الموضوع: قصة التواصل
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
0

المشاهدات
913
 
عبير هديب
من آل منابر ثقافية

عبير هديب is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
83

+التقييم
0.02

تاريخ التسجيل
Oct 2013

الاقامة

رقم العضوية
12451
02-06-2025, 09:42 PM
المشاركة 1
02-06-2025, 09:42 PM
المشاركة 1
افتراضي قصة التواصل
قصتي التواصل
كانت تسمي هذه المساحة الترابية باسم غني و تضيف اليه ياء الخصوصية وتنطق الكلمة بتفخيم جليل "حديقتيّ " ،وإذ كانت تعلم أن خيالها يصنع لها ما تريد فقد كانت مدركة لوجود أعين لا ترى في جمال اللون الترابي ما يغني عن النضج الأخضر، لذا أبقت الحديقة التي تخصها سراً لا تطلع عليه أحد . كانت تطيل الجلوس على المقعد الوحيد هناك تتأمل حركة السحب ،وتصف لون السماء المتغير بتغير مزاجها فهو أزرق شفاف إن كانت راضية ،نيلي مخفف إن كانت غاضبة، وهناك ذلك اللون المنسكب من شمس محتضرة يصبغ حديقتها حين الغروب ثم يبدأ بالانحسار حتى يضيئ للحظات معدودة قوساً خشبياً منقوشاً برموز غريبة لطالما ألهبت خيالها بمحاولات لإيجاد معنىً لها.
كانت تكره التغيير، وكان الانتقال من المدرسة إلى الجامعة تغييراً سيفضي في أحسن حالاته إلى مفاضلة مستمرة بين الخطأ المرح والصواب المغرق في الجدية حيث لا بد من الندم على النتائج ولو كان الاختيار رسوليا .
كانت أجبن من ان تكره المسؤولية وتبرر ذلك بأنه لا يمكن لأحد ان يكره شيئاً لا يعرفه وان المعرفة النظرية لشيء لا يمكن إلا أن يطبق نوع من التجديف ,وكانت أذكى من الالتصاق بها كنوع من الإخلاص لمبدأ معين لذا كانت قادرة على التخلص من أثار تأنيب الضمير بتبرير طفولي ماكر يخدع عقلها قبل أن يخدع الأخرين . كانت جالسة في ذلك اليوم في حديقتها تحاول الوصول الى نمط يفسر انتقالاً يسيراً بين الطفولة والنضج المسؤول ,منذ اسابيع كانت طالبة في الثانوية كان جُل اهتمامها ينصب في إحراز علامة تتيح مستقبلاً يمكن أن يوصف بالمقبول ,والآن أدركت بعد إرتيادها الجامعة أن هناك مصطلحات غريبة تتناثر في الأرجاء وأن عالمها الصغير المغلق مصاب بتوحد لا يستقيم الأمر إلا بشفائه . تعترف لنفسها أن تمسكها الطفولي بعالم تلعب هي فيه دور البطولة يبدو نوعا من التمسَك المرضي ,لكنها تتراجع وهي تهز كتفيها بطفولة بالغة وتسرح بنظرها في تلك النقوش التي ربما هي لعنة تمنع روحها من النضج . تطرق علبة القهوة بأصابع شبه متجمدة وتفكر في صيغ التواصل العديدة الصداقة والزمالة والصحبة والعلاقات البعيدة, وإذ هي تجد في كل هذه الألفاظ رونقاً مثالياً, فهي تخشى أن يصبح كسر المثالية نوعاً من الوصول إلى هدف التواصل ,وهو شيء يشبه استخدام الطرق الشريرة للوصول إلى الخير و كان تحقيق الأهداف يعني تحقيق النصر فإن الطرق تصبح عديمة القيمة ويصبح البغيض ميكافيلي صادقًا . - "ميكافيلي طفولي الهوى؟" أتى الصوت من الخلف . التفَتَت إلى مصدر الصوت ,رجل في أواخر الخمسينات من عمره ,شعر أبيض وقامة قصيرة ونظارات بعدسات هلالية تمنحه سمة السحرة. - "لربما كانت ميزة ميكافيلي الوحيدة أنه لم يكن من الذين يتدخلون في شؤون الاخرين .." قالت محاولة ترتيب ملامحها بطريقة تدعو إلى النفور. - "لست متطفلاً " أجاب وهو يحدق في النقوش الغريبة "أحاول فهم وصول الطفولة الى الميكافيلية" - "هل شاهدت الاطفال وهم يلعبون سوية ؟ سيطرة مطلقة وعنف خال من الانسانية ,إنهم مثال لما يطلق عليه باللغة الانكليزية (أنانيون بالطبيعة)" قالت وهي تحاول ادراك العالم الذي أتى منه هذا الرجل - "واذاً فنظريتك العظيمة أن ميكافيلي طفل كبير " قال بسخرية - "لربما كان ذلك من حسن حظنا, تعريف الأنانية بهذا الأسلوب البديع ما كانت لتحصل على اهتمام أحد ,لو كانت صادرة من طفل حقيقي,وما فعله ميكافيلي رغم بشاعته نوع من الشجاعة الادبية في الاعتراف " قالت وهي تسحق علبة القهوة وكأنها تحملها مسؤولية رداءة الأطفال. - "هذا تصور بالغ الغرابة ,لا دليل على صحته " قال باستخفاف .. "أنت تفندين قيم التواصل وتحصرينها في السيطرة "
"إذا فكل المجتمعات بدائية ...وعلى الناس أن لا تتحضر وأن لا تعيش في المدن " قال باستمتاع - "عليك أن تستمتع ل "ديورنت "حين قال أن الإنسان يكرس تطوره للعودة الى البدائية " قالت بعد تفكير - " ماذا عن تطور حي بن يقظان " قال وكأنه وجد دليلا قاطعاً... "لقد وصل إلى تطور راق وتفهم عقلي واعٍ للحقيقة الكونية " - "وأنت هنا تثبت أن التواصل ..-ان كنت تسميه تواصلاً – مع الكون والبيئة يجعلك أكثر رقياً ويوصلك إلى نقاء الحقيقة ...أما التواصل مع البشر فسيوصلك الى نوع من محاولة السيطرة أو محاولة التحرر منها وفي كلا الحالتين أنت متعب ,خاسر ,محبط " قالت وهي تنظر إلى خيالات الغروب التي تضيئ الرموز المنقوشة. - "الإنسان كائن اجتماعي, لا بديل عن المجتمعات المتطورة ,لا بديل عن الوجود المشترك ,انها المعنى الصحيح الإنسانية, كيف يمكنك أن تشعر بالآخر إن كنت تحاول تفادي أشكال السيطرة طوال الوقت "قال مدافعا عن أفكاره -
الجوع والعطش الشبع والارتواء ، الدموع والبكاء الضحك والانتشاء ، الرغبة والمتعة والصحة والمرض الكلمات والأفكار الكتب والموسيقى الشعر والحكايات ، الأصدقاء التجارب والألم الحب الحزن الضجر الامل والخوف الخيال والحلم هذا المجموع هو ما يجعلك حياً تتراكم داخلك هذا الأشياء وتختلط لتصنع ردود أفعال وانفعالات ..وعواطف وذكريات تمتزج في وعاء هو أنت لكن المفارقة الكبرى انك لست داخل هذا الوعاء بل تمسك وتهزه وتتأمله كأن في داخلك مسرح تدور حوله كل حياتك مهمتك فيه ملاحظة ما يدور عليه


::