عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
12042
 
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي


رقية صالح is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
2,577

+التقييم
0.50

تاريخ التسجيل
Mar 2010

الاقامة

رقم العضوية
8808
10-12-2010, 09:51 PM
المشاركة 1
10-12-2010, 09:51 PM
المشاركة 1
افتراضي كتاب أخبار أبي تمام

نبذة عن الكتاب:

كتاب في أخبار أبي تمام ألفه الصولي كحلقة في سلسلة أصدرها في أخبار الشعراء خصّ كل واحد منهم بكتاب مفرد
كالسيد الحميري والعباس بن الأحنف، وسديف، والفرزدق-ق)، إضافة إلى قيامه بجمع وترتيب(14) ديواناً لكبار شعراء العصر العباسي.

أما كتاب(أخبار أبي تمام فقد ألفه للأمير أبي الليث المزاحم بن فاتك، وفي مقدمته قوله: (ثم أرتني عين الرأي بقية من نفسك لم يطلعها لي لسانك، إما كراهيةً منك لتعبي، أو إشفاقاً من الزيادة في شغلي مع ما يتقاسمني من جور الزمان وجفاء السلطان وتغير الإخوان).

طبع الكتاب لأول مرة في القاهرة(1936)م بعناية طائفة من المحققين، وباعتماد نسخة مكتبة الفاتح بالأستانة، وهي المخطوطة الوحيدة التي وصلتنا لهذا الكتاب، جاء فيها عنوان الكتاب على النحو التالي:

(رسالة أبي بكر الصولي إلى أبي الليث مزاحم بن فاتك في أخبار أبي تمام، وانظر ما كتبه د. عمر الطالب في مجلة آداب الرافدين: المجلد/23/ ص/91/
بعنوان: علاقة المقدمة بالمتن في كتاب أخبار أبي تمام للصولي).


الصولي: (335 هـ - 946 م)
محمد بن يحيى بن عبد الله، أبو بكر الصولي الشطرنجي، نديم، من أكابر علماء الأدب، نادم ثلاثة من خلفاء بني العباس، هم: الراضي والمكتفي والمقتدر، وله تصانيف ورسائل في الشعر والأدب والتاريخ، وكان من أحسن الناس لعباً بالشطرنج، نسبته إلى جده(صولي تكين) توفي في البصرة مستتراً.

من مؤلفاته: (الأوراق-خ) في أخبار آل العباس وأشعارهم، طبع منه(أشعار أولاد الخلفاء) وأخبار الراضي والمتقي) و(أخبار الشعراء المحدثين)، وله(أدب الكتاب-ط)، و(أخبار القرامطة) و(الغرر) و(أخبار ابن هرمة، و(أخبار ابراهيم بن المهدي-خ) و(أخبار الحلاج-خ) و(الوزراء)، و(أخبار أبي تمام-ط) و(شرح ديوان أبي تمام-خ) (الجزء الثالث منه) و(وقعة الجمل-خ) رسالة صغيرة- و(أخبار أبي عمرو بن العلاء).


رسالة الصولي إلى مزاحم بن فاتك ما جاء في تفضيل أبي تمام وهو نسبه: حبيب بن أوس الطائي صليبةً، ومولده بقرية يقال لها جاسم، سيمر ذكرها في أخباره إن شاء الله.

فضله
حدثني محمد بن يزيد بن عبد الأكبر النحوي. قال: قدم عمارة بن عقيلٍ بغداد، فاجتمع الناس إليه، وكتبوا شعره، وسمعوا منه، وعرضوا عليه الأشعار، فقال له بعضهم: هاهنا شاعر يزعم قوم أنه أشعر الناس طراً، ويزعم غيرهم ضد ذلك، فقال: أنشدوني له، فأنشدوه:

غَدتْ تستجيرُ الدمعَ خوفَ نوىَ غدِ ... وعادَ قتاداً عندَهَا كلُّ مَرْقَدِ

وأنْقَذَهَا مِنْ غَمْرَةِ الموتِ أَنَّهُ ... صُدُودُ فِراقٍ لا صُدُودُ تَعَمُّدِ

فأَجْرَى لها الإِشْفَاقُ دَمْعاً مُورَّداً ... من الدَّمِ يَجْرِي فَوْقَ خَدٍّ مُوَرَّدِ

هيَ البدْرُ يُغنِيهاَ تَوَدُّدُ وَجْهِهاَ ... إلى كُلِّ من لاقَتْ وَإِنْ لم تَوَدَّدِ

ثم قطع المنشد، فقال عمارة: زدنا من هذا، فوصل وقال:

ولكنني لم أحْوِ وَفْراً مُجَمَّعاً ... ففُزْتُ بِه إلاَّ بشَمْلٍ مُبَدَّدِ

ولم تُعطِني الأيَّامُ نوماً مُسَكَّناً ... أَلَذُّ به بنَوْمٍ مُشَرَّدِ

فقال عمارة: لله دره، لقد تقدم صاحبكم في هذا المعنى جميع من سبقه على كثرة القول فيه، حتى لحبب الاغتراب،
هيه! فأنشده:

وطولُ مُقامِ المرءِ في الحَيِّ مُخْلِقٌ ... لديباجَتَيْهِ فاغْتَرِبْ تَتَجدَّدِ

فإنِّي رَأيتُ الشَّمسَ زيِدَتْ مَحَبَّةً ... إلَى النَّاسِ إذْ لَيْسَتْ عليهم بِسَرْمَدِ

فقال عمارة: كَمُل والله، إن كان الشعر بجودة اللفظ، وحسن المعاني، واطراد المراد، واستواء الكلام، فصاحبكم هذا أشعر الناس، وإن كان بغيره فلا أدري!.

حدثني محمد بن موسى قال: سمعت علي بن الجهم ذكر دعبلاً فكفره ولعنه، وطعن على أشياء من شعره، وقال: كان يكذب على أبي تمام، ويضع عليه الأخبار، ووالله ما كان إليه ولا مقارباً له، وأخذ في وصف أبي تمام، فقال له رجل: والله لو كان أبو تمامٍ أخاك ما زاد على مدحك له، فقال: إلا يكن أخاً بالنسب، فإنه أخٌ بالأدب والدين والمودة، أما سمعت ما خاطبني به:

إن يُكْدِ مُطَّرَفُ الإخاءِ فإِنَّنَا ... نَغْدُو وَنَسْرِي في إِخَاءٍ تَالِدِ

أو يَخْتَلِفْ مَاءٌ الوِصَال فَمَاؤُنا ... عَذْبٌ تَحدَّرَ مِنْ غَمَامٍ وَاحِدِ

أو يَفْتَرِقْ نَسَبٌ يٌؤَلِّفْ بيْنَنَا ... أَدَبٌ أَقَمْنَاهُ مَقَامَ الوَالِدِ

سمعت أبا إسحاق الحري -رحمه الله- يذكر علي بن الجهم، وخبراً له مع أبي تمام، أظنه هذا أو ما يصححه، ولست أحفظه جيداً ولم أجده، لأني كتبته فيما أظن في كتب الحديثٍ وسمعته يقول:
كان علي بن الجهم من كملة الرجال. وكان يقال: علمه بالشعر أكثر من شعره، فانظر إلى تفضيل هذا الرجل لأبي تمام، مع تقدمه في الشعر والعلم به، وتفضيل عمارة بن عقيلٍ له، والعلماء يقولون: جاء عمارة بن عقيلٍ على ساقة الشعراء. ويصحح علم عليٍ بالشعر ما جاء به عبد الله بن الحسين قال، قال لي البحتري: دعاني علي ابن الجهم فمضيت إليه، فأفضنا في أشعار المحدثين إلى أن ذكرنا أشجع السلمي، فقال لي: إنه يخلي، وأعادها مراتٍ ولم أفهمها، وأنفت أن أسأله عن عناها، فلما انصرفت فكرت في الكلمة، ونظرت في شعر أشجع السلمي، فإذا هو ربما مرت له الأبيات مغسولةً ليس فيها بيت رائع، فإذا هو يريد هذا بعينه، أنه يعمل الأبيات فلا يصيب فيها ببيتٍ نادرٍ، كما أن الرامي إذا رمى برشقه فلم يصب فيه بشيءٍ قيل أخلى. قال: وكان علي بن الجهم عالما بالشعر.

حدثني أبو بكر هرون بن عبد الله المهلبي قال: كنا في حلقة دعبل، فجرى ذكر أبي تمامٍ، فقال دعبل: كان يتتبع معاني فيأخذها، فقال له رجل في مجلسه: ما من ذاك أعزك الله؟ قال، قلت:

إِنَّ أمْرَأً أَسدَي إلىَّ بشافعٍ ... إليه ويرجُو الشكرَ مِنِّي لأحْمَقُ

شفيعَكَ فاشكُرْ في الحوائجِ إنه ... يصُونُك عن مكروهِها وهو يُخْلِقُ

فقال له الرجل: فكيف قال أبو تمام؟ قال، قال:

فلَقيِتُ بين يَديكَ حُلوَ عَطائِهِ ... ولَقيتَ بين يدَيَّ مُرَّ سُؤَالِه

وإذا امرُؤٌ أَسْدَي إلىَّ صنيعةً ... من جاهِهِ فكأنَّها من مالِه

فقال الرجل: أحسن والله، فقال: كذبت قبحك الله، فقال: والله لئن كان أخذ هذا المعنى وتبعته فما أحسنت، وإن كان أخذه منك. لقد أجاده فصار أولى به منك، فغضب دعبلٌ وقام. قال أبو بكر: وشعر أبي تمام أجود، فهو مبتدئاً ومتبعاً أحق بالمعنى، ولدعبلٍ خبر في شعره هذا مشهور أذكره بسبب ما قبله.

حدثني محمد بن داود قال، حدثني يعقوب بن إسحاق الكندي قال: كانت على القاسم بن محمد الكندي وظيفة لدعبل في كل سنةٍ، فأبطأت عليه، فكلمني فأذكرته بها، فما برح حتى أخذها فقال دعبل: إنَّ أمرأً أسْدَى إليَّ بشافعٍ وذكر البيتين. وقد تبع البحتري أبا تمامٍ، فقال في هذا المعنى: وعطاءٌ غيرِك إن بذْلتَ عنايةً فيِهِ عطاؤُكْ

حدثني أبو جعفر المهلبي قال، حدثني ابن مهرويه قال، حدثني عبد الله بن محمد بن جرير قال: سمعت محمد بن حازمٍ الباهلي الشاعر يصف أبا تمام، ويقدمه في الشعر والعلم والفصاحة، ويقول: ما سمعت لمتقدمٍ ولا محدثٍ بمثل ابتدائه في مرثيته: أصمَّ بك النَّاعِي وإن كانَ أسمَعَا

ولا مثل قوله في الغزل:

ما إنْ رَأى الأقْوَامُ شَمْساً قَبْلَها ... أَفَلَتْ فَلَمْ تُعْقِبْهُمُ بظَلاَم

لو يَقْدِرُونَ مَشَوْا عَلَى وَجَنَاتِهمْ ... وعُيُونِهمْ فَضْلاً عَنِ الأقْدَامِ

حدثني سوار بن أبي شراعة قال، حدثني البحتري قال: كان أول أمري في الشعر، ونباهتي فيه، أني صرت إلى أبي تمامٍ وهو بحمص، فعرضت عليه شعري، وكان يجلس فلا يبقى شاعر إلا قصده وعرض عليه شعره، فلما سمع شعري أقبل علي وترك سائر الناس، فلما تفرقوا قال: أنت أشعر من أنشدني، فكيف حالك؟ فشكوت خلةً، فكتب لي إلى أهل معرة النعمان، وشهد لي بالحذق، وقال: امتدحهم، فصرت إليهم فأكرموني بكتابه ووظفوا لي أربعة آلاف درهم، فكانت أول ما أصبته.

حدثني أبو عبد الله العباس بن عبد الرحيم الألوسي قال، حدثني جماعة من أهل معرة النعمان قال: ورد علينا كتاب أبي تمامٍ للبحتري: يصل كتابي على يدي الوليد بن عبادة، وهو على بذاذته شاعر فأكرموه. وسمعت أبا محمد عبد الله بن الحسين بن سعد يقول للبحتري، وقد اجتمعا في داره بالخلد، وعنده محمد بن يزيد النحوي، وذكروا معنىً تعاوره البحتري وأبو تمام: أنت في هذا أشعر من أبي تمام، فقال: كلا والله ذاك الرئيس الأستاذ، والله ما أكلت الخبز إلا به، فقال له محمد ابن يزيد: يا أبا الحسن، تأبى إلا شرفاً من جميع جوانبك!.

حدثني أبو عبد الله الحسين بن علي قال، قلت للبحتري: أيما أشعر، أنت أو أبو تمام؟ فقال: جيده خير من جيدي، ورديئي خير من ردئيه. قال أبو بكر: وقد صدق البحتري في هذا، جيد أبي تمام لا يتعلق به أحد في زمانه، وربما اختل لفظه قليلاً لا معناه، والبحتري لا يختل.

حدثني أبو الحسن الكاتب قال: كان إبراهيم بن الفرج البندنيجي الشاعر يجيئنا كثيراً، وسمعت أبا محمد عبد الله بن الحسين بن سعد يقول للبحتري، وقد اجتمعا في داره بالخلد، وعنده محمد بن يزيد النحوي، وذكروا معنىً تعاوره البحتري وأبو تمام: أنت في هذا أشعر من أبي تمام، فقال: كلا والله ذاك الرئيس الأستاذ، والله ما أكلت الخبز إلا به، فقال له محمد ابن يزيد: يا أبا الحسن، تأبى إلا شرفاً من جميع جوانبك!.

حدثني أبو الحسن الكاتب قال: كان إبراهيم بن الفرج البندنيجي الشاعر يجيئنا كثيراً،وكان أعلم الناس بالشعر، ويجيئنا البحتري وعلي بن العباس الرومي، وكانوا إذا ذكروا أبا تمام عظموه ورفعوا مقداره في الشعر حتى يقدموه على أكثر الشعراء، وكل يقر بأستاذيته، وأنه منه تعلم، وقال: هؤلاء أعلم أهل زمانهم بالشعر، وأشعر من بقي.

حدثني أبو الحسن علي بن محمد الأنباري قال، سمعت البحتري يقول: أنشدني أبو تمام لنفسه:

وَسَابحٍ هَطِلِ التَّعْدَاءِ هَتَّانِ ... عَلَى الجِرَاءِ أَميِنٍ غيرِ خَوَّانِ

أَظْمَى الفُصُوصِ ولم تَظْمأْ قوائمُه ... فَخَلِّ عَيْنَيَكَ فيِ ظَمْآنَ رَيَّانِ

فَلَوْ تَرَاهُ مُشِيحاً والحَصىَ زِيَمٌ ... بَيْنَ السَّنابِكِ مِن مَثْنَى وَوُحْدَانِ

أَيْقَنْتَ -إنْ لَمْ تَثَبَّتْ- أَنَّ حَافِرَهُ ... مِنْ صَخْرِ تَدْمُرَ أَوْ مِنْ وَجْهِ عُثْمانِ

ثم قال لي: ما هذا من الشعر؟ قلت: لا أدري، قال: هذا المستطرد، أو قال الاستطراد، قلت: وما معنى ذلك؟ قال: يرى أنه يريد وصف الفرس، وهو يريد هجاء عثمان. فاحتذى هذا البحتري فقال في قصيدته التي مدح فيها محمد بن علي القمي ويصف الفرس أولها:

أهلاً بذلكُمِ الخيالِ المقْبلِ ... فَعَلَ الذي نَهْوَاهُ أو لم يفَعلِ

ثم وصف الفرس فقال:

وأغرَّ في الزمنِ البهيمِ محجَّلٍ ... قد رُحتُ منه على أغرَّ مُحجَّلِ

كالهيكلِ المْبنِيِّ إلاَّ أَنَّهُ ... في الحُسْنِ جاءَ كصورةٍ في هيكلِ

يَهْوِي كما تَهْوِي العُقَابُ إذَا رأَتْ ... صَيْداً وينتصبُ انتصابَ الأجْدَلِ

مُتوجِّسٌ برِقيقَتَينِ كأَنَّما ... يُرَيانِ مِن وَرَقٍ عليهِ مُوَصَّلِ

وكأنَّمَا نَفَضَتْ عَلَيْهِ صِبْغَهَا ... صَهْبَاءُ اللبرَدان أَوْ قُطْرُبُّلِ

مَلكَ العُيُونَ فإن بدَا أعطينَه ... نظرَ المحبِّ إلى الحبيبِ المقبلِ

مَا إن يَعَافُ قَذًى وَلَوْ أَوْرَدْتَهُ ... يوماً خلائقَ حَمْدَوَيْهِ الأحْوَلِ

وكان هذا عدواً للذي مدحه. فحدثني عبد الله بن الحسين وقد اجتمعنا بقرقيسياء قال، قلت للبحتري: إنك احتذيت في شعرك - يعني الذي ذكرناه - أبا تمام، وعملت كما عمل من المعنى، وقد عاب هذا عليك قوم، فقال لي: أيعاب على أن أتبع أبا تمام، وما عملت بيتاً قط حتى أخطر شعره ببالي؟ ولكنني أسقط بيت الهجاء من شعري. قال: فكان بعد ذلك لا ينشده، وهو ثابت في أكثر النسخ.

حدثني محمد بن سعيد أبو بكر الأصم قال، حدثني أحمد بن أبي فنن قال: حضرت أبا تمام وقد وصل بمائتي دينارٍ، فدفع إلى رجلٍ عنده منها مائةً، وقال: خذها. ثم قيل لي إنه صديق له، واستبنت منه خلةً فعذلته على إعطائه ما أعطى، وقلت: لو كان شقيقك ما عذرتك مع اضطراب حالك، فقال:

ذُو الوُدِّ مِني وذو القُربي بمنزلةٍ ... وإخوتي أُشوةٌ عنديِ وإخواني

عِصَابَةٌ جاوَرَتْ آدابُهم أَدبِي ... فَهُمْ وإنْ فُرِّقُوا في الأرض جيراني

أرواحُنَا في مكانٍ وَاحِدٍ وَغَدَتْ ... أَجْسامُنَا لِشَآمٍ أو خُراسانِ

قال ابن أبي فنن: وكان أبو تمام أحضر الناس خاطراً. وقد أجاد هذا المعنى إبراهيم بن العباس الصولي فقال:

أَمِيلُ معَ الذِّمامِ على ابنِ عمِّي ... وأقضِي للصَّديقِ على الشَّقِيقِِ

افَرِّقُ بين مَعْروفِي ومَنَّي ... وأجمعُ بَيْن مالِي والحقوقِ

وإمَّا تلْقَنِي حُرّاً مُطاعاً ... فإنكَ وَاجِدِي عبدَ الصَّديقِ

حدثني أبو الحسن الأنصاري قال، حدثني ابن الأعرابي المنجم قال: كان أبو تمامٍ إذا كلمه إنسان أجابه قبل انقضاء كلامه، كأنه كان علم ما يقول فأعد جوابه، فقال له رجل: يا أبا تمام. ولم لا تقول من الشعر ما يعرف؟ فقال: وأنت لم لا تعرف من الشعر ما يقال؟ فأفحمه. وحدثني أبو الحسين الجرجاني قال: الذي قال له هذا أبو سعيدٍ الضرير بخراسان، وكان هذا من علماء الناس، وكان متصلاً بالطاهرية. ولا أعرف أحداً بعد أبي تمام أشعر من البحتري، ولا أغض كلاماً، ولا أحسن ديباجةً، ولا أتم طبعاً وهو مستوى الشعر، حلو الألفاظ، مقبول الكلام، يقع على تقديمه الإجماع، وهو مع ذلك يلوذ بأبي تمامٍ في معانيه. فأي دليلٍ على فضل أبي تمامٍ ورياسته يكون أقوى من هذا؟. قال أبو تمام:

يَسْتنْزِلُ الأملَ البعيدَ ببِشرِهِ ... بُشْرَى المُخِيلَةِ بالربيِع المغدِقِ

وكذَا السحائبُ قلَّما تدعُو إلى ... مَعْروُفِها الرُّوادَ ما لم تَبْرُقِ

فحسن هذا المعنى وكمله، ثم أوضحه في مكانٍ آخر واختصره فقال: إنما البِشْرُ رَوْضةٌ فإذَا أَعْقَبَ بَذْلاً فَروْضَةٌ وغَديرُ

فما زال البحتري يردد هذا المعنى في شعره، ويتبع أبا تمام فيه، ويقع في أكثره دونه، قال في قصيدةٍ يمدح بها رافعاً:

كانتْ بشاشتُك الأولَى التي ابتدَأَتْ ... بالبِشْرِ ثم اقتبلْنَا بعدَها النِّعَما

كالمُزنِة استَوْبَقتْ أُولَى مَخيلتِها ... ثم استهلَّتْ بغُزْرٍ تَابَعَ الدِّيَمَا

فاحتذى معانيه واقتصها، فجذبته المعاني واضطرته إلى أن حكى لفظه في هذا، فصار يشبه لفظ أبي تمام، ولفظ البحتري في أكثر هذه أسهل؛ ثم ردد هذا المعنى البحتري فقال واستعاره للسيف:

مُشْرِقُ للنَّدَى ومِن حَسَبِ السَّيْ ... فِ لِمُسْتَلِّه ضياءُ حَديِدِهْ

ضَحَكَاتٌ في إثْرِهِنَّ العَطَايَا ... وَبُرُوقُ السَّحَابِ قبلَ رُعُودِهْ

ثم ردد المعنى وأسقط البشر منه وصير مكانه الرعد فقال في أبي الصقر:

يُولِيكَ صَدْرَ الَيْومِ قاصِيَة الغِنَى ... بِفَوائدٍ قَدْ كُنَّ أَمْسِ مَوَاعِدَا

سَوْمَ السَّحَائِبِ ما بَدَأْنَ بَوَارِقاً ... في عَارِضٍ إلاَّ ثَنَيْنَ رَوَاعِدَا

ثم ردد المعنى الأول بحاله، فقال في المعتز بالله وأحسن:

متهلِّلٌ طَلْقٌ إذا وعدَ الغِنَى ... بالبِشْرِ أتْبَعَ بِشْرَهُ بالنَّائِلِ

كالمُزْنِ إنْ سَطَعتْ لوامعُ بَرْقِهِ ... أَجْلَتْ لنَا عَنْ دِيَمةٍ أَوْ وَابِلِ

وهذا المعنى فإنما ابتدأه أبو نواس، فقال يمدح قوماً من قريش في أرجوزةٍ وصف فيها الحمام:

بِشْرُهُمُ قبلَ النَّوالِ اللاَّحِقِ ... كالْبَرْقِ يبدوُ قبلَ جُودٍ دَافِقِ

والغيثُ يخْفَي وقْعُه للرَّامقِ ... ما لم تَجِدْهُ بِدَليلِ البارقِ

ومن تبحر شعر أبي تمام وجد كل محسنٍ بعده لائذاً به، كما أن كل محسنٍ بعد بشارٍ لائذ ببشار، ومنتسب إليه من أكثر إحسانه، قال أبو تمام:

فَسَواءٌ إِجَابَتِي غَيْرَ دَاعِ ... وَدُعَائي بالقَاعِ غَيْرَ مُجيبِ

فقال البحتري نسخاً له:

وسأَلْتَ مَنْ لا يستجيبُ فكنتَ في اس ... تِخْبارِهِ كمجيبِ مَنْ لا يَسْأَلُ

وقال أبو تمام:

إذا القصائدُ كانتْ مِن مدائِحِهِمْ ... يوماً فأَنْتَ لَعَمْرِي من مدائِحها

فقال البحتري:

ومَنْ يَكنْ فاخِراً بِالشعرِ يُذكر في ... أَصنافِهِ فَبِكَ الأشْعارُ تَفتِخر

وقال أبو تمام:

وإذا أرادَ اللهُ نَشْرَ فَضيلةٍ ... طُويتْ أَتاحَ لها لِسَانَ حَسُودِ

فقال البحتري:

ولنْ تَسْتبينَ الدهرَ مَوْضعَ نِعْمةٍ ... إذا أنت لم تُدْلَلْ عليها بحَاسِدِ

وقال أبو تمام:

بُخْلٌ تَديِنُ بِحُلْوِهِ وَبِمُرِّهِ ... فكأَنَّهُ جُزْءٌ منَ التَّوحِيدِ

فقال البحتري:

وَتَدَيُّنٌ بِالبُخْلِ حَتَّى خِلْتُهُ... فَرْضاً يُدَانُ به الإلهُ ويُعْبدُ

وقال أبو تمام:

أوْ يَخْتَلِفْ مَاءُ الوِصَالِ فَماؤُنَا ... عَذْبٌ تَحَدَّرَ مِنْ غَمامٍ وَاحِدِ

وإنما أخذه أبو تمام من قول الفرزدق:

يا بشْرُ أَنْتَ فَتَى قريشٍ كُلِّها ... وِيِشِي وريشُكَ من جناحٍ واحِدِ

فقال البحتري:

وَأَقَلُّ ما بيْنِي وبينَكَ أَننا ... نَرْمِي القبائلَ عَنْ قَبيلٍ واحدِ

وقال أبو تمام:

ثَوَى بالمشْرِقيْنِ لهم ضَجَاجٌ ... أَطَارَ قُلوبَ أَهْلِ المغربيْنِ

وإنما أخذه أبو تمام من قول مسلم:

لما نَزَلْتَ على أَدْنَى بِلاَدِهِمِ ... أَلْقَى إليكَ الأقاصِي بالمقاليدِ

فقال البحتري:

غَدا غَدْوَةً بَيْن المشارقِ إذ غَدَا ... فَبَثَّ حَرِيقاً في أقاصِي المغارِبِ

وجاذبني يوماً بعض من يتعصب على أبي تمام بالتقليد لا بالفهم، ويقدم غيره بلا درايةٍ فقال: أيحسن أبو تمام أن يقول كما قال البحتري:

تَسَرَّعَ حتى قال مَنْ شَهِدَ الوَغَى ... لِقاءُ أَعَادٍ أمْ لقاءُ حبائبِ؟

فقلت له: وهل افتض هذا المعنى قبل أبي تمام أحد في قوله:

حَنَّ إلى المَوْتِ حَتَّى ظَنَّ جَاهِلُهُ ... بأنه حَنَّ مُشْتَاقاً إلَى وَطَنِ

ولولا أنَّ بعض أهل الأدب ألف في أخذ البحتري من أبي تمام كتابا، لكنت قد سقت كثيراً مثل ما ذكرنا، ولكنني أكره إعادة ما ألف، وأجتنب أن أجتذب من الأدب ما ملك قبلي، إلا أنني سآتي بأبياتٍ من جملة ذلك تدل على جميعه إن شاء الله: قال أبو تمام:

شَهِدْتُ جَسيماتِ العُلاَ وَهْوَ غَائِبٌ ... وَلَوْ كانَ أيضاً شَاهِداُ كان غَائبَا

فقال البحتري:

نَصَحْتُكُمُ لَوْ كان للنُّصْحِ سامِعٌ ... لَدَى شَاهِدٍ عَن مَوْضعِ الفهْمِ غائبِ

على أن محمد بن عبيد الله العتبي قد قال: قَوْمٌ حُضُورٌ غائِبْو اْلأذْهانِ ليسَ لها قُفُولُ

وقال أبو تمام:

فإِنْ أنا لَمْ يَحْمَدْكَ عَنِّي صاغِراً ... عَدُوُّكَ فاعْلَمْ أَنَّني غَيْرُ حامِدِ

فقال البحتري:

لَيُواصِلَنّكَ ذكُر شِعْرٍ سائرٍ ... يَرْويه فيكَ لحسِنِه الأعْدَاءُ

وكأن هذا المعنى من قولهم: من فضل فلان أن أعداءه مجمعون على فضله، وقولهم: خير المدح ما رواه العدو والصديق. وقال أبو تمام:

ونَغْمَةُ مُعْتَفِي جدْوَاهُ أَحْلَى ... على أذُنيْهِ مِنْ نَغَمِ السَّماعِ

فقال البحتري:

نَشْوانُ يطَربُ للسؤَالِ كأنما ... غَنَّاهُ مالكُ طيئٍ أوْ معبدُ

وأول من أتى بفرح المسؤول، وطلاقة وجهه، ثم أخذه الناس فولدوه فقالوا: السؤال أحلى عنده من الغناء، وراجيه أحب إليه من معطيه، زهير، قال:

تراه إذا ما جئتَه متهلِّلاً ... كأنك تُعطيهِ الذي أنتَ سائلهُ

وقال أبو تمام:

ومُجَرَّبُونَ سَقَاهُمُ من بَأسِهِ ... فَإذَا لَقُوا فكأَنَّهم أغْمَارُ

فأخذه البحتري فقال:

مَلِكٌ لهُ في كل يومِ كريهةٍ ... إِقدامُ غِرٍّ واعتزامُ مُجَرِّبِ

فأما الذي نقله البحتري نقلاً، فأخذ اللفظ والمعنى، فقول أبي تمام يصف شعره:

مُنزَّهَةٌ عن السَّرَقِ الموَرَّي ... مكرَّمةٌ عن المعْنَى المُعادِ

فقال البحتري يصف بلاغةً:

لا يَعْملُ المْعنَى المكَرَّ ... رَ فِيهِ واللفظَ المرّدَّدْ

وقال أبو تمام:

البيدُ والعِيسُ والليلُ التَّمام معاً ... ثَلاثةٌ أَبداً يُقْرَنَّ فِي قَرَنِ

فقال البحتري:

اطلُبَا ثالثاً سِوَاىَ فإِنِّي ... رَابعُ العِيسِ والدُّجَى والبِيدِ

وأخذه أبو تمام من قول ذي الرمة:

وَلَيلٍ كجِلْبَابِ العَروسِ ادَّرَعْتُهُ ... بأربعةٍ والشخْصُ في العينِ واحدُ

أَحَمُّ عِلاَفِيٌّ، وأبيضُ صارِمٌ ... وأعْيِسُ مَهْرِيٌّ، وأروعُ ماجدُ

وقال أبو تمام:

تَفيِضُ سماحةً والمُزْنُ مُكْدٍ ... وتَقْطَعُ والحُسامُ العَضْبُ نَابِي

فقال البحتري:

يَتوَقَّدْنَ والكواكبُ مُطْفاَ ... ةٌ ويَقْطَعْنَ والسُّيُوفُ نوابِي

وقال الطائي:

لا تَدْعُوَنْ نُوحَ بنَ عمرو دَعوةً ... للخطْبِ إلاَّ أَنْ يكونَ جَليلاً

فقال البحتري:

يا أبا جَعْفرٍ وما أنتَ بالمدْ ... عُوِّ إلاَّ لِكلِّ أمرٍ كُبارِ

وقال أبو تمام:

ولقد أَردتُمْ مجدَه وجهَدَتُمُ ... فإذَا أَبانٌ قَدْ رسَا وَيلَمْلَمُ!

فقال البحتري ونقله لفظاً ومعنى:

وَلَنْ يَنْقُلَ الحُسَّادُ مَجْدَكَ بعدمَا ... تمكَّنَ رَضْوَى واطمأَنَّ مُتَالِعُ

وقال أبو تمام:

وتُشَرِّفُ العُلْيا وهَلْ مِنْ مَذْهَبٍ ... عَنْها وأنتَ عَلَى المعالِي قَيِّمُ

فقال البحتري:

متقلقلً الأحْشاءِ في طلبِ العُلاَ ... حتَّى يكونَ عَلَى المعالِي قيمِّا

وقال أبو تمام:

ويلبَسُ أَخلاقاً كِراماً كأَنَّها ... عَلَى العِرْضِ من فَرْطِ الحَصانَةِ أدْرُعُ

فقال البحتري، ولم يستوف، وكذلك هو في أكثر ما ذكرت يقع دوناً:

قومٌ إذا لبسُوا الدروعَ لموقفٍ ... لبِسَتْهُمُ الأخلاقُ فيه دُروعا

وقال أبو تمام:

وقد كانَ فَوْتُ الموتِ سَهلاً فردَّهُ ... إليهِ الحِفَاظُ المرُّ والخُلُقُ الوَعْرُ

فقال البحتري:

ولَوَ أنَّهُ اسْتَامَ الحياةَ لِنَفسِهِ ... وجَدَ الحياةَ رخيصَةَ الأسْبابِ

وهذا أيضاً من قول الآخر:

ولو أنهم فَرُّوا لكانُوا أعِزَّةً ... ولكنْ رَأَوْا صَبْراً على الموتِ أكرمَا

وقال أبو تمام:

وما العُرْفُ بالتَّسْويفِ إلا كخُلةٍ ... تَسَلَّيْتَ عنها حينَ شَطَّ مَزارُهَا

فقال البحتري:

وكنتُ وَقد أَمَّلْتُ مُرّاً لِنَائِلٍ ... كَطالبِ جَدْوَى خُلَّةٍ لا تُواصِلُ

ومما احتذى فيه البحتري أبا تمام، وقدر مثل كلامه فعمل معناه عليه، ما أخذه من قول أبي تمام:

هِمةٌ تنطِحُ النجومَ وَجَدٌّ ... ألِفٌ للحضيِضِ فهو حضيضُ

فقال البحتري:

متحير بعزم قائم ... في كل نازلة وجد قاعد

قال أبو تمام:

مُتَوَطِّئُو عَقِبَيْكَ فيِ طَلَبِ العُلاَ ... والمْجدِ ثُمَّتَ تَسْتوِي الأَقدامُ

فقال البحتري:

حُزْتَ العُلا سَبْقاً وصلَّى ثانياً ... ثم اسْتَوَتْ من بَعْدِه الأَقْدَامُ

وقال أبو تمام:

تَنْدَى عُفاتُكَ للعُفاةِ وتَغْتَدِى ... رُفَقاً إلى زُوَّارِكَ الزُّوَّارُ

فقال البحتري على تقديره:

ضَيْفٌ لَهُم يَقْرِي الضيوفَ ونازلٌ ... مُتَكَفِّلٌ فيِهمْ بِبِرِّ النُّزَّلِ

وقال أبو تمام:

عَطَفُوا الخُدورَ عَلَى البُدُورِ وَوَكَّلوا ... ظُلَمَ السُّتُورِ بِنُورِ حُورٍ نهَّدِ

فقال البحتري:

وَبِيضٍ أضَاءَتْ فِي الخُدُورِ كأنها ... بُدُورُ دُجىً جَلَّتْ سَوَادَ الحَنَادِس

المصدر: الموسوعة الشعرية- ديوان العرب

يتبع
.
.
.