عرض مشاركة واحدة
قديم 10-14-2010, 10:35 AM
المشاركة 32
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
ويضاف لهذا أن إسرائيل تدرك أكثر من غيرها أن الظروف السياسية فى العالم وتوازن القوى فى مرحلة السبعينات يميل لصالحها على طول الخط لعدة أسباب ,
منها أن الولايات المتحدة تضمن لإسرائيل حق البقاء وهو ما يقرها عليه الإتحاد السوفياتى ,
بمعنى أنه حتى لو تم تدمير الجيش الإسرائيلي عن بكرة أبيه فالقوات الأمريكية ستتدخل مباشرة بقواتها لحماية الوجود الإسرائيلي ,
بل إن الأسطول الأمريكى السادس في البحر المتوسط تدخل فعلا في حرب يونيو 67 لحماية العمق الإسرائيلي بعد أن غادرت
الطائرات الإسرائيلية جميعا قواعدها في طريقها لتنفيذ الضربة الجوية الأولى ضد المطارات المصرية ,
وخوفا من أن تنجو بعض المقاتلات المصرية وتتمكن من الوصول إلى المجال الجوى الإسرائيلي وتهديد العمق فيه في ظل غياب كامل للطيران الإسرائيلي ,
قام الأسطول السادس بمهمة التأمين لتدمير أى محاولة مصرية لضرب العمق
كما أن الولايات المتحدة لم تكتف بذلك وبالمدد الذى لا ينفذ للمعدات , بل شاركت بعض قواتها فعليا في حرب يونيو عندما توجهت بعض أسراب طائرات الرقابة لتأمين تنفيذ الضربة الجوية ,

وعندما تفاقم الوضع الإسرائيلي بسيناء في حرب أكتوبر أمدت الولايات المتحدة إسرائيل طائرات الفانتوم بطياريها !
وشاركوا فعلا في الحرب وسمحت لهم الولايات المتحدة بذلك بلعبة قانونية بسيطة حيث أن الولايات المتحدة أباحت لمواطنيها ـ حتى العسكريين منهم ـ الإحتفاظ بالجنسية الأمريكية إلى جانب الإسرائيلية وبهذه الصفة تستطيع إسرائيل استدعاء هؤلاء الطيارين للخدمة العسكرية عند الحاجة !

ومن أسباب ميل ميزان القوى الدولية لصالح إسرائيل في تلك الفترة ,
أن ميزان القوى الدولية كان فى صالح الولايات المتحدة بعد أن تولى برينجنيف قيادة الإتحاد السوفياتى قيادة خاملة تعتمد على التراجع المستمر أمام الضغوط والتهديد الأمريكى , ويطلقون على فترة برينجنيف في الإتحاد السوفياتى اسم ( الركود العظيم ) بعد أن ظل برينجنيف يموت ويعانى لمدة عشرين عاما !
هذا فضلا على أن الظروف فى الولايات المتحدة كانت فى أرقي حالاتها بالنسبة لإسرائيل لأن المتحكم فى السياسة الخارجية الأمريكية فى ذلك الوقت كان وزير الخارجية اليهودى هنرى كيسنجر أكبر الموالين لإسرائيل فى الولايات المتحدة على الإطلاق , وكان هنرى كيسنجر وقت حرب أكتوبر بالذات يمتلك خطوط الرياسة الأمريكية بعد أن بدأت بوادر فضيحة ( ووتر جيت ) تهز عرش رتشارد نيكسون مما دفع هذا الأخير لإعطاء هنرى كيسنجر كارتا أخضر بالتصرف فى أزمة الشرق الأوسط بما يضمن له دعم اليهود ومعاونتهم فى أزمته

وهذا هو السبب الحقيقي للجسر الجوى المذهل الذى أقامته الولايات المتحدة لإسرائيل أثناء الحرب ولم تكتف بتعويض خسائرها فحسب بل أضافت إلي مخازنها ما أعاد تسليحها بالكامل فضلا على أن مخازن السلاح الأمريكي تم فتحها بأوامر كيسنجر بكامل معداتها حتى تلك التى لم تدخل الخدمة بعد كأسلحة متقدمة ولم يستثن من الأسلحة التى من حق إسرائيل طلبها إلا أسلحة الليزر فقط !
فدعمت الولايات المتحدة إسرائيل بأسراب هائلة من المدرعات الحديثة والطيران الرادع والقنابل التليفزيونية والهيليوكوبتر حاملة الصواريخ المضادة للدبابات وكل هذا بكميات أثارت ثائرة وزارة الدفاع الأمريكية وقتها وحاولت الإعتراض إلا أن نفوذ هنرى كيسنجر أخرس الأصوات المناهضة حتى اهتز الإحتياطى الأمريكى من السلاح !
ولم يكتف كيسنجر بهذا ..
بل زود إسرائيل بالطائرات الأمريكية المتقدمة فانتوم إف 16 ومعها طياروها فى مبادرة ما كانت لتحدث أبدا لو أن الإتحاد السوفياتى كان فى عنفوانه حيث أنه تدخل أمريكى مباشر فى الحرب ,
وهذا مخالف للإتفاقيات المتبادلة بين القوتين العظميين بعدم التدخل المباشر في المعارك الإقليمية التي تناصرها القوى العظمى تفاديا لأى مواجهة نووية بينهما , ورغم ذلك سكت الإتحاد السوفياتى

فكيف بعد هذا كله ينتاب جنرالات إسرائيل وقادتها مثل هذا الشعور المدمر بقرب الإنهيار التام ؟!
وما الذى كان يمكن أن يحدث لو أن الولايات المتحدة اكتفت بإمداد إسرائيل بالسلاح فحسب وبنفس النوعية التى يمد بها الإتحاد السوفياتى لمصر , وهى نوعية ـ رغم تقدمها ـ إلا أنها تعتبر أسلحة متقدمة بالنسبة للدول الصغري وليس فى مواجهة أعتى الأسلحة الأمريكية التى استخدمت إسرائيل بعضها قبل قوات الجيش الأمريكى نفسه !
هذا فضلا على أن مصر خاضت الحرب دون طائرة ردع سوفيتية بعد أن رفض الإتحاد السوفياتى تزويد مصر بها لتمتلك قدرة الرد بضرب العمق الإسرائيلي على النحو الذى اتبعته إسرائيل معنا بطائرات الردع فائقة القوة فانتوم وسكاى هوك

بلا شك أن السبب الحقيقي فى الإنهيار يقبع خلف العامل السحرى الذى لم يأخذ حقه فى الإيضاح بحرب أكتوبر وهو عامل الإيمان التام الذى تمتع به الجندى العربي فى قتاله ودفعه للظهور بهذا الشكل الأسطورى الذى أفقد قادة العدو أعصابهم ودفعهم لتخيل ما هو فوق مخططات القوات المصرية وفوق إمكانياتها التسليحية بمراحل
فالأداء على طول مراحل القتال كان يحقق معادلة لا تختل أبدا ,
هجوم مصري يتمتع بجسارة مذهلة ولا يتراجع مهما كانت الظروف ويفضل الموت فى موقعه على التراجع , فى مواجهة قوات إسرائيلية أصابتها لوثة الخوف من الهتاف المدمر ( الله أكبر ) والأداء الخرافي للجنود المصريين ,
بخلاف التخطيط الشديد الحبكة والذى زاد أثره بالحنكة والبراعة التى أبداها القادة الميدانيون للجيش المصري لمواجهة المواقف الصعبة , وهى الحنكة التى ظهرت أشد ما ظهرت فى أصعب مراحل الحرب عند تطوير الهجوم ومواجهة الإمدادات التى تدفقت على القوات الإسرائيلية لتعود قوتها العسكرية إلى ما قبل الحرب وتتفوق عليه أيضا فى نوعية السلاح

وهذه المزاوجة بين عبقرية الأداء والجسارة المدهشة والتلفح بدروع نداء التكبير ليس غريبا على الجيوش الإسلامية ولا على عقيدتها المبنية على مبدأ أبي بكر الصديق رضي الله عنه ( احرص على الموت توهب لك الحياة )
ومبدأ خالد بن الوليد الذى خاطب به قائد الروم قائلا ( والله لأبعثن إليك أقواما يحبون الموت .. كما تحبون الحياة )
فهؤلاء لم يكن فى أيديهم إلا السيوف والرماح فى مواجهة مدرعات العصور القديمة المتمثلة فى الفيلة والأزياء العسكرية المصفحة والدروع المعدنية المرعبة فضلا على الأعداد المليونية التى لا تنتهى ,
ومع ذلك سقط الروم فى اليرموك ومصر وسقط الفرس فى القادسية ونهاوند وانهارت مئات الألوف أمام بضعة آلاف لم يكن لهم بضاعة إلا الإيمان والإصرار
وهى ذات البضاعة التى يمكنها تفسير ألغاز أكتوبر بعد أن حارت العقليات البشرية فى تصور إمكانية حدوثها , ومن المستحيل تفسيرها بالمقاييس البشرية لأنها شيئ فوق طبيعة البشر