عرض مشاركة واحدة
قديم 10-10-2010, 09:59 AM
المشاركة 17
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ففي الساعة الثانية والربع ولم تمض 15 دقيقة على بدء الإقتحام عبر جميع قادة كتائب المشاة مع جميع معاونيهم من مختلف الرتب من رتبة الملازم أول حتى المقدم ,
وبعد مرور ساعة عبر قادة الألوية وهم فى رتبة العميد , وهذه الرتبة بداية الرتب العليا فى القوات المسلحة ,

وبعد مرور ساعة ونصف ساعة من عمليات الإقتحام عبر قادة الفرق وهم جميعا فى الرتب القيادية من رتبة اللواء ثم عبر قادة الجيوش وهما اللواء سعد الدين مأمون قائد الجيش الثانى الميدانى واللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميدانى ,

وفى الساعة الثانية والنصف بعد أقل من نصف ساعة على بدء عمليات الإقتحام حمل المقاتلون علم مصر ليرفرف على الساتر الرملى فى مختلف قطاعات الإختراق إيذانا بتفجر معركة التحرير ,
وأسقط الدفاع الجوى المصري أول طائرة إسرائيلية مغيرة فى الساعة الثانية وخمسين دقيقة تماما ليبدأ فشل العدو فى استخدام قواته الجوية لإيقاف العبور بعد تصدى حائط الصواريخ المصري لكافة هجماته ,
ولم يكن حائط الصواريخ الأسطورى الذى بنته مصر بالعرق والدموع لصد هجمات العدو الجوية على العمق هو المفاجأة فى الحرب بل كانت المفاجأة التكتيكية متمثلة فى صواريخ ( سام ـ 6 ) والتى تكتمت مصر وسوريا حصولها عليها وهى الصواريخ السوفيتية الصنع التى تتفوق بمراحل على صواريخ ( سام 2 ) و( سام 3 ) وتتميز بقدرتها الفائقة على اصطياد الفانتوم من الارتفاعات المنخفضة والمتوسطة ,
وكانت مصر وسوريا قد أخفت هذه المفاجأة لدرجة أن القوات السورية فضلت أن تخسر 13 طائرة فى المعركة الجوية التى قامت بينها وبين العدو قبل الحرب بأيام حتى لا تكتشف إسرائيل وجود هذه الصواريخ قبل الحرب الكبري ,
وحققت المفاجأة نتيجتها كاملة إذ سقط للعدو فى الساعات الأولى 13 طائرة غامرت بالإقتراب من خط القناة مما دفع قائد القوات الجوية الإسرائيلية بنيامين بيليد إلى إصدار أوامره لطياريه بعدم الإقتراب من منطقة القناة لمسافة 15 كيلومتر

وفى الساعة الثالثة بلغت القوات العابرة للقناة 800 ضابطا و13500 جنديا , بعد أن تمكن الجيش الثانى من بدء العبور بسلام وتغلب الجيش الثالث على سرعة تيار القناة التى تعدت 80 مترا فى الدقيقة بمنطقته مما أعاق تقدم القوارب وعرضها للسقوط فاستخدمت القوات المعدات البرمائية لإتمام العبور
وفى الثالثة والنصف كانت وحدات المهندسين تعبر فى وحدات بحرية خاصة معدة بالخراطيم والمضخات الألمانية الصنع فائقة القوة لأداء مهمتها فى فتح الثغرات بالساتر الترابي ,
وفى الساعة الخامسة والنصف بعد ثلاث ساعات ونصف فقط من بدء العمليات بلغت القوات المصرية العابرة 2000 ضابط و30000 جندى
وفى السادسة والنصف أتمت وحدات المهندسين عملها فى وقت قياسي وتمكنت من فتح جميع الثغرات المطلوبة فى الساتر الترابي وبدأت على الفور عملية إعداد وتمهيد بناء رءوس الكباري ومد الجسور وانتهى تركيب أول كوبري فى سرعة مذهلة فى نطاق الجيش الثانى الميدانى لتتدفق عبره أرتال الدبابات والمدرعات المصرية ,
وفى نطاق الجيش الثالث الميدانى ونظرا لأن الساتر الترابي هناك كان معظمه من التراب المكون للطمى اللزج بعكس الساتر فى نطاق الجيش الثانى فقد تكونت طبقة طمى طولها متر كامل أعاقت تركيب الكباري فأصدر اللواء عبد المنعم واصل تعليماته بتنفيذ المتفق عليه من كسح طبقة الرمى بمعدات الحفر والبناء وتدشين التربة الطينية بالصخور والزلط وتمت العملية على أكمل وجه وفى تتابع ونسق دقيق ووصل عدد الثغرات حوالى 80 فى الساعة العاشرة مساء , [1]
وأزاحت وحدات المهندسين ما حجمه 90 ألف متر من الرمال والأتربة وأنشأت ثمانى كباري ثقيلة و31 معدية كانت تتحرك ذهابا وإيابا ناقلة للقوات فى سرعة تدفق محمومة ,

وكما سبق القول تعطلت قوة العدو الجوية عن القيام بأى دور فى إعاقة عملية العبور ومرت عملية فتح الثغرات وإنشاء الكباري طيلة الفترة من الثانية ظهرا حتى العاشرة مساء دون أى تدخل من قوات خط بارليف أو الإحتياطي المدرع للعدو القابع خلفه للتدخل حال حدوث العبور
وبالطبع لم يكن العدو نائما فى تلك الفترة حتى يمنح الفرصة للقوات المصرية بالتدفق بهذا الشكل ولكن كان ممنوعا بفعل فاعل تمثل فى موجة العبور الأولى من المشاة وقوات الصاعقة التى تسلقت الساتر الترابي بالحبال وعبرت إلى تحصينات خط بارليف فى ثغرات الأسلاك الشائكة التى فتحتها المدفعية بالتمهيد النيرانى ,
وطبقا للخطة التى تدرب عليها الجنود آلاف المرات تم حصار نقاط خط بارليف الحصينة واقتحام مداخلها بالقنابل اليدوية بينما توجهت القوة الأكبر من قوات العبور إلى ما خلف تلك النقاط تاركين مهمة حصار خط بارليف لزملائهم , واندفعت تلك الموجات البشرية تتسلق المرتفعات وتقبع بمدافع وقاذفات الآر بي جى وصواريخ ساجر المضادة للدبابات فى انتظار احتياطى العدو القريب من المدرعات ,
وبوصول أول دبابة من دبابات العدو انفتحت أمامهم أبواب الجحيم بمزرعة من الصواريخ المضادة للدبابات والألغام المعدة فى كمائن دقيقة ليتم تدمير قوات العدو المهاجمة فى النسق الأول تدميرا تاما وأسر عدد كبير من أفرادها ,
فى نفس الوقت الذى سقطت فيه أول النقاط الحصينة من خط بارليف القلعة رقم 1 فى منطقة القنطرة فى الساعة الثالثة تماما ثم استمر معدل سقوط النقاط الحصينة لخط بارليف بواقع نقطة أو نقطتين كل ربع ساعة ,
فسقطت القلعة رقم 2 ثم القلعة رقم 3 فى الكيلومتر 146 طريق الجباسات وفى وقت واحد سقطت معها القلعتان رقم 4 , 5 ثم القلعة رقم 6 ,
ثم استمر التتابع السريع لسقوط خط بارليف الحصين عبر نقاطه القوية إما بقتل أفرادها وإقتحامها أو استسلامهم وخروجهم من النقاط طواعية ولم يتبق من مجموع النقاط الحصينة إلا نقطتان فقط تم حصارهما حتى سقطا فى 13 أكتوبر ,
ومن نوادر المعركة أن إحدى النقاط الحصينة التى سقطت فى الدقائق الأولى وتم أسر أفرادها , اختبأ واحد منهم تحت سرير من أسرة المعسكر فى النقطة وكتم أنفاسه وحركته لثلاثة أيام كاملة دون شراب أو طعام أو نوم وظل يرتعد من الخوف طيلة الأيام الثلاثة حتى تم اكتشافه !

ويصف أحد قادة الكتائب الإسرائيلية مشهد الساعات الأولى من المعركة وهو الميجور روبين قائد الكتيبة الشمالية فيقول :
( إن أغلب أفراد خط بارليف نزلوا للحصون التحتية فور بدء القصف ظنا منهم أن القصف مجرد قصف عادى وليس تمهيدا للهجوم , وكان قائد كل حصن يحتاج لجدل خمس دقائق فى التلفون مع قيادته حتى تدرك القيادة الإسرائيلية أنهم فى مواجهة حرب شاملة )
ويكمل الميجور روبين تجربته فيصف كيف أنه أرسل فى فتح طريق الإحتياطى المدرع لحماية حصون بارليف والإستعداد لموجات الهجوم ليفاجئ بعدها بتقارير قادة السرايا المدرعة التى تم تدميرها بالكامل بفعل مصايد الدبابات التى أعدتها قوات الموجهة الأولى المصرية ليتم تدميرها تماما عدا دبابتين أسرعتا بالإنسحاب للخلف
ثم توالت البلاغات على الميجور روبين فى محيط أخبار كتيبته لتبلغه أن أغلب قادة حصون خط بارليف لقوا حتفهم واستسلم باقي الجنود وعندما تلقي استغاثة للإمداد والدعم من أحد هذه الحصون قبل سقوطها طالب الميجور روبين قائده الكولونيل بنحاس بسرعة إمداده بالمدرعات لنجدة أفراد الحصون ولكن الكولونيل اعتذر أنه لا يمتلك فى تلك اللحظة دبابة واحدة أو مدفعا واحدا صالحا للاستعمال بعد أن انهارت جميعها فى الإقتحام الأول ,
وأصدر تعليماته للميجور روبين بأن تقاوم الحصون حتى آخر رجل أو تستسلم للقوات المصرية وقفا لنزيف الخسائر !

وارتد روبين وتبعه قادة الكتائب جميعا للخلف حيث القيادة العليا المباشرة لهم وهناك طالب روبين ورفاقه قائدهم الجنرال كالمان ماجن بسرعة إرسال الإمدادات لنجدة خط بارليف ولكن كان جواب كالمان هو نفس جواب بنحاس الذى مضمونه أن جميع الإحتياطيات القريبة تم تدميرها ,
وفى الساعة الحادية عشرة مساء يوم السادس من أكتوبر وصلت تعليمات الجنرال إبراهام ماندلر قائد قوات المدرعات الإسرائيلية الأسطورى بأن تنسحب القوات جميعا إلى الشرق أو استسلامهم للقوات المصرية !
وفيما بعد نجحت المخابرات الحربية في اختراق موجات الإتصال الخاصة بالجنرال ماندلر وحددت موقعه ليقوم تشكيل مصري من القوات الجوية بقذف تلك المنطقة ليسقط الجنرال الأسطورى قتيلا وهو الذى كانت تفخر به إسرائيل أكثر من فخرها بخط بارليف حيث أن ماندلر صنع سمعته كقائد مدرعات في الحرب العالمية الثانية وكان أكفأ قواد الجيش الإسرائيلي بلا شك وصنع قتله موجة عارمة من اليأس بين القيادات السياسية والعسكرية حتى أن جولدا مائير منعت إذاعة نبأ مصرعه لكى لا تنخفض الروح المعنوية بأكثر مما هى متردية !!

ولهذا قلنا إن روعة حرب أكتوبر الحقيقية فى أنها سددت سائر ديون حرب يونيو وتفوقت أيضا , فسقوط ماندلر تم بخطة مصرية محكمة انتقاما للشهيد الفريق عبد المنعم رياض الذى طالته القذائف الإسرائيلية قبلها بثلاث سنوات ,
هذا رغم أن الوحدة ( 39 ) قتال بقيادة البطل الشهيد إبراهيم الرفاعى كانت قد انتقمت انتقاما مروعا لاستشهاد الفريق رياض عندما ردت الوحدة بعملية فدائية عبرت فيها القناة أثناء حرب الإستنزاف لتهاجم أحد المواقع الحصينة وتقتل أربعين جنديا وضابطا إسرائيليا وبالسلاح الأبيض فقط دون رصاصة واحدة , ثم فجروا الموقع بما فيه من ذخائر
تماما كانت أوامر العميد إبراهيم الرفاعى لإثارة الرعب فى قلوب الإسرائيليين جزاء استشهاد الفريق رياض



الهوامش :
[1]ـ مذكرات اللواء عبد المنعم واصل ـ دار الشروق