عرض مشاركة واحدة
قديم 10-14-2010, 10:35 AM
المشاركة 33
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الوقفة التعبوية ..


نأتى الآن لأول نقاط الخلاف التي تفجرت حول أكتوبر وهى خطوة الوقفة التعبوية التي اتخذها الجيش المصري بعد إتمام الهدف الإستراتيجى الأول للمعركة المتمثل في تحطيم خط بارليف وإنشاء رءوس كباري على القناة وتعميقها في إتجاه سيناء ثم اتخاذ السبل لتوسيعها وتوحيدها وهو ما تم بالفعل وفق الخطة إلى حد مدهش
وبدا كما لو كان الأمر يسري في القتال وفق ما نريده نحن على طول الخط ,

وكانت الخطة تقتضي أن يتم تعزيز القدرات المصرية بعد عبور الجيشين الثانى والثالث وتوحيد الكباري ثم التصدى للهجمات المضادة وإفشالها ,
ويأتى بعد ذلك ـ وفق الخطة بدر ـ تطوير الهجوم نحو المضايق بعد وقفة تعبوية تستكمل معها القوات المصرية تنظيمها والرد على سائر الهجمات المضادة للعدو من موضع قوة وتحت مظلة حائط الصواريخ المصري الشهير ,
واستكمال عبور وحدات الدفاع الجوى المتنقلة لتعمل على حماية قوات التطوير
ولأن المرحلة الثانية من الخطة كانت تقتضي الوصول للمضايق وبالتالى الخروج من نطاق حماية حائط الصواريخ بكل ما يعنيه هذا من تعرض مكثف لهجمات العدو الجوية المتطورة ,
فإن الوقفة التعبوية كانت لازمة لزوما قاطعا حتى تستكمل الفرق تجهيزاتها اللازمة للهجوم وأهم نقطة فيه والتى تتمثل في كتائب الصواريخ المضادة للطائرات المتحركة والمحمولة والتى ستحل بديلا عن حائط الصواريخ ,
بالإضافة إلى جهد القوات الجوية المصرية التي سيكون دورها معاونا لمضادات الطائرات على الأرض ,

وتتمثل نقطة الخلاف التي أشرنا إليها في وجهة النظر التي قالت بأن الوقفة التعبوية لم يكن لها داع من الأصل , كما أنها طالت عن المدة المرسومة ( من 10 إلى 13 أكتوبر ـ ثلاثة أيام )
وأن استثمار هذا النجاح المذهل للجيش المصري في سيناء كان يتمثل في الإسراع بتطوير الهجوم يوم 9 أكتوبر حتى لا نعطى فرصة المبادأة والتقاط الأنفاس للعدو ونستغل حالة الإرتباك القائمة بعد فشل جميع هجماته المضادة ,
وقد أثيرت هذه النقطة بعد الحرب وأحدثت جدلا واسعا بين مختلف الأوساط العسكرية والسياسية وفتحها لأول مرة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في مقالاته في الأهرام وتولى الرد الوافي عليها المشير أحمد إسماعيل في حديثه مع هيكل بجريدة الأهرام بعد الحرب

إلا أنه رغم الردود الوافية للمشير أحمد إسماعيل إلا أن هيكل أعاد التعرض لتلك النقطة في كتابه ( السلاح والسياسة ) وهو الجزء الرابع من مجموعة حرب الثلاثين سنة والذي خصصه لحرب أكتوبر ,
وقد اعتمد في كتابه على صاحب الرأى الرئيسي في خطأ طول الوقفة التعبوية وهو اللواء محمد عبد الغنى الجمسي الذى كان رئيسا لهيئة العمليات في حرب أكتوبر ثم تولى وزارة الدفاع فيما بعد
حيث قام المشير الجمسي ـ رحمه الله ـ بكتابة مذكراته بعنوان ( يوميات حرب أكتوبر ) وذكر فيها وجهة نظره المعارضة لطول الفترة التعبوية حيث أنه فاتح المشير أحمد إسماعيل ـ رحمه الله ـ أثناء العمليات وطلب منه استغلال النجاح لتطوير الهجوم وشرح مبرراته لذلك [1]
والتى ملخصها أن تطوير الهجوم ضرورى لعدم منح الفرصة للعدو تجهيز نفسه ,
وفى الرد على مبررات المشير أحمد إسماعيل بالخوف من تأثير الطيران الإسرائيلي على قواتنا لو تسرعنا بتطوير الهجوم والخروج من مظلة الصواريخ دون وقفة تعبوية توفر الإستعداد التام للتطوير قبل تنفيذه
رد الجمسي بأن فاعلية الطيران الإسرائيلي يمكن شلها إذا حدث الإشتباك المباشر بين قواتنا وقوات العدو حيث أن هذا الإشتباك فى أى معركة يجعل استخدام الطيران من أى طرف أمرا مستحيلا لأن الطرفان المتشابكان سيقعان تحت نفس التأثير

وأضاف هيكل إلى مبررات الجمسي مبررات أخرى من مصادره الشخصية وكانت تحفز تطوير الهجوم مباشرة دون توقف وهذه المبررات تمثلت فى وجهة نظر القيادة السوفياتية لمصر أثناء الحرب حيث أن السفير السوفيتى فى مصر فلاديمير فينوجرادوف التقي بمحمد حسنين هيكل فى السفارة السوفيتية وبرفقته أحد جنرالات السفارة من العاملين بها وأطلعه على خرائط وصور الأقمار الصناعية التى تشرح أوضاع الجبهة وتبين فى وضوح مدهش كل مواقع القوات المصرية والإسرائيلية ومن عرض الصور شرح الخبير السوفيتى أهمية أن يقوم المصريون بتطوير الهجوم لاستغلال حالة الإرتباك الإسرائيلي المستمرة منذ بدء الحرب ,
وعدم منحهم الفرصة ليمتصوا الصدمة ويستعدوا بإعادة التنظيم والتسليح لا سيما وأن الجسر الجوى والبحرى الأمريكى صدر به القرار فى 10 أكتوبر وبدأ التنفيذ الفعلى ,

هذه مجمل الإعتراضات التى أثيرت وهى كما نرى جاءت بصفة أساسية من محمد حسنين هيكل والمشير الجمسي ونقلها مؤيدا لها أيضا اللواء جمال حماد المؤرخ العسكري والذى تبنى وجهة نظر المشير الجمسي فى كتابه ( حرب أكتوبر ـ المعارك على الجبهة المصرية ) واكتفي بمبررات الجمسي دون إضافة ,

ورغم وجاهة هذه الإعتراضات إلا أنها جميعا مردود عليها ,
ونبدأ قبل الرد فى تعريف هوية الوقفة التعبوية ,
فالوقفة التعبوية ليس معناها وقف القتال وليس معناها فترة سكون ـ كما يوحى مسماها ـ بل الوقفة التعبوية تعنى الوقوف عند الخط الذى وصلته القوات المصرية ويبلغ أقصي حد لمدى حائط الصواريخ لتعمل القوات العابرة على تدعيم موقفها من الثبات وتوحيد الجسور وتأمينها ثم القيام بأخطر مهمة وهى صد الهجمات المضادة للعدو من موقف قوة ,
فليس إذا هناك أى وقف للقتال أو النشاط بل على العكس كانت أيام الوقفة التعبوية جميعا من أشرس أيام القتال فى الحرب وتم فيها الهجوم المضاد الثانى على القوات المصرية والذى فشل فشلا ذريعا كما سبق الشرح
بل وبلغت شراسة الهجوم من العدو فى تلك الفترة حدا كبيرا حيث قامت تشكيلات العدو بإعادة الهجوم ضد رءوس الكباري فى محاولة لبث الفوضي بين القوات العابرة , وفشل العدو فشلا ذريعا في ذلك
وتوالى ـ خلال أيام الوقفة ـ هجوم العدو الجوى فى طلعات غزيرة بقصف مستمر وقام بعدة محاولات لتدمير المطارات المصرية على مراحل بعد فشل طريقة الهجوم المركز فى ضربة واحدة على غرار حرب يونيو 67 ,
وبلغت إجمالى طلعات العدو فى الوقفة التعبوية حوالى 1050 طلعة جوية تمكنت قواتنا ـ بفضل الوقفة ـ من إسقاط 41 طائرة نظرا لوجود قواتنا تحت مظلة حائط الصواريخ
فهل يمكن بعد هذا القول بأن الوقفة التعبوية كانت تعنى توقفا سلبيا؟!



الهوامش :
[1]ـ يوميات حرب أكتوبر ـ المشير عبد الغنى الجمسي ـ الهيئة العامة للكتاب