مدخل أولي :
ما الذي أفرزظاهرة التسول في مجتمعاتنا؟
1- عدم العدالة في توزيع الثروة فبينما هناك من ينعم بالثراء الفاحش و ينفق بلا حساب هناك شريحة تعيش تحت خط الفقر و هذا الفقر يدفعهم لا متهان المهن الهامشية مثل مسح الاحذية و بيع اليانصيب و السجائر و ...و الخ
و هناك من يمتهن البغاء و هذه مصيبة أعظم وهناك من يختار أهون الشرين بالتسول
2- عدم الالتزام بتطبيق فروض الشريعة فلو أدى الاغنياء زكاة أموالهم لم يبق هناك من يحتاج أن يمد يده ،( في عهد عمر بن عبد العزيز فاضت أموال الزكاة حتى لم يبق هناك فقير في الدولةالاسلامية )
3- لا يوجد وعي و لاتنمية لثقافة الاعتزاز بالنفس فالتسول هو امتهان للكرامة و لكن أصلا لا يعرف من يتسول ما معنى هذه الكرامة لان أحدا لم يغرسها فيه أصلا و بالتالي لا يصعب عليه مد يده و استعطاف الناس
4- ثقافة الجهد و المقابل المادي الذي يتناسب معه أيضا ليست موجودة و مع انفتاح السوق بهذا الشكل الكبير والمرعب و زيادة الاستهلاك لا يجد هذا الانسان سوى أن يستجدي الناس لكي يشبع رغبته بامتلاك كل شيء
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
( أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال أما في بيتك شيء قال بلى جلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء قال ائتني بهما قال فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال من يشتري هذين قال رجل أنا آخذهما بدرهم قال من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا قال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع )
يقول المثل الصيني : إذا أعطيت جائعا سمكة فقد أطعمته اليوم أما إذا علمته كيف يصطاد فقد أطعمته كل يوم
لنناقش الآن
التسول ظاهرة متفشية في مجتمعاتنا و ليس من المناسب أن ندفن رؤوسنا في الرمال النعامة و ننكر وجودها و لكن ما هي أسبابها؟
هناك عدة أسباب أولها الفقر الناشىء عن البطالة و أقصد بالبطالة حقيقية كانت أم مقنعة فالبطالة المقنعة تمتلك أشكالا كثيرة منها الموظف غير المناسب في المكان الغير مناسب
منها الذين يعملون بأعمال لا تقدم فائدة لمجتمع كماسحي الأحذية و بائعي اليانصيب هؤلاء يزاولون عملا و لكنه في حقيقة الأمر ليس عملا، فلو كان العمل مؤمنا للجميع وفق مبدأ تكافؤ الفرص لما رأيت هذه الظاهرة
هناك سبب آخر للتسول و هو الثقافة التي ربت الحكومات العربية شعوبها وفقا لها و هي انعدام الكرامة حيث أن الحكومات العربية تمعن في إهانة مواطنيها في كل الأماكن بدءا من الوقوف في طابور لانهاء المعاملات الرسمية و استغلال بعض الموظفين هذا لابداء نزعاتهم السيكوباتية المريضة بإيذاء هؤلاء الواقفين بالانتظار و الانتهار.. و انتهاء بتكميم الأفواه و العيش في ظلال بوليسية
من أين سيشعر المواطن بكرامته ؟ لذلك عندما يجد دخلا يدره التسول أكبر من الدخل الذي يأتي به أي عمل آخر يرضى بالتسول لأن كرامته سواء بالتسول أو بدونه مهدورة
وسائل الاعلام أيضا أفرزت ثقافة الربح السريع دون عمل بالمسابقات التي تجرى حيث يكون المقابل لسؤال تافه جدا مبلغ كبير من المال مما يجعل الفرد يفكر في طرق لجني المال دون تعب و التسول احد هذه الطرق
أشكال التسول كثيرة
منها ذاك الذي استحدث عاهة في جسده و تلك التي تحمل رضيعا وغيرهم يقفون عند أبواب المساجد في الجمع و الكنائس في الآحاد و المبرات و الجمعيات الخيرية يمدون كفا يستعطفون المصلين و المارين
منها أيضا ذاك الذي ترسله شركة لتسويق منتج ما كمندوب مبيعات و ينتهي به الامر إلى التوسل و طلب أن تشتري منه ما معه لأنه لن يقبض راتبه إذا لم يبع شيئا
منها أيضا تلك الظاهرة المنتشرة على الفضائيات العارية حيث تقف فتاة في كامل زينتها تتراقص و تطلب من المشاهدين الاتصال على الرقم كذا و كذا كي يجيبوا على سؤال تافه جدا ليربح الفائز 12 الف دولار و يربح الخاسر رؤية الحسناء
هذا نوع من التسول و يشبه كثيرا سوق النخاسة
اما عن الحلول لمنع ظاهرة التسول فهي بسيطة جدا و يقع على عاتق الحكومات جزءها الأكبر
تأمين عمل شريف لكل المواطنين بأجور تتناسب مع غلاء المعيشة و حالة السوق و يكفل لهم حياة كريمة
و ثانيا :تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص حيث لا تجد عمالا ينتظرون متعهدي البناء على الأرصفة لكي يجدوا عملا يومياو معظمهم خريجين جامعيين
تربية ثقافة الكرامة مرة أخرى في نفس المواطن العربي حيث تكون أغلى لديه من ذهب الارض و هذا عبر وسائل الاعلام و التربية و المدرسة
عودة الرقابة على وسائل الاعلام فيما تقدمه من ثقافة هدامة لمجتمع خير أمة أخرجت للناس