عرض مشاركة واحدة
قديم 03-27-2022, 09:22 AM
المشاركة 6917
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: مَجْمعُ الأمثال
3079

.... كِلَاهُمَا وَتَمْرًا ....

ويروى‏"كليهما"
أولُ من قَال ذلك عمرو بن حُمْرَان الجَعْدِي، وكان حمران
رجلًا لَسِنًا ماردًا وإنه خَطَب صَدُوفَ، وهي امرَأة كانت تؤيد
الكلام وتشجع في المنطق، وكانت ذاتَ مالٍ كثيرٍ، وقد أتاها
قوم يخطبونها فردَّتْهم، وكانت تتعنَّتُ خُطَّابها في المسألة،
وتقول‏:‏ لا أتزوج إلا مَنْ يعلم ما أسأله عنه ويجيبني بكلام
على حدّه لا يَعْدُوه، فلما انتهى إليهَا حُمْرَان قام قائمًا لا
يجلس، وكان لا يأتيها خاطبٌ إلا جلس قبل إذنها، فَقَالت:
ما يمنعك من الجلوس‏؟‏ قَال‏:‏ حتى يُؤْذَنَ لي، قَالت‏:‏ وهل عليك
أمير‏؟‏ قَال رَبُّ المنزِل أحقُّ بفِنَائه، ورب الماء أحَقُّ بسِقَائِه، وكل
له ما في وِعَائه، فَقَالت‏:‏ اجلس، فجلس، قَالت له‏:‏ ما أردت‏؟
‏قَال‏:‏ حاجة، ولم آتك لحاجة، قَالت‏:‏ تُسِرُّها أم تعلنها‏؟‏ قَال‏:‏ تُسَرُّ
وتُعْلَن، قَالت‏:‏ فما حاجتك‏؟‏ قَال قضاؤها هَيَّن، وأمرها بين،
وأنت بها أخْبَر، وبِنُجْحِها أبصر، قَالت‏:‏ فأخبرني بها، قَال‏:‏ قد
عَرَّضْتُ وإن شِئتِ بيّنتُ، قَالت‏:‏ مَنْ أنت‏؟‏ قَال‏:‏ أنا بَشَرٌ، ولدت
صغيرًا، ونشأت كبيرًا، ورأيت كثيرًا، قَالت‏:‏ فما اسمك‏؟‏ قَال‏:‏ مَنْ
شَاءَ أحْدَثَ اسما، وقَال ظُلْمًا، ولم يكن الاسم عليه حَتْمًا، قَالت:
فَمَنْ أبوك‏؟ قَال‏:‏ والدِي الذي وَلَدني، ووالده جَدِّي، فلم يعش
بَعْدِي، قَالت‏:‏ فما مالُك‏؟‏ قَال‏:‏ بعضُه وَرِثته، وأكثره اكتسبته،
قَالت‏:‏ فمن أنت‏؟‏ قَال‏:‏ من بشر كثير عدده، معروف ولده، قليل
صعده، يفنيه أبده، قَالت‏:‏ ماوَرَّثَك أبوك عن أوليه‏؟‏ قَال‏:‏ حسن
الهمم، قَالت‏:‏ فأين تنزل‏؟‏ قَال‏:‏ على بساط واسعٍ، في بلدٍ شَاسِعٍ،
قريبُه بعيد، وبعيدُه قريب، قَالت‏:‏ فمن قومك‏؟‏ قَال‏:‏ الذين
أنتمي إليهم، وأجني عليهم، وولدت لديهم، قَالت‏:‏ فهل لك امرَأة‏؟
قَال‏:‏ لو كان لي لم أطلب غيرها، ولم أُضَيِّعْ خَيْرَها، قَالت‏:‏ كأنك
ليست لك حاجة، قَال‏:‏ لو لم تكن لي حاجة لم أُنِخْ ببابك، ولم
أتَعَرضْ لجوابك، وأتعلق بأسبابك، قَالت‏:‏ إنك لحمران بن الأقرع
الجَعْدي، قَال‏:‏ إن ذلك ليقَال، فأنكحته نفسها، وفَوَّضَتْ إليه أمرها.
ثم إنها ولدت له غلاما فسماه عمرا، فنشأ ماردا مُفَوَّها، فلما أَدْرَكَ
جَعَله أبوه راعيًا يرعى له الإبل، فبينما هو يوما إذ رُفِعَ إليه رجل
قد أَضَرَّ به العطشُ والسغوب، وعمرو قاعد، وبين يديه زُبْد تمر
وتامك‏‏‏(‏التامك‏:‏ السنام‏)‏، فَدَنَا منه الرجلُ فقال‏:‏ أطعمني من هذا
الزبد والتامك‏‏، فَقَال عمرو‏:‏ نعم، كلاهما وتمرًا، فأطعم الرجل حتى
انتهى، وسَقَاه لبنًا حتى رَوِيَ، وأقام عنده أيامًا، فذهبت كلمته مَثَلًا.
ورفع "‏كلاهما‏"‏ أي لك كلامهما، ونصب تمرًا على معنى‏:‏ أزيدك تمرًا،
ومن روى ‏"‏كليهما‏"‏ فإنما نصبه على معنى‏:‏ أطعمك كليهما وتمرًا،
وقَال قوم‏:‏ مَنْ رفع حكى أن الرجل قَال‏:‏ أنلني مما بين يديك، فَقَال
عمرو‏:‏ أيما أحبُّ إليك زُبْد أم سَنَام‏؟‏ فَقَال الرجل‏:‏ كلاهما وتمرًا، أي
مطلوبي كلاهما وأزِيدُ معهما تمرًا، أو وزدني تمرًا.