الموضوع: آية وتفسير ~
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-30-2010, 08:52 PM
المشاركة 36
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج، أخبرني ابن أبي مليكة: أن أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، والقاسم بن محمد، أخبراه: أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، قسم ميراث أبيه عبد الرحمن، وعائشة حية، قالا: فلم يدع في الدار مسكيناً، ولا ذا قرابة، إلا أعطاه من ميراث أبيه، قالا: وتلا: { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } ، قال القاسم: فذكرت ذلك لابن عباس، فقال: ما أصاب، ليس ذلك له، إنما ذلك إلى الوصية، وإنما هذه الآية في الوصية، يريد: الميت يوصي لهم، رواه ابن أبي حاتم.



ذكر من قال: أن هذه الآية منسوخة بالكلية

قال سفيان الثوري: عن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما: { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } قال: منسوخة، وقال إسماعيل بن مسلم المكي: عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس، قال في هذه الآية: { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } نسختها الآية التي بعدها:
{ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىۤ أَوْلَـٰدِكُمْ }
[آل عمران: 10]. وقال العوفي: عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في هذه الآية: { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } كان ذلك قبل أن تنزل الفرائض، فأنزل الله بعد ذلك الفرائض، فأعطى كل ذي حق حقه، فجعلت الصدقة فيما سمى المتوفى، رواهن ابن مردويه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج عن ابن جريج، وعثمان بن عطاء عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينُ } نسختها آية الميراث، فجعل لكل إنسان نصيبه مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر. وحدثنا أسيد بن عاصم، حدثنا سعيد بن عامر عن همام، حدثنا قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال: إنها منسوخة، كانت قبل الفرائض، كان ما ترك الرجل من مال، أعطى منه اليتيم والفقير والمسكين وذوي القربى إذا حضروا القسمة، ثم نسخ بعد ذلك، نسختها المواريث، فألحق الله بكل ذي حق حقه، وصارت الوصية من ماله، يوصي بها لذوي قرابته حيث شاء. وقال مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: هي منسوخة، نسختها المواريث والوصية. وهكذا روي عن عكرمة وأبي الشعثاء والقاسم بن محمد وأبي صالح وأبي مالك وزيد بن أسلم والضحاك وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وربيعة بن أبي عبد الرحمن أنهم قالوا: إنها منسوخة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء والأئمة الأربعة وأصحابهم، وقد اختار ابن جرير ههنا قولاً غريباً جداً، وحاصله أن معنى الآية عنده { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } أي: وإذا حضر قسمة مال الوصية أولو قرابة الميت { فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ } لليتامى والمساكين إذا حضروا { قَوْلاً مَّعْرُوفًا } هذا مضمون ما حاوله بعد طول العبارة والتكرار، وفيه نظر، والله أعلم. وقال العوفي عن ابن عباس: { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } هي قسمة الميراث، وهكذا قال غير واحد، والمعنى على هذا لا على ما سلكه ابن جرير رحمه الله، بل المعنى: أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون، واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل، فإن أنفسهم تتوق إلى شيء منه إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ، وهم يائسون، لا شيء يعطونه، فأمر الله تعالى، وهو الرؤوف الرحيم، أن يرضخ لهم شيء من الوسط، يكون براً بهم، وصدقة عليهم، وإحساناً إليهم، وجبراً لكسرهم؛ كما قال الله تعالى:

{ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ }
[الأنعام: 141] وذم الذين ينقلون المال خفية خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة؛ كما أخبر عن أصحاب الجنة: { إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } أي: بليل. وقال:
{ فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَـٰفَتُونَ أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ }
[القلم: 23 ــــ 24] فـ
{ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَـٰفِرِينَ أَمْثَالُهَا }
[محمد: 10] فمن جحد حق الله عليه، عاقبه في أعز ما يملكه، ولهذا جاء في الحديث: " ما خالطت الصدقة مالاً إلا أفسدته " أي: منعها يكون سبب محق ذلك المال بالكلية، وقوله تعالى: { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } الآية. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هذا في الرجل يحضره الموت، فيسمعه رجل يوصي بوصية تضر بورثته، فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله، ويوقفه ويسدده للصواب، فينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة، وهكذا قال مجاهد وغير واحد، وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده، قال: يا رسول الله، إني ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال " لا " قال: فالشطر؟ قال " لا " قال: فالثلث؟ قال: " الثلث، والثلث كثير " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " وفي الصحيح عن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الثلث، والثلث كثير " قال الفقهاء: إن كان ورثة الميت أغنياء، استحب للميت أن يستوفي في وصيته الثلث، وإن كانوا فقراء، استحب أن ينقص الثلث، وقيل: المراد بالآية فليتقوا الله في مباشرة أموال اليتامى،
{ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً }
[النساء: 6]، حكاه ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس، وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلماً، أي: كما تحب أن تعامل ذريتك من بعدك، فعامل الناس في ذراريهم إذا وليتهم، ثم أعلمهم أن من أكل أموال اليتامى ظلماً، فإنما يأكل في بطنه ناراً؛ ولهذا قال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } أي: إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب، فإنما يأكلون ناراً تتأجج في بطونهم يوم القيامة.


يتبع ....

~ ويبقى الأمل ...