الموضوع
:
هذيان الأنا والقلم جَنى !
عرض مشاركة واحدة
احصائيات
الردود
2
المشاهدات
12632
لبنى علي
من آل منابر ثقافية
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
المشاركات
109
+
التقييم
0.02
تاريخ التسجيل
Feb 2012
الاقامة
في قَلْبِ فَراشَة ..
رقم العضوية
10857
04-21-2024, 05:51 PM
المشاركة
1
04-21-2024, 05:51 PM
المشاركة
1
Tweet
هذيان الأنا والقلم جَنى !
هذيان الأنا والقلم جَنى !
ويأتي المساء ، وتفترش النجوم بساط السماء ، ويُطِلُّ
القمرُ من عليائه ، يعلو ويخبو نورُهُ ، ويشتدُّ كُحْلُ السّماءْ .
وأنا أجلسُ على شرفتي ، على يميني كتُبي والأقلام ، وعلى
يساري أوراقي وعلبة الألوان ، وأمامي حديقةٌ غنّاءُ تزهو
بالألوان ، إلّا أنّ الّليلَ صبَغَها بِلَون أهدابهِ ، حتى فراشاتها
والأطيارُ والحَمام .
وأُمِسكُ بقلمي ، فَيفِرُّ من بين أصابعي ، وريشتهُ صمّاءُ
ولسانُ حاله يقولُ دَعكِ عنّي ، دعيني في حيرتي أتَبَعثَرُ
وأُبحِرُ في المَجهول ، فلَكَم دَقَّتْ فَوقَ رأسي طبول ، وما
زِلتُ أجهَلُ عن حيرتي وإسرافي في أمري مَن المسؤول .
وأحارُ في أمره ، وقد سكَنَ مِنّي قَلبَ أفكاري
وجَبهَتي ، وكُلُّ ما أقولُ كانَ في قاموسه مَسموع .
فلطالَما أبكَيتُهُ وغاضَ بين الدموع ، وتراقَصَ مِدادُهُ
على لَحنِ آهاتي ، وعزَفَتْ قِيانُ الضّلوع .
واليومَ ما بالُهُ إذا ما أسمَعتُهُ لَحنَ أفكاري ، يَشيحُ
بِوَجهِه عَنّي ، ويفِرُّ من بين أصابعي ، ويسكُنُ صَدْرَ
أوراقي ؟ فماذا عساه يترجِم القلم وقد أثقلَته الهمومُ
وتياراتُ الأفكار ، وما نضَب منه المداد ، إنّما ألَحّت
عليه أوجاعُه ، ونزَفَ مِدادُه ، وحينها غصّ به القلمُ
وتبعثرت حروفه .
وأنظر إلى القمر وقد تحلّقت حوله النجوم ، يُسامرها
وتُسامرُه ، ويشاكسها وتشاكسه ، فيضيع الهم والضجر
والمشاعر الأُخَر ، ورقّ لهم المدار ، فلا عواصف ولا أنواء .
وأنظر وقلمي ينظر معي ، ولا يقوى على الحراك ولا حتى
بإيماءة من رأسه القاسي كالفولاذ ، وعيناه جاحظتان كما لو
أنْ مسّه دُوار ، أو لعَلّ به جِنَّةٌ ، أو أصابه شعورٌ باغتراب .
وأتساءلُ : القمر ما كُنهُه ، ما لونُه ، ما شكلهُ ؟
هل فيه أنهارٌ من عسل ، أو ماءٌ أو لبن ؟
وهل يعيش فيه الطيرُ و يتنفس الشّجرُ ، والفراشاتُ
والنحلُ والحورُ والمَها والغادات الأُخَر ؟
وأتساءلُ و يُصغي لصَوت التساؤلات ، لكن
كما العودُ حين يَرِقّ فيه الوتَر .
واعتكف القلمُ بعد أن أغطَشَ اللسان ، فلم يعُد لديه مَيلٌ للجِدال
ونظرتُ إلى الأفق البعيد ، وتساءلتُ هل يعرف أهل القمر العيد ؟
وهل ساكنيه سعيدةٌ وسعيد ؟ أم حالُهم كحالنا ننسى الشقاء
بشَقاءٍ جديد ، ونُداوي كُل جَرح بِجَرحٍ جَديد ؟!
وأرنو إلى القمر وقد أضاء شرفات السهر ، وروحي تُسِرُّ له النّجوى وتتساءلُ :
يا ساكن السماء ، في بيتك في العلياء يصلك الخبر ، ففي جعبتك أخبار وصور ..
وحكايا عن البشر .. وهمس النسيم للنخيل .. وأعراس العنادل فوق الشجر ..
ما كُنهك ؟ ما لونك ؟ ووجهك ما شكله؟ أضاحِكٌ أم عابِسٌ ؟ أم بدرٌ مُصوّر ؟ سُبحان مَن صَوَّر !
وبدأت الرسم بريشة الخيال وإبداع الفنان ، ليكون بالإمكان أفضل
مما كان ، فالقمر معشوقٌ والعاشق فنان .. وشراعي الوحي والإلهام
والجمال هو القبطان .
وأخذت أرسم القمر وفي خيالي له صور ، بيت
وحِجارةٌ حمراء ، وأبوابه مشرّعَةٌ للشمس والهواء ..
وزقزقة عصافير .. وخرير ماء .. وموقد .. ونار
ودلّة قهوة ترحب بالزوار .
ويُحَدِّقُ في الرّسم القلم ، ويقول يا للعجب !
أرض جرداء .. حجارة صمّاء .. زَرعُ مَوتٍ ..
وحصادُ صَمتٍ .. وخيبةُ آمال .. وفي عيونكِ
حدائق غنّاء ! فعالمك يعُجُّ بالألوان .
ولا أرى الألوان إلّا دواءً و صَبرًا على مُر الزمان .
ولكن لم يكُن بالحسبان ، وأنت أميرتي وملهمتي ، تتساوى
في قاموسكِ أُطُر الحقيقة والخيال ، بل وينصهران في
لوحة تَجريدية مُكتملة الأركان .
فأمسكت بالقلم ، وهَدهَدتُهُ وقلتُ : يا صديقي القلمُ ، حتى الشهد
في أوانيه يُخالِط حُلوَه المَرارُ .. فكل نفسٍ تأبى الإنكسار ، وتبني
حولها شرنقةً من وَحي الخيال ، وهواجس الأماني وحجم الأحلام حتى
لا يضيع العقل ، ويقذف بنا إلى غياهبِ الذهولِ الزمانُ .. فصعبٌ لِمنْ
وقع في الجُبِّ أن يُغادِره دون أن يمُر عليه الرّكبان وتأخذه معها حيث الأمان .
فما الخيال إلا صمام الأمان حين تحاصرنا الأهواء والأفكار ، ويستعصي
علينا القرار ، حتى الكلام .
وما بين الحقيقة والخيال ، يمضي بنا الترحال ، وتُزهر فينا آمال ، وتموت آمال ..
وهكذا دواليك إلى أن تلفظ أنفاسها شعلة الحياة .
وقاطعني القلم وقال : إذا ما انقشع عن سمائي الضباب والعُقاب ، وما عادت الشمس
يحجبها سحُبٌ ولا أمطار ، فلا تحلَمي أن أكُفَّ عن الجلجَلَة والهذيان .
فكيف يُمسي الحاضر والماضي سيان ، وبَقايا سطور في كتاب الزمان لِمَن يُعمِل ذِهنَه
ويُميّز الألوان ؟! .
فقلت وفي عيوني تتراقص عرائس الليل والأقمار ..
و ما أجمل الليل إذا كان القلم والريشة والأفكار
والأوراقُ والألوان والأوتارُ له عيونٌ وسُمّار .
ويأتي المساء .. وكما بدأْنا نعودُ .. ولمْ تَزَلْ
النجومُ تفترش بساطَ السّماء .. وعيوني تُناظرُها .. وتُناظرُني السّماء ..
والقلمُ ما بيننا في حالةِ ترقُّبٍ وهَذَيان
.
رد مع الإقتباس