الموضوع: طريق الحرير
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
1

المشاهدات
798
 
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8


عبد الكريم الزين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
14,144

+التقييم
11.08

تاريخ التسجيل
Dec 2020

الاقامة
المغرب

رقم العضوية
16516
08-21-2021, 04:59 PM
المشاركة 1
08-21-2021, 04:59 PM
المشاركة 1
افتراضي طريق الحرير
مع احتدام الصراع الاقتصادي بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، أصبح "طريق الحرير الجديد"، الذي تسعى الصين جاهدة لإنشائه من أهم وسائل المنافسة على الريادة والسبق في فضاء الاقتصاد العالمي، والمشروع ينبني أساسا على إحياء مجموعة من الطرق المترابطة التي كانت تسلكها القوافل والسفن، وتمرّ عبر جنوب آسيا رابطةً تشآن (والتي كانت تعرف بتشانغ آن) في الصين مع أنطاكية في تركيا بالإضافة إلى مواقع أخرى. وكان تأثيرها يمتد حتى كوريا واليابان.

كان لطريق الحرير تأثير كبير على ازدهار كثير من الحضارات القديمة مثل الصينية والحضارة المصرية والهندية والرومانية، حتى أنها أرست القواعد للعصر الحديث. ويمتد طريق الحرير من المراكز التجارية في شمال الصين حيث ينقسم إلى فرعين شمالي وجنوبي. ويمرّ الفرع الشمالي من منطقة بلغار-كيبتشاك وعبر شرق أوروبا وشبه جزيرة القرم وحتى البحر الأسود وبحر مرمرة والبلقان ووصولاً للبندقية، أمّا الفرع الجنوبي فيمرّ من تركستان وخراسان وعبر بلاد ما بين النهرين والعراق والأناضول وسوريا عبر تدمر وأنطاكية إلى البحر الأبيض المتوسط أو عبر دمشق وبلاد الشام إلى مصر وشمال أفريقيا.

فقد اكتشف الصينيون صناعة الحرير حوالي سنة 3000 قبل الميلاد، وعرفوا في هذا الوقت المبكر فنوناً مبهرة لإتقان صنعته وتطريزه. وقد أذهلت هذه الصناعة الناس قديماً، فسعوا لاقتناء الحرير بشتى السبل، حتى أنهم كانوا يحصلون عليه مقابل وزنه بالأحجار الكريمة. وقبل خمسة آلاف سنة، بدأ الحرير يأخذ طريقه من الصين إلى أرجاء العالم. ليس الحرير وحده بالطبع، وإنما رافقته بضائع كثيرة، مالبث انتقالها من الصين وأقاصي آسيا إلى أواسط آسيا وشمال أفريقيا ووسط أوروبا أن اتخذ مسارات محددة، عرفت منذ الزمن القديم باسم طريق الحرير. في واقع الأمر، فإن طريق الحرير لم يكن طريقاً واحداً، وإنما شبكة من الطرق الفرعية التي تصب في طرق أكبر أو بالأحرى في طريقين كبيرين، أحدهما شمالي (صيفي) والآخر شتوي كانوا يسلكونه في زمن الشتاء. والذي يجمع بين هذه السبل والمسارات جميعاً هو أنها مسالك للقوافل المتجهة من الشرق إلى جهة الغرب، لتمر في طريقها ببلدان ما لبثت أن ازدهرت مع ازدهار هذا الطريق التجاري الأكثر شهرة في العالم القديم. وقد انتظمت مسارات طريق الحرير منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وظلت منتظمةً لألف وخمسمائة سنة تالية، كان طريق الحرير خلالها معبراً ثقافياً واجتماعياً ذا أثر عميق في المناطق التي يمر بها. لم يتوقف شأن طريق الحرير على كونه سبيل تجارة بين الأمم والشعوب القديمة، وإنما تجاوز (الاقتصاد العالمي) إلى آفاق إنسانية أخرى، فانتقلت عبره الديانات فعرف العالم البوذية وعرفت آسيا الإسلام وانتقل عبره البارود فعرفت الأمم الحروب المحتدمة المدمرة، وانتقل عبره الورق فحدثت طفرة كبرى في تراث الإنسانية مع النشاط التدويني الواسع الذي سَهَّل الورقُ أمره، وانتقلت عبره أنماط من (النظم الاجتماعية) التي لولاه كانت ستظل مدفونة في حواضر وسط آسيا. غير أن النشاط الاقتصادي، ظل دوماً هو العاملُ الأهم والأظهر أثراً. ويكفى لبيان أثره وأهميته، أن طريق الحرير أدَّى إلى تراكم المخزون العالمي من الذهب في الصين، حتى أنه بحلول القرن العاشر الميلادي، صارت الصين وحدها، تمتلك من مخزون الذهب قدراً أكبر مما تمتلكه الدول الأوروبية مجتمعة. ومن اليابسة إلى البحر، انتقل الاقتصاد العالمي نقلةً كبيرة مع اكتشاف التجار أن المسارات البحرية أكثر أمناً من الطرق البرية. وقد تزامن ذلك مع اشتعال الحروب المغولية - الإسلامية بقلب آسيا. وشيئاً فشيئاً، اندثرت معالم طريق الحرير وصارت البضائع والثقافات الإنسانية تنتقل في مسارات بحرية منتظمة، تتجه عبر المحيط الهندي من آسيا الجنوبية، إلى شمال أفريقيا مروراً بالبحر الأحمر، لتستلم القوافلُ البرية البضائع من آخر نقطة في خليج السويس، لتنقلها إلى المراكب الراسية في ثغر دمياط وما حوله من موانئ. وفي هذا الزمان، كان المماليك حكام مصر يتقاضون رسوماً عالية مقابل هذه (الوصلة) حتى أنهم كانوا مثلاً يحصِّلون على الفلفل الأسود وزنه ذهباً. وازدهرت مصر المملوكية حيناً من الدهر، حتى اكتشف طريق رأس الرجاء الصالح، فصارت السفن تحفُّ جنوب آسيا، لتمر بحواف أفريقيا، فترسو على موانئ شبه جزيرة أيبيريا. فازدهرت البرتغال وإسبانيا، وانطفأت مصر أواخر عصرها المملوكي وخلال عصرها العثماني. ولما افتتحت قناة السويس، واتصل المسارُ البحري الآتي من آسيا إلى أوروبا، تغيَّر الحال.

وفي سبتمبر 2013، وضمن زيارة إلى كازاخستان أعلن الرئيس الصيني عن خطة لتأسيس طريق حرير جديد يصل الصين بأوروبا عرف بـ One Belt, One Roadيصل بين 60 دولة باستثمارات متوقعة تتراوح بين 4 و8 تريليون دولار، ويستهدف المشروع تعزيز التجارة بين آسيا وأوروبا وإفريقيا.

منقول بتصرف