحب الجيش المصـري من سيناء بالكامل وكان المتوقع وقوفه عند خط الممرات.
فلما صدر القرار الكارثي لعبد الحكيم عامر بالانسحاب من سيناء كاملة، وتزامن هذا مع تدمير سلاح الجو والمطارات العسكرية اندفعت إسرائيل لاحتلال سيناء حتى قناة السويس، وهذا معناه تمديد المساحة التي يتعين على الجيش التمسك بها للضِعْف.
واقتنع رابين بما سمعه وأكمل روايته بأنه بناء على هذا الأساس قررت القيادة قبول وقف إطلاق النار واستأذن رابين للحصول على قسط من النوم بعد انتهاء المعارك
وفوجئ رابين برنين هاتفه في الساعة السابعة صباحا وكان المتحدث هو (عيزرا وايزمان) رئيس هيئة العمليات يبلغه بأن موشي ديان قرر دخول الجولان وأصدر أوامره بالفعل للجنرال (دافيد اليعازر) قائد الجبهة الشمالية بتنفيذ الاجتياح!
وَذُهِل رابيين مما سمع وذهب من فوره لمكتب موشي ديان ليفهم ما الذي دفعه لتلك الخطوة المفاجأة.
فأجابه ديان بإجابة لا محل لها من الإعراب وقال له:
أنه عندما أعاد التفكير في ساعات الليل وجد أنه من المناسب ألا يترك الجيش السوري مصدر تهديد!
وهو نفس المبرر الذي ذكره ديان نفسه في مذكراته، وبالطبع هو مبرر خارج عن المنطق لأن ديان نفسه رفض هذا المبرر من إسحاق رابين وساق أمامه الأسباب الاستراتيجية للرفض والتي لا شك أنها أسباب صحيحة تماما.
ولم تقتصر المفاجأة على هذا.
بل إن المفاجأة الكبرى تمثلت في أن الجيش الإسرائيلي بدأ بعملية اجتياح هضبة الجولان وكان القتال لا زال في بدايته وهناك معارك واشتباكات دائرة بالفعل.
وقبل أن يحقق الجيش الإسرائيلي أي إنجاز في المعارك فوجئت القوات السورية بأمر انسحاب كامل من الجولان يصدر لها من مكتب وزير الدفاع (حافظ الأسد)
ليس هذا فقط.
بل إن حافظ الأسد خرج ببيان عسكري في الإذاعة يعلن فيه سقوط (القنيطرة) عاصمة الجولان بينما كانت القوات السورية في القنيطرة تستمع إلى هذا البيان وهي في مواقعها ولم تشتبك بعد مع الجيش الإسرائيلي من الأصل!
وهكذا سقطت الجولان بعد انسحاب الجيش السوري دون قتال تقريبا، وكان بيان حافظ الأسد بسقوط القنيطرة وأوامره بالانسحاب أكبر صدمة تلقاها الجيش والشعب وقيادات حزب البعث التي عجزت عن فهم ما حدث.
والواقع أن لغز سقوط الجولان لم يكن لغزا غامضا، لأن دور الأسد في سقوط الجولان كان من المستحيل قبوله على أنه من باب التقصير أو من باب الفشل العسكري.
فالقرار الإسرائيلي المباغت باجتياح الجولان والمخالف للخطة الإسرائيلية المعتمدة، كان قرارا فريدا وغير مسبوق حيث اتخذه وزير الدفاع (موشي ديان) فجأة وبصفة منفردة بعيدا عن كافة القيادات العسكرية الإسرائيلية!
وإقدام موشي ديان على اتخاذ القرار بهذه السـرعة كان يشـي بأن ديان كان يعلم تماما أن الاجتياح للجولان لن يتسبب في أية خسائر تُذكر للجيش الإسرائيلي، وبأن خطة الاجتياح ستكون نزهة عسكرية لن يترتب عليها أي مسئولية.
كما أن اتخاذ القرار بهذه الصورة بعيدا عن معرفة رئيس الأركان إسحاق رابين وبشكل مفاجئ وفي مخالفة واضحة لرأي وقرار ديان السابق بعدم غزو الجولان يوحي بوضوح أن ديان اتخذ القرار بناء على تغييرات سرية وترتيبات لم يعلم بها قيادات الجيش الإسرائيلي ولم يصارحهم بها ديان.
فما الذي عرفه ديان ودفعه لمثل هذا القرار؟!
والأهم كيف نجحت إسرائيل في اجتياح الجولان دون مواجهة مكلفة مع الجيش السوري؟!
وعندما نضع هذه الأسئلة مع التصـرفات التي قام بها الأسد في إدارة المعركة سيظهر لنا بوضوح أن هناك تنسيقا كاملا بين حافظ الأسد وإسرائيل على هذا الاجتياح.
وهذا الأمر لم تنكشف فيه وثائق واضحة من حرب النكسة، ولكن تفاصيله كانت معروفة لعدد كبير من السياسيين والعسكريين داخل وخارج سوريا، وتسربت بعد ذلك بسنوات.
ومن تلك المصادر ما قاله (أنور السادات) للصحفي المصـري الشهير (محمود عوض) من أن الجولان سقطت بفعل فاعل وباتفاق وتنسيق أمريكي بين إسرائيل وأطراف داخلية
بالإضافة إلى شهادة الشاعر السوري الكبير (نزار قباني) حول هذا الأمر، ونزار قباني لم يكن شاعرا وأديبا وحسب بل كان مسئولا كبيرا في الخارجية السورية وعمل سفيرا لسوريا في عدة دول بخلاف المواقع التي شغلها داخل الحكومة.
وقد كانت تلك الشهادة سرية أدلى بها نزار قباني لصديقه الكاتب الكبير (محمود السعدني) والذي قام بتسجيلها على عدة شرائط كاسيت واحتفظ بها سرا حتى وفاته بناء على طلب نزار قباني نفسه والتي أثبت له فيها أن سقوط الجولان تم بصفقة بين الأسد وإسرائيل ولأسباب وأهداف متعددة كان من ضمنها تخطيط الأسد للوصول للسلطة عن طريق استغلال حالة التخبط التي سادت العالم العربي بعد النكسة
ولم تنكشف التفاصيل الكاملة لما أدلى به نزار قباني لمحمود السعدني ولا طبيعة الأدلة التي وَثّق بها روايته.
لكن الصحفي الكبير (أكرم السعدني) نجل (محمود السعدني) هو الذي قام بكشف الواقعة وأعلن أنه لا زال محتفظا بتلك الشـرائط ورأى أن من واجبه الكشف عن محتواها العام بعد مُضـِي سنوات طويلة على وفاة الطرفين محمود السعدني ونزار قباني
وقد كانت خيانة حافظ الأسد وتصـرفاته بالغة الوضوح أمام الجميع للدرجة التي دعت المؤتمر القُطري لحزب البعث لعقد تحقيق عاجل في أسباب سقوط الجولان وكان الذي اتخذ القرار هو (صلاح جديد) بنفسه.
وعقد الحزب مؤتمرا خاصا لمعالجة الأمر وانهالت الاتهامات على وزير الدفاع (حافظ الأسد) الذي كانت أوامره وتصـرفاته في إدارة المعركة كارثية وأثارت سخط الجيش وقياداته والجنود الذين أعلنوا حقيقة ما حدث على جبهة الجولان وكيف أن قرار الانسحاب الكامل كان بلا مبررات عسكرية واضحة، وأن إعلان الأسد سقوط القنيطرة كان سابقا على سقوطها الفعلي
.
وفي نفس المؤتمر قال عضو مجلس القيادة القطرية لحزب البعث (عبد الكريم الجندي) بأنه يملك من الوثائق ما يشـي بتعمد حافظ الأسد إسقاط الجولان وفتح المجال أمام الجيش الإسرائيلي لاجتياحها وأن ما حدث لم يكن سببه التقصير والإهمال العسكري بل التآمر والعمالة بالاتفاق مع إسرائيل بوساطة أمريكية
واتفق غالبية المجتمعين في المؤتمر الحزبي على إحالة حافظ الأسد لمحكمة حزبية تعقبها محاكمة عسكرية
لكن حافظ الأسد والذي كانت له سيطرة واضحة على الجيش رفض قرارات المؤتمر وتمكن من إبطالها بفضل مساندة الضباط البعثيين والعلويين!
ومن الغريب أنه نجح في الإفلات من المحاكمة والمحاسبة، ليبدأ بعدها من فوره الإعداد لانقلاب عسكري يستولي به على السلطة في سوريا، وهو المخطط الذي نفذه حافظ الأسد مع كتلة الضباط العلويين الذين اجتذبهم لنفسه، وبالتعاون مع (معمر القذافي) الذي دعم الانقلاب ماديا وتم تنفيذه بالتدريج خلال السنوات الثلاث اللاحقة على النكسة ليتمكن في عام 1970م من التنفيذ ويصعد إلى رياسة سوريا كأول علوي يصل لهذا المنصب، واعتقل الأسد (نور الأتاسي) و(صلاح جديد) في معتقل (المزة)، ورفض كافة الوساطات من القيادات البعثية في اليمن وغيرها للإفراج عنهما فمات صلاح جديد داخل المعتقل بعد سنوات طويلة ومات نور الأتاسي بمرض عضال بعد عشـرين عاما من الاعتقال حتى أفرج عنه الأسد ولكن مات متأثرا بمرضه بعدها بوقت قليل
ولم ينس حافظ الأسد رفيقهم الثالث (محمد عمران) الذي تم نفيه إلى لبنان، ولم يكتف الأسد بهذا بل أرسل خلفه فريقا للاغتيالات دخلوا إلى لبنان بجوازات سفر لبنانية مزورة ونجحوا في اغتيال عمران داخل مقر إقامته بلبنان
وكان تخطيط حافظ الأسد بدأ بنيته الخلاص من (صلاح جديد) واجتذاب الضباط العلويين لصفه وإنهاء شعبيته بينهم عن طريق الزعم بأنه يُضَيّع على العلويين فرصة الصعود لسدة الحكم
وكان صلاح جديد بالفعل مؤمنا من أعماقه –كسائر العلويين- أن أقصـى طموح لجبهتهم هي العمل كطائفة مساندة تكتسب نفوذا تكتيكيا في البلاد دون التفكير مطلقا في الوصول لسدة الحكم في سوريا مهما كانت الأسباب.
وذلك نظرا لأنهم طائفة مخالفة عقائديا لمعظم طوائف الشعب السوري صاحب الأغلبية السنية فضلا على أن العلويين لا يملكون أي قوة تؤهلهم للتفكير في الوصول للحكم.
ولم يحدث في تاريخهم أن حاولوا ذلك لإيمانهم بأن طموحهم هذا سينتهي بهم إلى حرب طائفية مدمرة في يوم من الأيام ستكون نتيجتها اقتلاع الطائفة بأكملها.
وأكبر دليل على هذا أن العلويين لم يفكروا في الحكم إلا عندما جاءتهم فرصة لحكم منطقتهم المحدودة فقط في الساحل السوري، وحتى في هذه التجربة كانوا يستندون فيها إلى قوة الدعم الفرنسـي والتي فشلت في نهاية الأمر.
فكيف يمكن لهم التفكير في حكم سوريا بأكملها بعد ذلك؟!
أما كيف خطط حافظ الأسد للوصول للحكم، فقد بدأ باستغلال منصبه كوزير للدفاع وقام بتجنيد الضباط العلويين لصالحه وخاطبهم بأن الفرصة المواتية أمامهم للحكم لن تتكرر وأن العائق الوحيد أمامها هو وجود (صلاح جديد) في منظومة الحكم!
وشـرح لهم حافظ الأسد الفكرة وملخصها القيام بانقلاب للاستيلاء على السلطة بعد التجهيز له جيدا، وأيا كانت النتيجة فستكون في صالحهم
فلو نجح الانقلاب ووصل العلويون للسلطة سيأخذون البلد لصالحهم عن طريق التحالفات واستغلال الخلافات بين أطراف الحزب، وبالسيطرة على الحزب من ناحية والجيش من ناحية أخرى سيتم الأمر.
وإن فشل الانقلاب فعليهم عندئذ استغلال قوتهم المنظمة وإعادة مشـروع الدولة العلوية من جديد في طرطوس واللاذقية
أما بالنسبة للتبريرات والمحاذير التي كان يخشاها العلويون ويرددها (صلاح جديد)
فحافظ الأسد لم يكن مؤمنا بكل هذه التبريرات، وبعد وصوله لمقعد وزارة الدفاع وفي ظل الظروف الدولية في المنطقة كان يرى أن أمام العلويين فرصة سانحة لم تتكرر من قبل قط لكي يثبوا على الحكم وتتمثل الفرصة في أن الحكم السوري الآن لم يعد حكما تتنازعه الطوائف كما كان في الماضي بل صار حكما يعتمد على عنصريين رئيسيين وهما الجيش وحزب البعث.
فالذي يسيطر على الحزب المدعوم دعما كاملا من السوفيات، وعلى الجيش وأجهزة الأمن الداخلية سيصبح الحاكم الفعلي بغض النظر عن انتمائه أو طائفته لأن الحزب والجيش متفقين في العقيدة القومية وأصبح معيار الانتماء في البلاد قائما على تلك العقيدة وتراجعت إلى حد كبير نعرات الطائفية أمام العقيدة القومية.
والسبب الثاني الذي كان يشجع حافظ الأسد هو أنه كان عقلية بالغة الذكاء في إدراك أن الشعب السوري أغلبيته سُنية محضة، وهؤلاء قد يقبلون بحكم البعث الشيوعي تحت تأثير انتشار القومية العربية لكنهم لن يقبلوا قط بحكومة شيعية تعمل على نشـر عقيدتها أو تحاول تغيير عقيدة البلاد للتشيع كما حدث في إيران في عهد الصفويين.
لذلك تخلى حافظ الأسد تماما عن أي معتقدات دينية تخص طائفته العلوية ولم يحرص على نشـر معتقداتها أو تشجيعها على الظهور، ولأنه بالأصل لم يكن منتميا أو مهتما بالعقائد الدينية سواء كانت شيعية أو سنية، فكان سهلا عليه أن يكون كعامة أعضاء حزب البعث شيوعيا يستبدل العقيدة الدينية بالقومية.
لذلك عندما وصل للحكم قام بالإعلان على أن العقيدة الجامعة للبلاد سنية، لكن المنهج الذي سيجمع الشعب بكافة طوائفه هو منهج القومية العربية وإعلاء العنصـر العربي والنداء بالوحدة العربية بين كافة دول المنطقة.
والذين يعلمون مبادئ العقيدة الشيعية سيدركون أن انتماء حافظ الأسد للشيعة النصيرية كان حبرا على ورق، لأنه ضرب أهم ثابت من ثوابت الشيعة وهو كراهية العنصـر العربي واللغة العربية والتمسك بالثقافة الفارسية إلى أقصـى مدى لدرجة تحريم السلطة الإيرانية للأسماء العربية وتحريم استخدام اللغة العربية في أي وثيقة رسمية فضلا على تحريمهم التسمي بأسماء عربية محددة سواء كانت من أسماء الصحابة أو التابعين أو الأبطال المعروفين في التاريخ الإسلامي.
وليس هذا فقط.
بل قام حافظ الأسد بدمج القومية العربية كمنهج للدفاع عن الدولة الأموية التي كان مقرها الشام وكانت أعظم دول الإسلام بعد الراشدين ولها شعبية كاسحة بين أهل الشام جميعا، وهي التي تولت قيادة الفتوحات التي وصلت لأقصـى اتساع لها في عهد (سليمان بن عبد الملك).
ومعروف بالطبع أن الدولة الأموية هي أعدى أعداء الثقافة الشيعية في المطلق، ومعروف أن الدولة الأموية أيضا كانت تحرص حرصا شديدا على تولي العرب للمناصب الحساسة في الدولة وعدم السماح للجنس الفارسي بالتوغل في الدولة لثقتهم في أن الفرس لن يتوقفوا عن مؤامراتهم ضد الخلافة.
وهو الأمر الذي لم ينجح العباسيون في تلافيه عندما اعتمدوا على العنصـر الفارسي فتسلل إلى بيت الخلافة في عهد الراشدين عن طريق البرامكة، الذين تسيدوا مناصب الدولة جميعها بما فيها قيادات الجيوش، ثم تمكنوا من معاونة الخليفة (المأمون) الذي ينتمي للبرامكة من طريق أمه الجارية (مراجل) وأيدوه حتى استطاع قتل أخيه (الأمين) وأعاد السلطة ليد الفرس مرة أخرى بعد أن تم القضاء على نفوذهم في عهد الرشيد.
وفي ضوء تلك الحقائق.
فإن حافظ الأسد كان شديد المكر في تخطيطه عندما فرض تعليم اللغة العربية والتاريخ الإسلامي على كافة مراحل التعليم، فضلا على تقديم الانتماء العربي على الانتماء القُطري بأن جعل المسمى الرسمي للدولة هو (الجمهورية العربية السورية) والمسمى العسكري للجيش هو (الجيش العربي السوري) إمعانا في إظهار الانتماء العربي.
بل وشَجّع معاهد التمثيل على تبني الأعمال التاريخية الخالدة وإعلاء قيم العروبة، وهذا هو السـر الحقيقي وراء البراعة والاحتراف الشديد الذي تميزت به الدراما السورية في الأعمال التاريخية حيث تميز الممثلون من كافة طبقاتهم بإجادتهم للغة العربية الفصحى إجادة تامة تكاد تطابق مستوى القدماء في النطق والفصاحة فضلا على بلاغة السيناريو والحوار.
الصفحة الشخصية بموقع فيس بوك
القناة الخاصة بيوتيوب
رد مع الإقتباس