عرض مشاركة واحدة
قديم 10-10-2010, 09:58 AM
المشاركة 15
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وعندما حلقت الطيور نحو الشرق ..
واندفعت 220 طائرة مصرية من شتى الأنواع نحو سيناء في توقيتات مختلفة من مختلف مطارات مصر لتلتقي في لحظة واحدة محددة فوق الضفة الشرقية للقناة وتمخر السماء نحو مواقع العدو في سيناء
كانت صفوف الجنود للموجة الأولى للعبور البالغة ثمانية آلاف جندى تهدر بصيحة الله أكبر , وعادت الطائرات سليمة من ضربتها التي حققت نجاحها بنسبة مائة في المائة رغم السمعة الأسطورية لطيران الإسرائيلي ولم تزد خسائر الطائرات المصرية عن 2% لتدمر ثلاث مطارات حربية بالطائرات الجاثمة فوقها وعشر مواقع لصواريخ (هوك) وثلاثة مراكز سيطرة للعدو وموقعى مدفعية بعيدة المدى في العمق وحصون خط بارليف في شرق بور فؤاد

وشهدت الضربة الجوية ـ كسائر الأسلحة فيما بعد ـ بطولات فردية كان لها الفضل الأكبر في تنفيذ الضربة الجوية بهذا النجاح الفائق ,
فأحد الطيارين ـ وأعمارهم جميعا كانت بين 18 و25 سنة فقط ـ أصيبت طائرته وكان في إمكانه القفز والنجاة منها ولكنه لم يفعل , وعندما أصيبت طائرته لمحت عيناه أرض المطار العسكري الإسرائيلي تقبع فوقه خمس طائرات متطورة , فوجه الدفة بزاوية إنتحارية لينفجر مع طائرته وسط طائرات العدو والممرات , وكانت النتيجة لهذه البطولة الخارقة أن خسر العدو هذا المطار تماما وظل لمدة أربعة أيام خارج الخدمة[1]
وفى قلب القوات الإسرائيلية التى فوجئت بالهجوم كان يقبع بطل مصري آخر هو الشهيد عمرو طلبة الذى تم زرعه كعميل للمخابرات المصرية فى قلب الجيش الإسرائيلي وكانت هناك خطة لاستعادته قبيل بدء المعارك مباشرة ,
وصدرت له الأوامر بسرعة التوجه إلى نقطة معينة متفق عليها على الجبهة لانتشاله , فى نفس الوقت الذى تم التنبيه فيه على مدفعية الجيش الثانى بتفادى تلك النقطة تماما ,
ولكن النقيب عمرو طلبة رفض لأول مرة تنفيذ الأوامر وظل فى وحدته العسكرية الإسرائيلية ليفتح جهاز اللاسكى مباشرة على القيادة المصرية وسط الفوضي التى عمت وحدات الجيش الإسرائيلي وينقل لهم عددا كبيرا من الأهداف المهمة التى ينبغي استهدافها كما نقل لهم حالة الذعر بين الإسرائيليين ,
ورفض مغادرة موقعه واستمر فى نقل البيانات لتستفيد منها الطلعات الأولى للطيران المصري فى تنفيذ ضربات مؤثرة فى مراكز القيادة واستشهد عمرو طلبة بعد أن فضل الموت فى سبيل أداء هذه الخدمة للقوات المصرية [2]

وطيار مقاتل آخر كان يعانى من آلام شديدة بالمعدة وكتم آلامه حتى لا تعيقه عن الإشتراك في الحرب مغامرا بحياته نظرا لوجوب أن يطير الطيار وهو في أعلى حالاته الصحية كفاءة , واستمر ينفذ العمليات والطلعات الجوية حتى اكتشفت قيادته الأمر وألزمته الفراش بالأمر المباشر !
وقد شهدت القوات الجوية إنجازات أخرى على الأرض كان بطلها المهندسون والفنيون العسكريون الذين تمكنوا من تحطيم الرقم القياسي المسجل عالميا لإعادة ملئ الطائرة بالوقود وتسليحها بالذخائر ,
فكان الرقم العالمى المسجل سبع دقائق فحطمه المصريون ليسجلوا رقما جديدا بخمس دقائق ونصف !
وبهذه البطولة تعددت كثافة الطيران المصري على ارتفاعات منخفضة لتخترق العمق الإسرائيلي وتدمر مواقع دفاعه الجوى ومدفعيته والشئون الإدارية في مناطق الحسنة وأم خشيب وجبل سحابة وأم مرجم والمغارة ورأس سدر وقلعة الجدى
كما شهدت المعارك الجوية أرقاما قياسية جديدة ومنها أن أطول معركة جوية في العالم كانت من نصيب القوات المصرية في مواجهة الطيران الإسرائيلي حيث أن أكبر مدة لأى معركة جوية تترواح بين عشر دقائق وخمس عشرة دقيقة فقط ,
بينما شهدت معارك أكتوبر معركة شاركت فيها سبعون طائرة من الجانبين واستمرت خمسين دقيقة كاملة ! وهى المعركة التي تم تدمير طائرات الفانتوم الإسرائيلية التي حاولت الدخول للعمق المصري بالإلتفاف بعيدا عن حائط الصواريخ المصري والدخول من ناحية البحر لضرب سبع مطارات مصرية في وقت واحد
وخسر الطيران الإسرائيلي محاولته وتكبد خسائر جسيمة بلغت 25 طائرة فانتوم وسكاى هوك في مقابل خسارة الجانب المصري لست طائرات فحسب ,
ولم ينجح الطيران الإسرائيلي في إنجاز مهمة تدمير أى مطار بعد أن تمكنت وحدات المهندسين من إصلاح وترميم الممرات المصابة في المعركة في وقت قياسي
ولم ييأس العدو وقام بتنفيذ طلعات كثيفة بلغت 166 طلعة جوية على ستة مراحل بغرض تدمير مطارى القطامية والمنصورة ومع ذلك ظل كلاهما داخل نطاق الخدمة طيلة أيام القتال
وهنا يجدر بنا تذكر تلك الشهادة التي ألقي بها طيار إسرائيلي وقع في الأسر بعد أن سقطت طائرته في المعارك الجوية وطلب اللواء ـ آنذاك ـ حسنى مبارك رؤية هذا الطيار ليسأله عن سبب ضعفه القتالى الذى لاحظه قائد القوات الجوية وهو يتابع المعركة من الأرض ,
وسأله حسنى مبارك : ماذا أصابكم ولماذا تغير مستواكم إلى هذا الحد ؟!
فقال له الطيار : سيدى .. نحن لم نتغير .. أنتم الذين تغيرتم !!
وكان الرئيس السادات يروى هذه القصة مفتخرا [3]
وبلغت خسائر إسرائيل فى القوات الجوية حدا أضاع الروح المعنوية للطيارين والشعب على حد سواء لما تتمتع به القوات الجوية الإسرائيلية من سمعة الحماية بالتقدم التكنولوجى لطائرات الفانتوم وسكاى هوك والتقدم التدريبي ,
لكن سقط كل هذا فى مواجهة طائرات الميج السوفيتية بقادتها المصريين الشبان الذين لم يتجاوزوا عمر الزهور وتم تخريجهم فى سنوات دراسة أقل إلى الثلث من المعدل الطبيعى لتغذية القوات الجوية المصرية
فتمكنت مصر من إسقاط 25 طائرة فانتوم خلال ثانى أيام القتال وحده فضلا على العشرات التى سقطت بفعل الدفاع الجوى وقائده الفذ محمد على فهمى ,
وبلغ عدد ساعات الطيران فى الأسبوع الأول لحرب قرابة 3000 طلعة , كانت تتم فى أغلبها والطيارون فى طائراتهم لا يغادرونها أثناء إعادة الملئ والتسليح !
ولم تخل المعارك الجوية من أخطاء إسرائيلية ساذجة اتخذ منها الطيارون المصريون وسيلة للقفشات والنكات فيما بينهم ,
ففي أيام القتال الأولى حذر قائد السلاح الجوى الإسرائيلي الجنرال بنيامين بيلد طياريه من أن مصر حصلت على بعض طائرات الميراج الذى يستخدمها سلاح الجو الإسرائيلي وطلتها بنفس ألوان وعلامات الطيران الإسرائيلي لخداع الطائرات الإسرائيلية ومهاجمتها ,
وتلقي الطيارون الإسرائيليون هذا التحذير باهتمام لعدم الوقوع فى الخديعة ,
وفى إحدى الهجمات الإسرائيلية على القطاع الشمالى انقسمت الطائرات المهاجمة إلى قسمين من الفانتوم والميراج واندفعت طائرات الميراج فى الدفعة الأولى لتنفيذ الضربة الأولى على أن تتبعها الفانتوم
ففوجئت الميراج بصواريخ سام 6 التى كانت إحدى المفاجآت الكبري لإسرائيل نظرا لعدم علمها بحصول مصر عليها أصلا,
ففرت الميراج على الفور بعد سقوط بعضها للخلاص من فخ الدفاع الجوى المصري
وفوجئ طيارو الموجة الثانية بطائرات ميراج تخرج إلى السماء فى مواجهتهم وهى تحمل نفس علاماتهم ولكن قبل الموعد المحدد بكثير فظنوا أن هذه الطائرات هى الطائرات المصرية المتخفية واشتبكوا معها لتسقط أربع طائرات من الجانبين وتعلن إسرائيل فى بيانها العسكري سقوط طائرتين مصريتين بينما الطيران المصري نفسه غائب عن المعركة !
والخاسر الحقيقي كان الطيران الإسرائيلي الذى فوجئ بفقد أربع طائرات من التشكيل وكانت فضيحة !


الهوامش :
[1]ـ الحرب الرابعة على الجبهة المصرية ـ صلاح قبضايا ـ دار أخبار اليوم
[2]ـ العميل ألف وواحد ـ من ملفات المخابرات المصرية ـ د. نبيل فاروق ـ المؤسسة العربية الحديثة
[3]ـ أكتوبر 1973 ( السلاح والسياسة ) ـ مصدر سابق