عرض مشاركة واحدة
قديم 10-10-2010, 09:58 AM
المشاركة 14
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بدء العمليات وسقوط الأسطورة

لو تأملنا الشهادات السابقة من قيادات العدو أو القيادات العالمية أو حتى شهادات القادة المصريين الذين انبهروا بطريقة الأداء في عمليات العبور والنجاح المذهل لبداية العمليات ,
لوجدنا هنا نقطة اتفق عليها الجميع وهى أن ما حدث يوم السادس من أكتوبر كان شيئا فوق العادة ,
كان ـ على حد تعبير الرئيس السادات ـ معجزة على أى مقياس عسكري ,
والمعجزة تختلف عن التفوق ,
لأن التفوق مهما بلغ من النجاح فلابد من مبررات وأسباب منطقية تقف خلفه ويمكن تفسيرها ببراعة العنصر البشري , بينما المعجزة هى شيئ خارق للعادة لا يتكرر في أغلب الأحوال ويتميز بمخالفته للتوقع مهما بلغت دقته
وهذا بالضبط ما حدث في حرب أكتوبر بشتى مراحلها ,
والتفسير هنا مرهون بالعامل الذى يمكن لنا نحن فهمه ويمثل أمام الغرب ثقافة غير مفهومة , وهو عامل الإيمان المتدفق وعشق الشهادة والبحث عن الموت في سبيل الله ,
هذا العامل الذى لم تتفهمه القيادات الإسرائيلية وهى تبحث عن خرافة حبوب الشجاعة التي تناولها المصريون قبل اقتحام خط بارليف في محاولة منهم لتبرير فرار جنودهم القابعين خلف مواقعهم الحصينة وتركهم لتلك المواقف والفرار في هلع مذعور من جنود المشاة الذين لم يكن في أيديهم إلا الأسلحة الخفيفة !
لكن السبب كما شرحه بعض العسكريين الإسرائيليين الفارين من جحيم الساعات الأولى للحرب
[1] وقال إنه لن يعود لهذا الجحيم وأنه على استعداد للوقوف أمام محكمة عسكرية لكنه ليس على استعداد للعودة إلى هناك ,

كان العامل بلا شك هو دفقة الإيمان التي فجرها لجنود بصيحة ( الله أكبر ) التي صدرت منهم فور رؤيتهم لطائرات الضربة الجوية الأولى تعبر فوق صفوفهم المتراصة قبيل الإقتحام , فرددوها كصيحة جبارة هادرة انتزعت قلوب الإسرائيليين ودفعتهم لهذا الفرار غير المبرر عسكريا والمبرر ـ بلا شك ـ إنسانيا
يقول تعالى :
[قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ] {التوبة:14}
ويقول تعالى
[إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ] {الأنفال:12}
هذا هو التفسير إذا أمامنا مبسوط صراحة في آيات القرآن الكريم , بعكس النداءات الغريبة التي رددتها الأبواق العلمانية بعد ظهور العامل الإيمانى في الحرب , وقالوا بأن عزو النصر للقدرة الإلهية فيه إجحاف للإنجاز الإنسانى الذى أبرزته قوة الجيش المصري !!
دون أن يسأل هذا القائل نفسه وأين كان هذا الإنجاز في حرب النكسة مثلا ؟!
ودون أن يقدم القائل تفسيرا عسكريا علميا دقيقا لهذا الإنجاز المذهل الذى وقف أمامه الخبراء عاجزون عن تكييفه وهم يحصون العشرات من النظريات العسكرية الثابتة التي دمرتها القوات المصرية بالأداء الخرافي ؟!
ودون أن يجيبنا القائل عن مبرر صيحة الجنود ( الله أكبر ) مسلمين ومسيحيين على حد سواء وهم يقتحمون الحصون المنيعة بأجسادهم الحية ويلقون أنفسهم في أتون النيران بفدائية غير مسبوقة ؟!
وما هو المبرر الدنيوى الذى يمكن أن يقف خلف هذا الفعل العظيم , وأى مبرر يمكنه تفسير ذلك إلا الإيمان العميق الصادق الهادف للجنة والموت في سبيل الله والوطن ؟!
وما هو المبرر الذى جعل اللواء محمد عبد المنعم واصل يختار كلماته التي يوجه بها الجيش الثالث الميدانى لبدء العمليات فيضمنها أربع آيات من القرآن الكريم لم يجد أكثر منها تحفيزا كى يجهز جنوده للمعركة ,
وما هو المبرر الذى يمكن أن يفسر البطولات الفردية المذهلة التي دفعت بالعقيد أحمد زدد إلى اقتحام إحدى نقاط خط بارليف المستعصية بجسده وألقي نفسه على المدفع الدوار لتمزق الرصاصات أحشاءه فيمسكها بيده حتى اقتلع المدفع الذى يمنعهم من الإقتحام ثم حمل أحشاءه لعدة أمتار وهو يتبادل النيران مع قوات العدو حتى أتم تطهير النقطة وأسلم الروح بعد ذلك ,
وما هو المبرر الذى يمكن أن يقف خلف بطل مثل العميد إبراهيم الرفاعى ضابط الصاعقة الأسطورى قائد المجموعة ( 39 ) قتال إلى مواجهة رتل من دبابات العدو منفردا ومندفعا نحوه لا فارا منه حتى استشهد بعد أن أدى واجبه ؟!
وإذا كان للأمر مبرر منطقي أو إنسانى أو بشري
فلماذا لم نسمع عن تلك الصور المذهلة للبطولات الفردية إلا في الجيوش الإسلامية والتى أعاد الجيش العربي صورتها إلى الأذهان في معركة أكتوبر المسماة بالعملية ( بدر ) تيمنا ببدر الكبري التي شهدت بداية الأسطورة القتالية الإسلامية عندما تغلب ثلثمائة مقاتل على ألف فارس من صناديد قريش !
لم نجد إلا في التاريخ الإسلامى معجزات فدائية مثل البراء بن مالك الذى شارك في معركة الحديقة ضد جيش مسيلمة الكذاب وعندما تحصن العدو بها طلب من زملائه أن يلقوه عليهم وحده من فوق أسوار الحصن !
وفعلها واقتحم الحصن وتغلب على حرس الأبواب وفتح أحدها وفى جسده مائة طعنة سيف وضربة رمح !!
فشهدت حرب أكتوبر مثل تلك المعجزات الإيمانية منذ صدور قرار بدء العمليات وحتى وقف إطلاق النار




الهوامش :
[1] ـ حرب أكتوبر ( شهادة إسرائيلية ) ـ وجيه أبو ذكرى ـ دار أخبار اليوم