عرض مشاركة واحدة
قديم 10-07-2010, 05:42 PM
المشاركة 10
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الخطة والإعداد ..


كانت الخطوط الإستراتيجية التي قامت بها مصر من أعلى المستويات إلى أدناها على أكبر درجة من التعقيد والكفاءة بشكل مذهل استحق معه العرب منذ تلك اللحظة أن يعيد الغرب دراساته عليهم من جديد
ليس فقط من حيث مستوى التخطيط السري والتمويه الذى تفوقت به مصر وسوريا على الموساد الإسرائيلي وأجهزة المخابرات الأمريكية العملاقة بكل إمكانيتها التقنية المرعبة والتى لم تفد شيئا لحظة قيام الحرب ..
مما تسبب في المواقف المضحكة لكبار مسئولى الدولتين حيث كان رئيس الأركان الإسرائيلي قبيل قيام الحرب مباشرة يؤكد في مؤتمر صحفي عدم قدرة مصر على الهجوم وأن إسرائيل من ناحيتها لن تبادر بإشعال الموقف
وأثناء إلقائه هذه الكلمات كانت الطائرات المصرية تدك حصون العدو في سيناء والدبابات السورية تقتحم الجولان في شجاعة مذهلة .. ودخلت برقية الأنباء لرئيس الأركان ليصيبه الذهول وغادر القاعة على الفور
وفى الولايات المتحدة وقبل الحرب بأيام طلب هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى تقرير أجهزة المخابرات الأمريكية عن احتمال اشتعال المعارك وتلقي تأكيدا بالنفي على أعلى المستويات ,
وفى الساعة الثانية من بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر وكانت توافق التاسعة صباحا بتوقيت الولايات المتحدة , دخلت سكرتارية كيسنجر لايقاظه بصفة عاجلة حاملة أنباء قيام الحرب في الشرق الأوسط !!

ليس على هذا المستوى وحده كان التفوق المصري والسورى , بل كان التفوق يتدرج على سائر المستويات وحتى أصغر جندى حتى أنه يمكننا القول بإطمئنان كامل أن كل جندى وكل عامل شارك في تلك المنظومة الهائلة قام بدوره بالفعل على أعلى مستويات الكمال والدقة دون أدنى خطأ !
ومن المستحيل أن يكون هذا الإعجاز الذى بذل حد الكمال مرهونا بالإرادة البشرية وحدها بقدر ما هو الإخلاص والإيمان الذى كانت تحركه العقيدة الإسلامية في نفوس المقاتلين ليظهروا على هذا النحو الذى أبهر قادة العدو أنفسهم وعبر عنه أعتى جنرالاتهم وهو آريل شارون الذى استضافه التليفزيون البريطانى وأخذت المذيعة تعدد أمامه أسباب التفوق المتوقعة للقوات العربية المقاتلة وتسأله ف حيرة عن السبب الحقيقي لتلك المفاجأة
فقال شارون :
( كل ما ذكرتيه وتناوله الإعلام في الأيام السابقة في حرب يوم كيبور [1] عبارة عن مظاهر لهذا التفوق من حيث التخطيط لكن السبب والمفاجأة الحقيقية لنا فى تلك الحرب حقيقة هى طبيعة الجندى المصري نفسه , لقد واجهنا هذا الجندى فى حرب 56 وحرب 67 ولم يكن أبدا بمثل هذه القدرة المذهلة من الكفاءة والإنتحارية .. هذا فى رأيي هو المفاجأة الحقيقية والعامل الحاسم الذى تفوق به المصريون )[2]

وكلمات شارون حقيقية رغم أنها تحتاج تعديلا بسيطا وهو أن الإسرائيليين لم يواجهوا الجندى المصري الحقيقي فى حرب يونيو أو حرب السويس , لم يواجهوا الجندى المدرب تدريبا عادلا حيث كانت حالة الجيش المصري فى تلك الفترة أبعد ما تكون عن التدريب والتأهيل الحديث الذى ينبغي أن يكون عليه المقاتل وتظهر فيه براعته
هذه البراعة الذى جعلته يتفوق بمراحل على الجندى الإسرائيلي عندما تعادلت الكفتان فى مستوى التدريب والسلاح ,

وفى مجال التخطيط الحربي فإن القوات المسلحة المصرية بتعاون قادتها جميعا على مراحل الخطة وسبل التعامل مع عوائق العبور ضربت أعلى مثل من الكفاءة العسكرية الخلاقة التى اخترقت العلم الحديث بالموهبة الجسورة الذى تجد لكل المشكلات المستعصية حلولا سحرية ليؤكد المقاتل المصري على أن السلاح بالرجل وليس الرجل بالسلاح ,
وقد سجل اللواء محمد عبد الغنى الجمسي رئيس هيئة العمليات بالجيش المصري تفاصيل الخطة والحلول المتفق عليها فى كراسة كانت معروفة فيما بعد باسم ( كشكول الجمسي ) لم تكن تفارق كف رئيس هيئة العمليات المهيب الذى أطلقت عليه إسرائيل اسم ( الجنرال النحيف المخيف )
وقد تضمنت الحلول عبقرية فذة تمثلت فيما يلي :
أولا : بالنسبة لتكنولوجيا المراقبة والرصد والتتبع التى كانت تمتلكها إسرائيل أو أقمار المراقبة الأمريكية التى تخدم الإسرائيليين لنفس الهدف كانت الحلول مبتكرة إلى أقصي حد ,
فالحشود المقررة على الجبهة المصرية تلقي قادتها أوامر مشددة للغاية باتباع جدول دقيق للتحرك والتوقف والسرعات من المناطق العسكرية المختلفة إلى الجبهة بحيث يكون تحركها فى غياب المجال الجوى للرقابة من الأقمار الأمريكية والذى حدده علماؤنا بدقة متناهية ,
وتغلب الجيش المصري على أساليب التصنت الإليكترونى بأسلوب غاية فى البراعة حيث تم فرض صمت لاسلكى كامل على جميع الوحدات البحرية ووحدات الصاعقة التى بدأ تحركها قبل ساعة الصفر ولم يُسمح لتلك الوحدات باستخدام اللاسكى أصلا وخرجت فى مهماتها المحفوظة مسبقا حيث قامت تلك الوحدات بمهماتها فعليا دون أن تدرى أو تملك التراجع فى حالة عدم قيام الحرب وهو ما نفذته وحدات البحرية التى خرجت قبل يومين من المعركة لغلق مضيق باب المندب أمام البحرية الإسرائيلية , وكذلك بالنسبة لوحدات الصاعقة التى إسقاطها قبل ساعات من العبور خلف خطوط العدو لتعطيل سيطرته على المضايق فى سيناء
وبهذا الحل البسيط نزع الجيش المصري كل التفوق التكنولوجى الذى تميز به العدو فى مراقبة الإتصالات
أما بالنسبة لمحطة الرصد المتقدمة فى سيناء والتى كان من الممكن أن تكشف إقلاع طائرات الضربة الجوية الأولى فقد تمكنت المخابرات المصرية من تعطيلها قبل ساعة واحدة من ساعة الصفر عن طريق أحد عملائها وبالتالى لم تعط المحظة الإنذار المناسب عند قيام الطائرات المصرية لأن المحطة كانت تعانى من فصل فى الطاقة الكهربية فى ذلك الوقت وهو الفصل الذى تعمده بالطبع عميل المخابرات المصرية الذى تم تجنيده
أما أساليب الرصد المباشر فتصرفت فيها القيادة عن طريق حل بسيط وهو نقل معدات وورش صيانة المعدات إلى الجبهة قبل فترة كافية من موعد العمليات بحيث أصبح معتادا أن تصاب الدبابات بأعطال مختلفة وتذهب فى حشود علنية إلى مراكز الإصلاح المتقدمة فى الجبهة وهو ما وفر لتلك الدبابات تمركزها أمام أعين العدو دون أن يدرك الهدف من هذا ,
أما معدات العبور فقد تم وضعها فى الجبهة فى هياكل خشبية معدة كأهداف مموهة أمام الطيران الإسرائيلي , وسربت القيادة المصرية لإسرائيل أن تلك المعدات الهيكلية معدة لخداع ضربات العدو كما هو معتاد فى الحروب
وبالطبع ضحك الإسرائيليون من سذاجة المصريين ولم يضربوا هذه الأهداف ولم يتبينوا حقيقة الخدعة إلا يوم العبور حيث خرجت معدات العبور كاملة من قلب تلك الهياكل الخداعية


الهوامش
[1]ـ حرب يوم كيبور أو يوم الغفران هو اسم حرب أكتوبر كما تسميها إسرائيل لأنها تمت فى عيد الغفران اليهودى
[2]ـ حراس الهيكل ـ فريد الفالوجى ـ دار أطلس للنشر والتوزيع