الموضوع: الأدب العبري
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-08-2010, 09:35 PM
المشاركة 3
عبير جلال الدين
كاتبـة مصـرية
  • غير موجود
افتراضي رد: الأدب العبري
كافكا....النموذج الآخر

يحتل الكلام على كافكا في الكتاب مساحة أكبر من أي بحث آخر, حيث عرض لنقاط كثيرة, وطرح مسائل مختلفة تتعلق بسيرته, وأعماله, وعلاقته المتوترة بينه وبين والده, كما تتعلق بأهم عملين أدبيين له هما: (القلعة) و(المسخ).

في الجانب الأول المتعلق بسيرته, يوجز المؤلف حياته كما يلي:
عاش (كافكا) إحدى وأربعين سنة (1883-1924) قضى منها تسعًا وعشرين سنة لم ينشر خلالها أي كتاب, وفي عام 1912 نشر كتابه (تأملات) الذي يضم ثلاثًا وعشرين صفحة فقط, ولم يبع منه في سنته الأولى سوى تسع وستين نسخة, كما لم يبع منه طوال حياته سوى أربعمائة نسخة.

وفي جانب الأعمال الأدبية, فقد انقلبت المقاييس رأسًا على عقب إثر نكسة يونيو 1967فارتفع المبيع إلى الملايين, وبلغ بيع أعماله الكاملة أربعمائة ألف نسخة, باللغة الألمانية.
وسبب الإقبال المدهش:
تحليله العميق لظاهرة القلق عند اليهود, وتبشيره بفكّ طوق الجيتو نحو الوطن التاريخي الموعود.
من هنا تأتي كثرة دراستها وشرحها وتحليلها وفقًا لاتجاهات علم النفس, والفلسفة وتياراتها, ووفقًا للأساطير العبرية, ولمناهج علم الاجتماع والأنثروبولجيا, ولحسن تفهّمها للرسم والموسيقى والدراما, على الرغم من جهل كافكا التام للموسيقى, وعدم اهتمامه بالرسم والسينما.

لقد ساد كتابات كافكا الكثير من الإحباط جرّاء الحديث عن عزلته ووحدته وكآبته وأحزانه وأقداره غير المؤاتية, الأمر الذي انعكس على دراسات أدبه التي سادها الحديث عن الغمّ والحزن والجفاف والقسوة.

فهو يقول في رسالة إلى والده (إنّ الحياة أكثر من لعبة صبر). بالطبع لم يكن يقصد حياته هو, بل حياة اليهود بعامة في المجتمع الأوربي المسيحي, والوصول إلى الاستقلال والثقة والأمان.
عودة إلى التوراة

سبق للمؤلف أن طرح في بداية الكتاب, عناوين المرجعيات والمصطلحات للأدب العبري, وهاهو الآن يوسّع بعض الشيء في هذا الجانب, ويشرح السّمات العامة للأدب العبري, مضيفًا بذلك أبعادًا فنيّة على شيء من التقويم والتوضيح.

فالنصوص الأدبية العبرية على اختلافها, ركيكة البنية, متداعية الأسلوب, باهتة الجمال, بسبب غياب السموّ التعبيري الخالص, وغلبة التفكير العقائدي المفعم بالعدوانية والعنصرية تجاه الغير.

ومن أهم ما يطرحه المؤلف في هذا الجانب, اتجاهات الأدب العبري, وأوصافه.

فأما اتجاهاته فهي خمسة, يؤكد كلٌّ منها ناحية أو رؤية خاصة.

فهناك النزعة العنصرية, وهناك الحض على القوة والعدوانية, وخصوصًا مع العرب, وهناك الإحساس بالغربة والتفاهة إذا كان اليهودي يعيش خارج الكيان الصهيوني, وهناك النظرة الدونية إلى العربي والمسلم, وهناك أخيرًا النظرة الطوباوية إلى أرض الميعاد.

وأما أوصاف هذا الأدب, فنستشعرها, إمّا بظهور الروح البكائية والأحزان المفتعلة, وإمّا بالحديث عن المعاناة التاريخية بدءًا من زمن البابليين, انتهاء بالزمن الراهن, وإمّا بانتحال صفة الضحيّة لليهود عبر التاريخ, وإمّا بإشاعة موضوعات شتى موشّاة بالألوان القاتمة كالقلق, والحزن, والنفي, والغربة, والموت, والحرب والعنف, مما يعرض له المؤلف في الفقرة الأخيرة من الكتاب.
من داخل إسرائيل

بعد أن عرض المؤلف لنماذج أدبية روائية وشعرية لعَلمَيْن كبيرين هما جيمس جويس وفرانز كافكا, شاء أن يتوسّع في هذا الجانب فأتى بأمثلة أدبية أوضح لعدد غير يسير من الأعلام اليهود في أوربا والكيان الصهيوني, فنقع على أسماء بعضها معروف وبعضها الآخر لم يأخذ نصيبًا من الشهرة, وقد نيَّف عددُهم على أربعة عشر كاتبًا وشاعرًا.

يخلص المؤلف إلى جملة فوائد وأفكار لا سبيل إلى تغيُّرها في الفكر اليهودي والأدب العبري, ومنها:

- لا بد من الرجوع دائما - لفهم مسار الحركة الأدبية الصهيونية - إلى الأصل الذي قامت عليه آداب الصهيونية وسياساتها: التوراة والتلمود والأفكار الصهيونية.

- إشكالية الثقافة اليهودية الواحدة بسبب اختلاف ثقافات اليهود الوافدين إلى فلسطين من مختلف بقاع العالم.

- تأصل روح العداوة والعنصرية في الذات اليهودية لكل الشعوب من دون استثناء.

- كل الشعوب في العالم محتقرة في النص الأدبي العبري: (فالعرب فرّارون وخونة وجبناء, والألمان برابرة وقساة, والأتراك مرتشون, واليونانيون أذلاّء, والإنجليز متواطئون, والبولنديون ضعفاء, والفرنسيون ماجنون, أما اليهود فهم الجديرون بالتقدير لأنهم معصومون من العيوب والمذمات). ولا ندري لماذا غاب الأمريكيون عن القائمة?

وصفوة القول في هذا الكتاب القيّم, أنه فتح نوافذ للدارسين كانت مغلقة, بيّن لهم فيها حسن حميد, قصورهم الشديد في الاطلاع الوافي على الأدب العبري, وسطحية نقداتهم ودراساتهم لكثير من الأعمال الأدبية الموسومة, في العمق, بالنزعة الصهيونية والتطرف اليهودي, فإذا بهم - أي نقادنا - يُمجِّدون هذه الأعمال ويرون فيها نماذج بديعة تستحق كل التقدير.

وإن كان لنا من مساءلة, فهي: لماذا لم يذكر لنا ناقدًا عربيًا واحدًا هلل ومجَّد لتلك الأعمال?

ثم نسأل ونلح, ألم تكن هناك أعمال أدبية عبرية اخترقت الثوابت, وجنحتْ إلى شيء من الموضوعية والتجرد? طاب قلمك يا حسن, وإلى نتاج أدبي فكري آخر أعمق, وأشمل!!.


حسن حميد
منقول مجلة العربى
.