عرض مشاركة واحدة
قديم 09-26-2010, 01:56 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
المعادلة = سالب صفر " 7 "


العامة عندما سلكوا الاتجاه المعاكس فقدوا النتيجة الإيجابية ولم يجدوا فى نهاية تجربة العمر مقابلا يُذكر
أما فئة العلماء والمفكرين الذين اختاروا هذا الاتجاه لم تقتصر خسارتهم على سلبية النتيجة فحسب بل اكتسبت القيمة الصفرية لمعادلتهم صفة السالب ـ المعادلة المستحيلة ـ عندما بذلوا قصاري الجهد فى العلوم والفكر ولم يطلبوا به الآخرة , كما خسروه فى الدنيا أيضا عندما انكشف عراهم فانقلب الأمر من خسارة واحدة إلى خسارة على طول الخط
لأنهم ـ وهذا هو المثير للحنق ـ بذلوا كل شيئ وخسروا كل شيئ , فقدوا العمر فى تحصيل العلم ولم يجنوا كسبا دنيويا يتناسب معه , ولم يستطيعوا تذوق المكسب المعنوى الطبيعى لأهل العلم لأنهم أنفسهم غير مؤهلة لذلك فهى تطلب المدح والإطراء والشهرة
طلبوا الدنيا بمقومات الآخرة وجاء المقابل ضعيفا على غير ما تمنوه لأن المجتمع حاليا لا يعرف للعلماء أقدارهم فاستمروا فى تقديم التنازلات شيئا فشيئا حتى ألقوا كل ما لديهم على مائدة المقامرة .. ولم يكسبوا الرهان
فمائدة الرهان لا تعرف إلا الأرقام الموجبة
ومثل هؤلاء كمثل الذى قضي عمره للحصول على دكتوراه فى العلوم وقدمها ليعمل مذيعا فى احدى فضائيات هذه الأيام فلا هو أصبح عالما فى مجاله ولا شهادته أغنت عنه شيئا فى عمل لا تمثل فيه الدرجات العلمية مقدارا يذكر بل تصبح من عوامل السخرية
وهذا يثبت مدى حماقته عندما بطلب الدنيا بغير عواملها و فلو أنه طلب العمل الإعلامى بما يطلبه هذا العمل من لوازم لوفر الجهد والوقت على نفسه
لهذا فإن طالب الدنيا بتجارة الآخرة وزره أشد من طالب الدنيا بعوامل الدنيا وحدها , ومكسبه أفضل فعلى الأقل تمتع بطيبات الدنيا قبل خسارة الآخرة أما العالم الذى طلب الدنيا ببضاعة العلم فقد وضع نفسه فى معادلة المحارب لله ورسوله عليه الصلاة والسلام فخرج من دائرة العصيان إلى دائرة النكران وخابت مقاصده الدنيوية التى لا تحتاج علما بل تحتاج مراسا ودربة على التجارة بكل شيئ
و من دواعى الأسي أننا عندما نعدد الأمثلة على غياب الوعى بين الناس لا نستطيع أن نحصر أوجه التناقض مهما أخذنا فى التمثيل بعد التأصيل
وبمثل هذا أيضا فى الخاصة ,
فى العلماء والمفكرين وأصحاب المواهب لا نستطيع بأى حال أن نحصر مجرد الأمثلة على تعدد وجوه التناقض ونكتفي ـ مضطرين ـ بأمثلة محدودة تؤدى الغرض وتعبر عن نفس القضية وهى التناقض الذى نشأ عن مرض عام اسمه غياب الإيمان التطبيقي بالإضافة إلى قضية أكثر خطورة وهى عدم الاكتراث نهائيا بالعقيدة والمغامرة بها فى صراعات دنيوية عن عمد وعن علم !
وللتوضيح .. فإن العامة ـ رغم فداحة ما يعانون منه ـ إلا أنه يظل تناقضا أو نسيانا عن جهل أو عن جهالة " 8 " والجهل يسقط المسئولية والجهالة تكفل التوبة
بينما الخاصة ذوى العقول العالمة العارفة المغطى على بصيرتهم يفعلون ما يفعلون من تغييب متعمد لأجل أسباب الدنيا وهم أدرى الناس بقيمة الدنيا , وأدرى الناس بفداحة ما يفعلونه بالعامة وكل هذا بسبب مكسب دنيوى معنوى أو مادى يعتبر ثمنا بخسا للغاية إزاء تضحيتهم بما أعد الله للعلماء الربانيين ولمواجهة السعير جزاء كل عالم أو مفكر فاسد
والأمثلة متنوعة فى هذا السبيل , ويجمعهم جميعا أن فرصة الاختيار كانت متاحة أمامهم بمنتهى الحرية فاستحبوا الضلالة على الهدى
ولأن رب العزة لا يظلم أحدا ,
فإنه يُجلّى الصورة أمام العالم الذى يسلك غير سبيل المؤمنين مرة وأخرى وثالثة .. ويكون واضحا أمامه أنه يتاجر بالدين بمقابل الدنيا
فإن أصر على غلوائه طمس الله على بصيرته فأغلقها فيصبح من المستحيل أن يرجع عن غلوائه ولو ناظره ملك من السماء وهذا وعد الله لمن استحب الضلالة على الهدى حيث يصبح عناده مماثلا لعناد إبليس ـ لعنه الله ـ وهو يخاطب الله عز وجل فى عليائه ويعلم مصيره تمام العلم ومع ذلك يصر !!
ولا يوازى غباء إبليس إلا غباء هؤلاء الذين سلكوا طريق العلم الشائك البالغ الصعوبة عبر سنوات طوال ليبيعوا كل هذا بالتراب

أما الأمثلة فهم على ثلاثة أقسام فئة علماء السلطة وفئة علماء الفتنة وفئة المدعين الذين يتنوعون بين مدعين ذوى مواهب وآخرين على مبدأ خالف تعرف

الأول : فئة علماء السوء أو علماء السلطة الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا , وهم أولئك الذين باعوا أنفسهم وعلمهم طواعية لمن يدفع أكثر ومنحوا الشرعية المظهرية لأنظمة الاستبداد والفساد فى مقابل سيطرتهم على المؤسسة الدينية الرسمية التى انهارت الآن وفقدت ثقة الجماهير
وهناك العلماء الذين استجابوا لفتنة المال فدخلوا كشركاء مساندين لرجال المال والأعمال الذين دخلوا مجال الدين كتجار بطبيعتهم وعرضوا بضاعتهم فى سبيل الربح متخذين أسباب الانتشار والإعلان ومستخدمين أسماء العلماء الذين استجابوا لهم فى عملية الخداع المنظمة للجماهير ,
وليس المقصود هنا قطعا علماء ودعاة القنوات الفضائية فهؤلاء أغلبهم لا يتقاضي أجرا فيما يقدم , بل نعنى بذلك فئة العلماء والدعاة وحتى المدعين الذين اخترعوا لهم الأنشطة التجارية القائمة على برامج تفسير الأحلام وهواتف الفتاوى وبرامج الدعاية الدينية !! والتى تنافس إعلاناتها فى الشوارع والميادين إعلانات الأفلام السينمائية ولم يجد هؤلاء العلماء غضاضة فى أن يعملوا كواجهة إعلانية لدى قنوات تمارس فى نفس الوقت تجارة الغرائز بأغانى التلوث السمعى وأفلام التلوث البصري
ولم يجدوا تناقضا فى ذلك عندما تقدم نفس الشاشة برامج الفتاوى والأحكام فى وقت وبرامج الترفيه فى وقت آخر عملا بمبدأ " ساعة لربك وساعة لقلبك " !
ولم يجدوا حرجا أن يخلطوا بين الأمرين أيضا فى وقت ثالث عندما تقدم مذيعات الترفيه شيوخا أجلاء فى قضايا دينية و فتجد المذيعة من فريق الكاسيات العاريات والضيف الشيخ أمامها يتحدث عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر , ولا بأس من تجاهل مظهر المذيعة ما دام المقابل يعادل خمسة أضعاف راتب الشيخ فى عمله

الثانى : أما الأمثلة الأكبر ضررا والأخطر أثرا , فليست فى هؤلاء ـ لأنهم مكشوفون للجماهير التى أسقطتهم من حسابها ـ إنما تكمن الخطورة الحقيقية فى أولئك العلماء الذين اكتسبوا ثقة الناس لعلمهم الغزير غير أن خواتيم أعمالهم دلت فى وضوح على أنهم طلبوا الدنيا بالآخرة ,
وليتهم طلبوها لقاء المال كأقرانهم من علماء السلطة مثلا بل طلبوها للشهرة فقط , وللبقاء تحت دائرة الضوء الإعلامى وحسب , وفى سبيل ذلك خرجوا على الناس ـ وهم أعلم الناس بالعامة ـ بقضايا فارغة المضمون خطيرة المحتوى وألفوا بها كتبا وألقوا فيها خطبا غير عابئين بعصر التغييب الذى نعيش فيه والجهل الذى أصبح العامل المشترك الأعظم بين الناس وغير آبهين بدورهم الواجب عليهم فى تناول القضايا المفصلية فى الشريعة وتوعية الناس بها وغير مهتمين بما للناس من ثقة فيهم على نحو يضاعف أثرهم وبالتالى عندما يلجئون للفتنة وفتح القضايا المتشابهة " 9 " فى القرآن والسنة ومناقشتها علنا تحت زعم البحث العلمى والاجتهاد فإنهم يمارسون دورا أخطر من دور العلمانيين والملحدين , لأن هؤلاء ـ على الأقل ـ معرفون للناس بإلحادهم أما العلماء فكلمتهم مسموعة وأثرهم أفدح لو قلبوا ظهر المجن
وأمرهم أشبه بأمر فريق الأطباء أمام مريض بمرض خطير .. لو أنهم ناقشوا اختلافاتهم حول تشخيص مرضه وعلاجه على مرأى ومسمع منه سيفقد الثقة فيهم جميعا ويكون أثر ذلك على حالته أخطر من أثر المرض ذاته , لأن الواجب أن المناقشات تتم بمعزل عن المريض
وكذلك قضايا المتشابه ـ لا سيما العقائد ـ فإن فتحها أمام العامة لا ينتهى إلا فتنة الناس فى دينهم فتنة لا شك فيها مع انعدام مقومات العلم لديهم
وآخر تطبيق لأمثال تلك الفتن شهدناه فى تجربة العالم اللغوى الكبير الذى أقحم نفسه بلا مبرر فى قضايا غيبية غيبا مطلقا وخارج نطاق تخصصه وهى قضية بدء الخلق والتى تعتبر قضية اجتهادية محضة لا يمكن أن يجزم فيها عالم يحترم نفسه بشيئ لقوله تعالى
" ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا "
فجاء هذا العالم ينافي كل ما هو ثابت فى القرآن والسنة من أن آدم عليه السلام هو أول البشر ليفتى بأن آدم مولود لأب وأم ! وأصدر كتابه بعنوان " أبي آدم "
وهو ما لم يقل به أحد من سلف أو خلف ودلت الأحاديث الصحيحة الثابتة على أن آدم أول الجنس البشري , فاضطر هذا العالم تحت تأثير وضوح هذه الأحاديث إلى إنكار الثقة بالتراث الإسلامى كله من أول الأحاديث النبوية حتى مرويات التاريخ والسير ليمكنه تكييف آيات القرآن حسب ما يريد
فانظروا كيف بلغت به هواه إلى التردى درجة .. درجة حتى وصل ـ وهو الداعية الإسلامي صاحب الباع فى محاربة العلمانيين ـ إلى القول بأبشع أقوال العلمانيين وهى اتهام التراث كله بأنه خرافة خلقتها الإسرائيليات ! وذلك فقط حتى يشق طريقا لبدعته تلك التى لا يري فيها عاقل قضية من الأصل تستحق النقاش أو تستحق أن نشكك الناس فى عقائدهم لأجلها
فما هى قيمة إثارة تلك القضية وما هى الإضافة التى تعود بالنفع على المسلمين من مناقشة ذلك سواء أدبيا أو علميا أو تاريخيا !
هذا بالإضافة للنتيجة الأكبر وهى أن هذا الداعية بما له من ثقل فى مجال الفكر الإسلامي أصبح صيدا ثمينا لدعاة الفتنة كى يتخذوا من كتابه شهادة واضحة بأن التراث الإسلامى الذى لم نصل بعد إلى عشر قيمته , إنما هو زخرف لا يستحق النظر
وهى نتيجة لو قال بها أحد دعاة العلمانية لجلدوه فى الطرقات لما فى كلماته من تعد على أعلام الأمة الذين صانوا بيضة الدين حتى أوصلوه لنا كاملا ودفعوا مقابل ذلك دماءهم وأموالهم وجهدهم وأعمارهم
وهو الذى يدفعنا إلى نتيجة أكثر سخرية ومرارة , وهى أن التراث الإسلامى لقي الحظوة والبحث والتحقيق والنشر بالغرب وقدموه فى جامعاتهم واتخذوا منه محاريب للعلوم والفقه والفلسفة بينما يأتى من علماء المسلمين من يشطب على كل هذا التراث بجرة قلم وكأنه الأخير زمانه الآتى بما لم تأت به الأوائل
وتلك هى قمة عقدة العظمة ,
لأن هذا العالم لو تأمل بإنصاف فيما تعلمه من سير هؤلاء الأعلام لعرف أنه بدرجة علمه تلك التى يباهى بها عالم اليوم لا يصلح أن يكون طالب علم فى حلقاتهم , ولما وجد نفسه عاجزا عن الإضافة فى ظل تألق علماء السلف فى جميع المجالات حتى ما تركوا شيئا لمن بعدهم ـ إلا القليل ـ مما لا يقوى على الوصول إليه إلا المخلصين من علماء زماننا , اضطر لطلب الشهرة من باب آخر يكفل له الأمرين معا
التشكيك فى عبقرية هؤلاء الذين مثلوا أمامه عقدة نفسية , وجلب الشهرة بشيء تصوره يسجل اسمه فى التاريخ كمن سبقوه
والسؤال هنا ,
مثل هذا العالم كيف لم ينتبه إلى مدى التناقض الذى وقع فيه حتى النخاع وهو يماثل العلمانيين قولا وفعلا بينما يدعى ليل نهار أنه ضدهم ؟! ويعاند ويعادى زملاء السلاح من علماء الإسلام الذين تصدوا لأقواله وبينوها له بالرفق واللين ثم بالشدة أملا فى أن يثوب إلى رشده .. بلا فائدة
كيف لم يتأمل للحظة واحدة أنه يقف حيث وقف أعداء الأمس , وكيف لم ينظر إلى خاتمة عمله تلك وهو الذى يقرأ ليل نهار مفسرا وعالما بالقرآن الكريم الذى ما فتئت آياته تحذر من سوء الخاتمة واتباع الهوى
فهذا هو الذى يُسمى طمس البصيرة , والعالم إذا زل وجب عليه أن ينتبه لزلته سريعا ويتخذ الإجراء المناسب لها كى لا تغلبه نفسه فإن استجاب لنفسه فإن الزلة تتضاعف شيئا فشيئا مع انتصاره لباطل نفسه حتى تصبح خطيئة غير قابلة للغفران
وتأملوا كيف بدأت فتنة النفس عند هذا العالم بزلة صغيرة , مجرد فتح قضية لا يجوز تفجيرها أمام العامة فى زمن تجهل فيه مبادئ الإسلام الصحيح
فأخذت زاوية الخطأ تزداد شيئا فشيئا من مسافة سنتيمتر إلى ملاين الكيلومترات بين طرفي الزاوية عندما وصل به الأمر أن أصبح معول هدم للتراث ـ وهو المطالب بإحيائه ـ فقط لينتصر لوجهة نظره تحت تأثير العزة بالإثم وحتى يظل تحت الأضواء عالما متفردا كما يتصور