عرض مشاركة واحدة
قديم 10-14-2010, 10:34 AM
المشاركة 30
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
وفى ظل هذه الظروف النفسية السيئة التى مر بها موشي ديان عقد مؤتمرا صحفيا مصغرا مع رؤساء تحرير كبريات الصحف الذين هالهم ما وجدوه على ملامح قائدهم واستنتجوا سوء الأوضاع على الجبهات لكن لم يتوقع أحدهم أبدا مدى التردى فى أوضاع القوات الإسرائيلية بتفاصيله الحقيقية والتى شرحها لهم ديان بالتفصيل وقال[1] :
( إن قواتنا تنتشر فى سيناء انتشارا دفاعيا وتم إخلاء خط بارليف بنظام وبدون نظام أحيانا ولم يعد هناك خط أصلا ليلعب دورا فقد انقطعت اتصالاتنا به تماما وتخلينا عنه وتركناه لمصيره ,
وهذا يكشف للعالم بأسره عدة حقائق , أولها أننا لسنا بأقوى من المصريين والثانية أننا لم نستطع رد المصريين على أعقابهم وإن لم ننجح فى ذلك فسيواصلون حشد قواتهم ودباباتهم وتدعيم مواقعهم
والسؤال الهام الآن الذى ينبغي لنا أن نسأله هو وماذا بعد هذا ؟!
لو شن المصريون هجوما من مواقعهم فسيكون علينا أن تكون خطوطنا أقل مسافة وأكثر ملائمة وهذه الخطوط يجب أن تكون فى السلاسل الجبلية التى لا يستطيعون النفاذ منها
ونظرا لأن الطريق مفتوح أمام المصريين إلى الجنوب حيث أبو رديس وشرم الشيخ , وماذا لو حاولوا الإتجاه جنوبا ؟ هل سنستطيع أن نوقفهم ؟
إننا لا نستطيع أن نوقفهم اعتمادا على الطيران وحده وحتى إذا قمنا بإنشاء خطوط دفاعية جديدة فإننى أشك أنه باستطاعتنا التمسك بهذه الخطوط )

وأصيب الصحفيون بالذهول وهم لا يتخيلون ما أوضحه موشي ديان والذى ملأ الدنيا صراخا وضجيجا أن حرب يونيو أقعدت المصريين عن الحركة وأن خط بارليف هو المقبرة التى تنتظر قواتهم إذا حاولت العبور !
وتذكروا تصريحه قبيل الحرب بأيام من أن المصريين يحتاجون سلاح المهندسين فى القوات السوفيتية والأمريكية معا ليتمكنوا من عبور القناة وتحطيم خط بارليف !!
فكيف نجح المصريون بمشاتهم فى تدمير الخط واحتلاله فى ست ساعات فحسب ؟! وأين دفاعات الخط التى تكلفت الملايين وأين الدعم الدفاعى والحصون التى تكلفت نصف مليار دولار لحماية خط القناة ؟!
وزادت الصدمة عندما علموا أن وزير دفاعهم ينوى عرض هذا الكلام أمام الشعب فى التاسعة مساء بحديث تليفزيونى
وقال جرشوم شاكن رئيس تحرير جريدة ها آرتس لديان :
( هل تنوى عرض هذا الكلام , إنك إن قلت هذا الكلام على شاشة التليفزيون فهذا معناه حدوث زلزال فى إسرائيل ولليهود والعرب خارج إسرائيل )

وعقب لقاء ديان بالصحفيين تلقت جولدا مائير تقريرا عما حدث فى المؤتمر الصحفي مشفوعا بطلب من رؤساء التحرير بتفضيل سكوت وزير الدفاع وامتناعه عن الكلام فى التفاصيل
وعلى الفور منعت جولدا مائير وزير دفاعها من التوجه للتليفزيون واستدعت الجنرال أهارون ياريف الذى تم استدعاؤه من التقاعد وتكليفه بمهمة الإعلام العسكري وأمرته أن يوجه بيانا للشعب بصورة عامة دون تفصيل
فذهب أهارون ياريف ولم يزد على قوله :
( إن الجيش الإسرائيلي فى وضع صعب والحرب من شأنها أن تطول ــ وهذه نقطة المقتل لإسرائيل التى لا تحتمل التعبئة العامة لأكثر من أسبوعين ـ وقد اضطر الجيش الإسرائيلي إلى الإنسحاب للخطوط الخلفية ورغم ذلك فلا ينبغي أن نفكر بمفاهيم الخطر بالنسبة لبقاء شعب إسرائيل )

والمتأمل فى كلمات أهارون ياريف يصل لعدة حقائق تحتاج وقفة ,
فرغم اللهجة المخففة التى لم تتعرض للتفاصيل الحقيقية والتى تحمل مآسي مروعة للجيش الإسرائيلي بعد الهزائم المتتابعة وقعود يد الطيران عن أى إضافة للحرب , إلا أن كلمته كانت أشبه بالزلزال المدوى فى تل أبيب بعد أن خدعتهم القيادة العسكرية والسياسية طيلة الفترة من 6 إلى 8 أكتوبر وأوهمهم ديان والجنرال دافيد إليعازر بأنهم سيحولون منطقة سيناء والجولان لمقابر للجيشين المصري والسورى !
فلما انكشف الأمر فى يوم 10 أكتوبر وأدرك شعب إسرائيل الخدعة الإعلامية التى تم تخديره بها واكتشف لأول مرة أن الجيش الإسرائيلي انهار على نفسه من أول ست ساعات فى الحرب وأن خط بارليف لم يعد له وجود وأن الطيران الإسرائيلي تآكل بفعل حائط الصواريخ المصري وقوة المدرعات الإسرائيلية ذهبت أدراج الرياح ومعها قائدها الفذ الجنرال إبراهام ماندلر ,
هنا وقعت إسرائيل فى نفس الموقف الذى وقعت فيه مصر فى الفترة ما بين 5 , 9 يونيو ,
وهنا نستعيد ما تحدثنا عنه سابقا عن روعة حرب أكتوبر وأنها فيما يشبه المعجزة ردت سائر ديونها بلا استثناء وزادت عليها , رغم الفارق الضخم بين جيش مصر فى حرب يونيو وبين جيش إسرائيل فى حرب أكتوبر ,
وكما قضت الجماهير المصرية أربعة أيام وهى تتوهم النصر على إسرائيل بفعل خديعة الإعلام , قضت إسرائيل أربعة أيام وهى مغيبة عن الواقع , وعندما استعادت الوعى اكتشفت أن جنرالاتها يتحدثون عن معادلة بقاء الشعب الإسرائيلي نفسه من عدمه
وهى النقطة الفارقة فى حديث أهارون ياريف ,
فياريف يعترف بالهزيمة صراحة ولكنه يطمئن شعبه أن بقاءه ليس فيه ما يدعو للخطر !!
ولأول مرة فى تاريخها تواجه إسرائيل حقائق الواقع بعد أن أسكرتها مؤامرة يونيو 1967 م , وظنت بنفسها القدرة الأسطورية التى تمكنت فعلا من دحر قوات ثلاث دول عربية !
وهو ما عبرت عنه تلقائيا جولدا مائير في تعليقها :
( إن هذه الحرب هى الحرب الحقيقية الثانية بعد حرب 1948 م ) [2]
وهذا اعتراف خطير من جولدا مائير يعنى أن قادة إسرائيل فى تلك الفترة كانوا يعلمون تماما بحقيقة حرب يونيو وقد استغلوا جهل العامة ليروجوا لتلك الأساطير حول الجيش الذى لا يقهر
فإذا بحقيقة هذه الحرب تنكشف أمام عيونهم دون الحاجة إلى أية مستندات , فالجيش المصري لم يحارب فى حرب يونيو أصلا ووقع فى يد قيادة عسكرية جاهلة وقيادة سياسية غافلة ليصدر له الأمر بالإنسحاب دون طلقة واحدة ,
وعندما حانت لحظة المواجهة الحقيقية فى حرب عادلة انهار الرداء الأسطورى على الفور وظهرت حقيقة الجيش الإسرائيلي ,


الهوامش :
[1]ـ المصدر السابق
[2]ـ كشف هذه الحقائق ظهور ست وثائق إسرائيلية جديدة قامت بنشرها جريدة يديعوت أحرونوت فى ذكرى أكتوبر هذا العام 2010 م ونقلت وكالات الأنباء محتوى الوثائق وهى محاضر إجتماعات مجلس الوزراء الإسرائيلي السرية أثناء احرب