الموضوع
:
أرنست همنغواي (1899 ـ 1961)
عرض مشاركة واحدة
10-01-2010, 10:35 PM
المشاركة
3
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 5
تاريخ الإنضمام :
Jan 2007
رقم العضوية :
2765
المشاركات:
4,272
رواية "الشيخ والبحر"
في البدء يجب أن نتساءل, لماذا هذا الصراع بين شيخ طاعن في السن, تكاد تكون أيامه معدودة, وبين بحر لا بل محيط؟ وهو هنا المحيط الأطلسي, بحر الظلمات كما كان يسميه العرب, وعلى الرغم من العزيمة الفريدة لدى الشيخ, والقوة الجسدية, فإن البحر بأمواجه وطيوره وأسماكه هو العالم الأقوى والأكثر خلوداً. علماً بأن الشيخ مؤمن بالغيب, والقدر وسلطة النجوم وقوة الحظ.
ولا يوجد لدى الشيخ معين واحد, حتى الصبي الذي كان يساعده تخلى عنه, لأن والديه طلبا منه ذلك, إذ اعتبر الشيخ منحوساً, ويجب الابتعاد عنه. وكان عمر الصبي عندما رافق الشيخ لأول مرة خمس سنوات, ولذلك فإن الصبي لا يرغب بترك الشيخ, ويحبه ويريد لـه الخير, ويطالبه بالاهتمام بصحته, يعلم الشيخ أنه لم يعد بصحة جيدة. في هذه الرواية ثنائية بين شخصين شخص متقدم في السن, وآخر في مطلع حياته ولكنهما ليسا متناقضين, بقدر ما هما متكاملان, كل منهما يكمل الآخر, الشيخ يشعر بحاجته لهذا الصبي, وكذلك الصبي واسمه مانولين يشعر بحاجته للشيخ سانتياغو, الذي بدوره يبدو طفلاً أمام البحر أو المحيط, وهو الشيخ الحقيقي, هو العجوز الذي لا يريد أن يهرم أو يكبر. فإذا كان الصبي مانولين يشعر بصغره أمام الشيخ سانتياغو, فإن الشيخ يشعر بصغره أمام هذا البحر الكبير العميق, البحر كبير بمياهه وطيوره المتنوعة وأسماكه التي لا حصر لأشكالها, ويريد هذا العجوز ذو الإرادة القوية والعزيمة الصلبة, أن يصمد أمام تقلبات البحر, وأمام الحظ السيء, وأن يصطاد وأن يحصل على رزقه, وهو لا يسيء لأحد, ولكنه بحاجة للأسماك, التي تدافع عن حياتها بكل قواها, والتي يأكل بعضها البعض الآخر, أما البحر فهو باقٍ. كأن البحر لا يتأثر بما يجري في أعماقه, وتموت سمكة, تأكل واحدة الأخرى, يصطاد صياد سمكة معينة, والبحر كأنه لا يكترث لكل هذا, البحر واسع وعميق.
البحر هو الشخصية الأقوى في الرواية, هو يشبه الحياة على اليابسة, كل المخلوقات تبحث عن رزقها, بهذا لا يختلف الشيخ عن الطفل, عن السمكة الكبيرة أو الصغيرة, كل ما هنالك أن الشيخ يخطط للبحث عن رزقه, أما الأسماك فتتصرف بالغريزة, الإنسان يبني بيته بعد أن يضع مخططاً لذلك. أما العنكبوت فيبني بيته دون تخطيط أي بالغريزة.
تبدأ الرواية بحكاية الشيخ سنتياغو وهو صياد كوبي, ولقد أمضى أربعين يوماً دون أن يصطاد سمكة واحدة, ولذلك تركه الصبي مانولين, الذي أخذ يعمل في قارب آخر, واصطاد ثلاث سمكات. أما العجوز فكان يعود كل يوم دون أن يصطاد شيئاً.
وأراد الصبي أن يعود إلى معلمه العجوز متذكراً أنه مرت فترة لم يصطادا فيها شيئاً خلا سبعةٍ وثمانين يوماً, وبعد ذلك أخذا يصطادان سمكاً كبيراً بكميات كثيرة مدة ثلاثة أسابيع.
وفهم العجوز أن الصبي تركه مرغماً, وأمضى العجوز أربعةً وثمانين يوماً دون أن يصطاد شيئاً, وفي اليوم الخامس والثمانين, تقدم بعيداً في المحيط, وكان يبحث عن رزقه, ورزقه هنا الأسماك, وكذلك كانت الأسماك على اختلاف أنواعها وأحجامها تبحث عن طعامها, وكذلك الطيور, وحتى الغلام أيضاً يبحث عن رزقه, ويقول العجوز عن نفسه: "إنه عجوز غريب"(6).
ويصطاد في نهاية المطاف سمكة كبيرة جداً, غريبة في حجمها, بعد أن أمضى فترة طويلة دون أن يصطاد شيئاً, وهذا أمر غريب أيضاً, وكان الشيخ وهو في عرض البحر يتأمل في حياة العصافير الصغيرة, ويتساءل كيف لها أن تتحمل قسوة الحياة مع تقلبات البحر.
وكان هذا الشيخ الوحيد يكلم نفسه أحياناً, وبصوت عالٍ, لأنه لا يجد من يتحدث معه.
"لو سمعني الناس أتكلم بصوت مرتفعٍ إذن لظنوا أنني معتوه. ولكن ما دمت غير معتوه, فلست أبالي بظنونهم..."(7) وعندما اصطاد السمكة الكبيرة, كانت تجره إلى الأمام بشكل أفقي, إلى مسافات بعيدة. وحمد الله أن السمكة لا تجره إلى أعماق البحر, وكان يعلم أن معركته مع البحر نفسه, ويلوم نفسه لأنه يقارع البحر وحيداً, لأنه ابتعد كثيراً عن الشاطىء, فكأن الشاطىء يعني الأمان, ويتحسس بضعفه أمام السمكة, وكان طيلة أيامه في عرض البحر لا ينسى الصبي مانولين, ويرى لو أن الصبي كان معه لتغيرت النتيجة, ويتأمل البحر الذي يجده يشبه اليابسة, ففيه الأسماك الكبيرة والصغيرة, وفيه الأسماك المراوغة التي تدافع عن نفسها بالمكر والخداع.
ولكي يعزز ثقته بنفسه, تذكر مباراةً جرت بينه وبين أحد الزنوج في الدار البيضاء في المغرب العربي, وهي لعبة لوي اليد, واستمرت اللعبة ساعات دون أن ينتصر أحد على الآخر. وكاد الزنجي أن يلوي يد سانتياغو, إلا أن سانتياغو صبر وصبر وانتصر بعد ساعات طويلة وبعد جهد عظيم, وكادت المباراة تنتهي بالتساوي, ولكنه انتصر بعد مضي أربع وعشرين ساعة. وهذه الحكاية التي يتذكرها العجوز سانتياغو غريبة, فلقد استمرت المباراة مدة قياسية, أربعاً وعشرين ساعة, وفي مدينة الدار البيضاء, أي في الجانب الآخر للمحيط الأطلسي, في العالم القديم, وتجري أحداث رواية "الشيخ والبحر" في العالم الجديد, في سواحل هافانا, عاصمة كوبا.
استطاع العجوز سانتياغو بصعوبة كبيرة اصطياد سمكة كبيرة, إلا أن أسماك القرش أكلت نصفها في أثناء عودته إلى الشاطىء, وبعد ذلك التهمتها بكاملها, ولم يبق منها إلا عمودها الفقري.
وعاد إلى الشاطىء بعد أن كاد يضيع في عرض البحر, وكان منهك القوى, لدرجة أنه توقف وجلس على الأرض خمس مرات قبل أن يصل إلى المنزل, لأنه لم يستطع المشي بسبب التعب الشديد, ونام نوماً عميقاً, وكانت السلطات قد فتشت عنه في عرض البحر وأرسلت الطائرات العمودية تبحث عنه, إلا أنها لم تجده, لأن قاربه صغير, فلم تره. ويفرح الصبي مانولين بعودة معلمه السابق إلى الشاطىء, ويعده بأنه سوف يصطاد معه.
يقول الدكتور نبيل الشريف في كتابه "روائع الأدب الأمريكي": "من أشهر أوجه أدب همنغواي وجود بطل ذي ملامح خاصة, يسمى بطل همنغواي, ولهذا البطل فلسفته, أو نظامه الخاص في الحياة, فهو يواجه الحياة بشجاعة, مدركاً تفاهتها وانعدام معناها. ولذلك فهو لا يخلق لنفسه أية أوهام يخدع نفسه بها. وهو يعرف أن الحقيقة الكبرى في الحياة هي الموت, ويعرف أن عليه أن يواجهه بشجاعة ونبل...."(8).
حصل همنغواي عام 1954 على جائزة نوبل للآداب وجاء في قرار لجنة منح الجائزة المذكورة ما يلي: "كان قادراً على إبداع القصص المؤثرة ذات الإيقاع السريع في الحركة, والمدعمة بالبنى المعقدة, من الرمزية إلى الطبيعية... وقد ساهم هذا كله في طبع أفضل أعماله بطابع القصص التعليمية الشعبية دون التضحية بالحدث الدرامي".
يعد همنغواي من ممثلي المدرسة الواقعية الاشتراكية في الأدب التي أسسها الأديب الروسي مكسيم غوركي (1868ـ1936) وقدم همنغواي كثيراً لهذه المدرسة. إلا أنه لم يعش طويلاً إذ انتحر عام 1961 إذ بإفراغ رصاصة في فمه, وكان والده قد انتحر أيضاً, كما أسلفنا, عام 1929.
رد مع الإقتباس