عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
7

المشاهدات
1206
 
ثريا نبوي
المراقب اللغوي العام
الشعراء العرب

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية التميز الألفية الأولى القسم المميز شاعر مميز المشرف المميز 
مجموع الاوسمة: 8


ثريا نبوي will become famous soon enough

    موجود

المشاركات
6,125

+التقييم
4.66

تاريخ التسجيل
Oct 2020

الاقامة

رقم العضوية
16283
01-14-2022, 01:24 AM
المشاركة 1
01-14-2022, 01:24 AM
المشاركة 1
افتراضي السهرَورديُّ القتيل
السهرَورديُّ القتيل

لم تكن نقمة العلماء والفقهاء على السهروردي بسبب الاختلاف الفكري فقط، بل لأنه كشف أمام الملك الظاهر جهلهم أيضاً، ونافسهم على مجالسة الملك وصداقته، وقد علموا - ولا ريب - أن السهروردي إذا تمكّن من قلب الملك فسيخسرون مناصبهم ونفوذهم، فقرروا كما أوضح فخر الدين أن يقضوا عليه ليس فكريًّا فقط، وإنما أن يقتلوه جسداً وفكراً. وكان صلاح الدين أحوج الناس في ذلك الوقت إلى وحدة الصف في دولته المترامية الأطراف، والتي كانت تخوض مواجهة حامية ضد الفرنج غرباً، وصراعاً خفيًّا ضد الزنكيين في الموصل وأطرافها، وضد السلاجقة في الأناضول، بل أحياناً كانت ثمة خلافاتٌ تحت الرماد مع بطانة الخليفة العباسي نفسه في بغداد. وكان الفقهاء والعلماء والمدرسون هم جيشه الضارب في تحقيق تماسك صفه الداخلي، فهم الذين يمسكون الجماهير من خناقها في كل عصر، ويوجّهونها الوجهة التي يريدونها. وأحسب أن صلاح الدين - وهو السلطان السني الشافعي الأشعري - أخذ كل هذه المعطيات بعين الاعتبار، وأرسل إلى ولده الملك الظاهر بحلب كتاباً بخط القاضي الفاضل يقول فيه: " إن هذا الشاب السهروردي لا بد من قتله، ولا سبيل أنه يُطلَق، ولا يبقى بوجه من الوجوه ". إذن، قد حُكم على السهروردي بالموت. لكن كيف تمّ تنفيذ الحكم؟! الروايات في هذا الصدد مختلفة. ولعل أصحها هو ما أورده ابن أبي أُصَيْبعة، أنه قال: " ولما بلغ الشهاب ذلك، وأيقن أنه يُقتل، وليس جهة إلى الإفراج عنه، اختار أن يُترك في مكان منفرد، ويُمنع من الطعام والشراب، إلى أن يلقى الله تعالى. ففُعل به ذلك، وكان في أواخر سنة (586 هـ) بقلعة حلب، وكان عمره نحو ست وثلاثين سنة ".
وكأنما السهروردي قد تنبّأ بالمصير الذي سيلقاه في قصيدة جاء فيها:

أبــــــدًا تحــنّ إليكــــــمُ الأرواحُ = ووصـالكمْ رَيحــــانُها والراحُ
وقلوبُ أهل وِدادكمْ تشتاقكـمْ = وإلى لذيذ لقـــائكمْ ترتاحُ
وارحمــــةً للعاشقـين! تكلّفوا = سترَ المحبّة، والهـوى فضّاحُ
بالسرّ لو باحوا تباحُ دماؤهمْ = وكذا دمـــــاءُ العاشقين تُباحُ

ألا إنه بقدر ما تعرف؛ تقترب من الحقيقة. وبقدر ما تقترب من الحقيقة؛ تختلف مع الآخرين. لا أقصد كل الآخرين، وإنما أقصد الآخرين النمطيين. أولئك الذي يرتعدون هلعاً من انطلاقات الفكر الحر.
لقد دفع السهروردي حياته ثمناً لأفكاره وفلسفته. بل ثمناً لشجاعته الفكرية؛ لكنه ربح موقعاً ناصعاً في سجل الخالدين.