عرض مشاركة واحدة
قديم 10-14-2010, 10:36 AM
المشاركة 34
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
وعليه فقد كانت مبررات الوقفة التعبوية طبقا لما أبداه اللواء حسن البدرى المؤرخ الرسمى للجيش المصري
مع فريق التأريخ العسكري المكون اللواء طه المجدوب والعميد ضياء الدين زهدى [1] .. هى كالتالى :
أولا :
لم يتوقف العدو لحظة واحدة عن محاولة تصفية رءوس الكباري المصرية وهذا استلزم ضرورة الوقفة التعبوية لإعادة تأمين رءوس الكباري وصد جميع الهجمات المضادة من موقع قوة وتحصين ,
لا سيما إن وضعنا بذهننا أن القوات المصرية تمكنت من ترسيخ مواقعها قبل الوقفة التعبوية التي تم استغلالها في تدعيم موقف القوات وإعادة تنظيمها مما جعلها ترد الهجمات بمنتهى البساطة رغم شراستها , وكبدت العدو خسائر جسيمة في الأفراد والمعدات

ثانيا :
نسي البعض في فورة الحماس لاستمرار الهجوم أن الجيش المصري عبر لتوه مانعا مائيا هو الأقوى في العالم وعبر بإزائه أقوى خط دفاعى تمثل في خط بارليف ثم قاتل في أرض سيناء الوعرة المليئة بالأخاديد والجبال والتى تحتاج مزيدا من جهد التحصين وتعديل مواقف القوات
أى أن الجيش المصري لم يكن بصدد قتال مندفع على أرض منبسطة حتى يمكنه أن يحتفظ بتنظيم قواته كما هو منذ بدء المعركة وحتى مرحلة الوقفة التعبوية , ولا يكون محتاجا للدفاع الثابت بل يندفع مباشرة لإكمال القتال
وبالتالى صار من المحتم تنفيذ الوقفة لإعادة التنظيم وبناء الدفاعات التي تسمح للجيش بالإستعداد لتطوير هجومه واستكمال الإمدادات الإدارية والتموينية
مع ملاحظة أن القوات المصرية كانت تجد الوقت بالكاد لإعادة التنظيم نظرا لشراسة الهجمات المضادة من العدو

ونأتى الآن للرد على مبررات القائلين بتطوير الهجوم من خلال النقاط التالية ,
أولا :
يتم الترجيح بين وجهات النظر العسكرية عن طريق الخبراء الممارسين وقواد الجيوش , وبالنظر إلى الأدلة العلمية التي يستند إليها كل طرف للحكم على وجهات النظر بالصحة والخطأ
وبادئ ذى بدء كانت وجهة النظر القائلة بتطوير الهجوم هى وجهة نظر اللواء الجمسي وحده بين قادة حرب أكتوبر , واللواء الجمسي لا شك أنه الخبير العتيد الذى صاغ مهمة التخطيط على أكمل وجه , لكن هذا لا يعنى العصمة
لا سيما وأن قرار الوقفة التعبوية ورفض تطوير الهجوم مباشرة كان هو الرأى القاطع لوزير الدفاع أحمد إسماعيل ورئيس الأركان الفريق الشاذلى [2] واللواء محمد عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميدانى واللواء سعد مأمون قائد الجيش الثانى , بالإضافة لفريق التأريخ العسكري بقيادة اللواء حسن البدرى
وهؤلاء جميعا ـ لا سيما قائدى الجيش الثانى والثالث ـ أدرى بحقيقة الأوضاع فى الجبهة
بل إن الفريق الشاذلى واللواء سعد مأمون واللواء عبد المنعم واصل ووزير الدفاع كانوا راغبين فى تطويل الوقفة التعبوية عما كان مقررا لها ,
وهو الأمر الذى اتضح عندما رفض اللواء عبد المنعم واصل واللواء سعد مأمون تنفيذ الأوامر بتطوير الهجوم والتى صدرت يوم 12 أكتوبر كى يتم التطوير يوم 13 نظرا لعدم جاهزية الجيوش للتطوير فى ذلك الوقت , [3]
وسافر كل منهما إلى المركز رقم 10 للقيادة لمناقشة الوضع واتضح أن قرار التطوير بذلك التوقيت كان قرارا سياسيا من السادات بهدف تخفيف الضغط على الجبهة السورية ويجب تنفيذه مهما كانت العواقب ولم يستطع قائدا الجيشين أن يوقفا القرار بل حصلوا فقط على تأجيله لمدة أربع وعشرين ساعة ليبدأ فى 14 أكتوبر
وعندما تم تطوير الهجوم قبل استعداد الطيران ووحدت الدفاع الجوى المتنقلة لاقت القوات المصرية خسائر فادحة فى الدبابات لأول مرة منذ قيام الحرب وكان السبب أن الوقفة التعبوية لم تمتد بالقدر الكافي الذى طلبه القادة ,

ثانيا :
استند اللواء الجمسي إلى نظرية تحييد الطيران المعادى عن طريق الإشتباك الفورى الذى سيمنع تمييز الطيران لأهدافه
وهى وجهة نظر تولى الرد عليها الفريق الشاذلى في مذكراته حيث أوضح أن هذا الكلام غير دقيق بالنسبة لأوضاع القوات الفعلية التي كانت تفصلها عن المضايق 20 كيلومترا عارية ستمثل فجوة مع بدء الهجوم الذى سيرصده العدو حتما
وليس متوقعا قطعا أن ينتظر العدو ساكنا حتى وصول المدرعات المصرية إلى مواقعه دون أن يقوم الطيران بواجبه قبل الإشتباك والنتيجة عندئذ ستكون محسومة لصالح الطيران الإسرائيلي حتما بعد خروج القوات المصرية من مظلة الصواريخ
فوجهة نظر اللواء الجمسي كانت ستكون صحيحة لولا فجوة الدفاع الجوى التي كانت ستترك قواتنا في العراء أمام الطيران الإسرائيلي لعشرين كيلومترا قبل أن يصل إلى المدى الكافي للإشتباك بحيث يتم تحييد الطيران

ثالثا :
من أغرب ما صادفته من الكتابات عن حرب أكتوبر في هذا الشأن هو تبنى اللواء جمال حماد والأستاذ هيكل لنظرية تطوير الهجوم مباشرة باعتبار أنه القرار السليم الذى كان يجب تنفيذه يوم 9 أكتوبر
وأن سبب فشل تطوير الهجوم أنه تم في الموعد الخطأ عندما تم تأجيله إلى يوم 14أكتوبر ,
إذ كيف يعترض قادة الجيوش الميدانية على تطوير الهجوم بعد الوقفة وأثناء الإستعداد والتنظيم ولا يعترضون على قرار التطوير إذا جاءهم قبلها بأربعة أيام حيث كان التنظيم منعدما وسط الهجمات المضادة للعدو !
فإذا كانت قواتنا في الشرق لم تتمكن من تدارك التنظيم الكافي للهجوم يوم 14 أكتوبر وكان هذا سبب اعتراض القادة فكيف يكون قرار التطوير صحيحا إذا صدر في 9 أكتوبر ؟!

رابعا :
بنت وجهة نظر القائلين بالتطوير المباشر مبرراتها على ضرورة عدم منح الفرصة للعدو لتنظيم نفسه ,
وهذا القول يمكن استيعابه لو كانت فترة الوقفة التعبوية انتظارا سلبيا ,
بينما كانت الوقفة التعبوية مرحلة اشتعال للمعارك على سائر الخطوط ولم تنقطع فيها الهجمات المضادة أصلا ,
فالقوات المصرية لم تكن ساكنة في تلك الفترة حتى يمكن الحديث عن وقوف سلبي يترك للعدو فترة إصلاح شأنه , فالعدو نفسه كان مكثفا لهجماته مستوعبا لما يواجهه من مقاومة هائلة ,
بالإضافة إلى أن الحديث عن استغلال عنصر المفاجأة حديثا ليس في محله في رابع أيام الحرب !
فالوقفة التعبوية جاءت بعد أن استوعب العدو المفاجأة وانتهى الأمر بل واستوعب خسارة هجماته المضادة وأمكن له ـ بل الوقفة ـ من دفع الإحتياطى اللازم لمواصلة القتال وتعويض خسائره من الإمدادات الأمريكية
كما أن الولايات المتحدة زودت المعدات بقوة بشرية متمثلة في طيارين وقواد مركبات
وكل تلك الظروف تنفي تماما إمكانية وجود فرصة عدم تنظيم لاستغلالها لا سيما وأن المقاومة المصرية كانت تواجه بالفعل قوة رهيبة من الإمدادات بدا معها المصريون كما لو أنهم يحرثون في بحر , وكلما حطموا للعدو دباباته تجددت هذه الأسلحة في نفس الوقت تقريبا !

خامسا :
اعتمد الأستاذ محمد حسنين هيكل في اعتراضه على ما شاهده من السفير السوفياتى وخبيره العسكري من أوضاع القوات يوم 9 أكتوبر
وهو أمر غريب لأن السوفيات كانوا هم أصحاب الحلول المستحيلة قبل الحرب عندما أفتوا بأن خط بارليف يحتاج لقنبلة ذرية تكتيكية لتدميره وأنه لا توجد قوة مناسبة لازاحة الساتر الرملى ,
وهو الأمر الذى أثبت عكسه الجيش المصري بقواده المصريين قلبا وقالبا , ولا شك أن من حطموا النظريات العسكرية السوفياتية أدرى بشئون جبهتهم من السوفيات , وهذا ما أثبته المصريون عمليا ,
أما صور الأقمار الصناعية فقد رد عليها الفريق الشاذلى في تعقيبه على كتاب ( السلاح والسياسة ) لهيكل عندما قال أن صور الأقمار الصناعية يوما بيوم كانت تصل لمركز القيادة الرئيسي ( المركز رقم 10 ) وأن قرارات القتال كان يتخذها القادة وهم يستعينون بأوضاع القوات المبينة في تلك الصور ,
ونفي الشاذلى أن تكون صور الأقمار الصناعية التي طالعها هيكل كانت لأوضاع القوات يوم 9 أكتوبر بل يجزم بأنها كانت صورا للأيام السابقة
وحتى لو كانت الصور التي بنى عليها الخبير السوفياتى وجهة نظره هى فعلا صورة أوضاع القوات يوم 9 أكتوبر ,
فهذا لا يغير من الأمر شيئا
لأن نفس هذه الصور كانت تذهب أولا بأول لقيادة المركز رقم 10 ومع ذلك لم تحفز طاقم القيادة على سرعة تطوير الهجوم
وبالتالى نحن أمام قرارين ,
قرار اتخذه السوفيات بتطوير الهجوم , وقرار آخر اتخذه القادة الميدانيون بالأغلبية الساحقة بعدم التطوير السريع ,
والمقارنة بينهما لا شك أنا لصالح القرار المصري لأنهم هم الذين حققوا ما عجز السوفيات عن حله , بالإضافة إلى أن وقائع الأحداث أثبتت صحة قرار الوقفة التعبوية بلا أدنى شك , وذلك عندما حدث التطوير مبكرا عن الموعد الذى طالب به القواد تسبب ذلك في خسائر الدبابات وفشل التطوير فى محاولته الأولى

سادسا :
أما أخطر ما يتم الرد به في هذا الشأن فهو ما حدث على الجبهة السورية حيث اندفع الجيش السورى بجسارة مذهلة بدبابته ومدرعاته مكتسحا دفاعات العدو أمامه ومحققا لنصر ساحق من أول أيام الحرب
لكن الحماس الزائد للإنطلاق مباشرة والوقوع في إغراء اكتساب الأرض دفعه لقطع الجبهة بطولها مباشرة دون أن يهتم بوجود مظلة الصواريخ
ولهذا فإن الجيش السورى تمكن من تحرير الجولان كلها قبل يوم 9 أكتوبر ,
لكنه دفع ثمن الإندفاع المباشر غاليا عندما استعاد الجيش الإسرائيلي توازنه واستغل أكبر نقطة قوة فيه وهى القوات الجوية وتمكن من رد الهجوم السورى بمثله مع تغطية كاملة من الطيران الرادع ضد القوات السورية التي اندفعت دون حماية الدفاع الجوى ,
فكانت النتيجة أن استعادت إسرائيل هضبة الجولان كاملة واخترقت الأراضي السورية أيضا وهددت العاصمة دمشق حتى تمكن السوريون من دفع الإحتياطى الأخير لديهم مع معاونة من القوات المدرعة العراقية التي انضمت للقتال ومعها لواء مدرعات أردنى بعث به الملك حسين كبديل لعدم فتحه جبهة جديدة من الأردن ,
فإذا تأملنا هذه الوقائع نجد أن القادة المصريين كانوا على حق في التريث الشديد والحذر من الإندفاع وتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة من مواقع محصنة أدت فيما بعد إلى أن تنجح القوات المصرية في المحافظة على مكاسبها الرئيسية وعدم الإنسحاب منها رغم المحاولات المستميتة التي بذلها العدو لدفع المصريين للإنسحاب سواء بالهجوم المركز على الجبهة المصرية بعد تثبيت موقف الجبهة السورية أو بمحاولة الإختراق الفاشلة في ثغرة الدفرسوار والتى لم يقع بسببها الجيش المصري في مأزق سحب قواته أو بعضها من الشرق للغرب كما كانت تأمل إسرائيل
وللفصول بقية مع المرحلة الثالثة للحرب
الهوامش

[1]ـ حرب رمضان ـ حسن البدرى وآخرين ـ مصدر سابق

[2]ـ مذكرات الفريق الشاذلى ـ الطبعة العربية
[3] ـ مذكرات الفريق عبد المنعم واصل ـ دار الشروق ـ مصدر سابق