عرض مشاركة واحدة
قديم 09-25-2010, 04:01 AM
المشاركة 480
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تتضمن الآية(179) من سورة البقرة(( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)) الحكمة من القصاص في معان بلاغية هي:
1 – جعلت فائدة القصاص عامة تشمل المجتمع كله ولم تقصره علي ولي الدم وحده( المجني عليه) بدليل قوله تعالي في بداية الآية(ولكم) فالقصاص ليس انتقاما لفرد ولكن للمحافظة علي حياة الجماعة والمجتمع المسلم كله.
2 – أطلاق لفظ(القصاص)علي العقوبة فيه حكمة أبلغ من العدالة لأن القصاص يتضمن المساواة بين الجريمة والعقوبة، مما يعد معه القصاص مانع قوي وسدا منيعا للجريمة، وبذلك يحيا المجتمع حياة هادئة هانئة مستقرة وتنعدم الجريمة في المجتمع، وهذه غاية لم تصل إليها النظم القانونية الوضعية حتى الآن، فالسياسة العقابية في أي نظام قانوني تهدف للمساواة بين الجريمة والعقوبة.
3 – يتبين من الآية أن حياة الجماعة في القصاص، لأن عدم وجود القصاص يؤدي إلي أهدار الدماء وكثرة القتل في المجتمع، مما يؤدي إلي الفوضى في المجتمع، مما يهدد حياة الجماعة ويهددها بالفناء.
4 – تشير الآية أن الحياة التي تستحق أن يطلق عليها حياة هي الحياة الهادئة المستقرة وهي التي تتحقق بالقصاص، والدليل علي ذلك أن كلمة (حياة) جاءت في الآية نكرة والتنكير هنا للتفخيم والتعظيم.
5 – أن هذه الحكمة البالغة والغاية العظيمة لا تدركها إلا العقول النيرة السليمة التي تعرف جيدا مصلحة الجماعة، فالخطاب في الآية الكريمة لأولي الألباب فقال تعالي(يا أولي الألباب) وهم أصحاب العقول التي خلصت وبرأت من الأهواء والشهوات.
6 – تعتبر هذه الآية ردا بليغا علي دعاة إلغاء عقوبة الإعدام، وتعضدها وتساندها وتؤكدها الآية(32) من سورة المائدة، لأن إلغاء هذه العقوبة يعني كثرة القتل في المجتمع وانتشار الفوضى مما يأتي إلي انهيار هذه المجتمعات، فلا خوف من الحرمان من الحياة وبذلك تنتشر الجرائم الخطيرة التي تهدد كيان المجتمع كله.
ننتقل إلي الآية(32) من سورة المائدة :(( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ))
هذه الآية نزلت في حادثة قتل قابيل علي يد أخيه هابيل أبني آدم، والعلاقة بينها وبين القصاص بيان الداء والعلاج معا فالداء هنا في حادثة القتل الحقد والحسد وفقد العواطف الإنسانية النبيلة عند القتل، مما يعني أن القاتل قطع كل الروابط التي تربطه بالجماعة بإقدامه علي القتل، مما يجعله عنصر تدمير وفساد في المجتمع، لذلك ينبغي أن يكون الدواء من جنس الداء عن طريق إبعاده عن المجتمع وحرمانه الحياة كما حرم المقتول من الحياة، لذلك يجب بتره من المجتمع.
والآية الكريمة تبين أن الاعتداء علي النفس هو الجريمة بدون تفضيل في الأنفس سواء أكانت نفس طفل أو رجل أو امرأة، كما لا يهم اللون أو المكانة أو الوظيفة أو الحسب والنسب، فمناط الحماية في الآية الكريمة هي النفس الإنسانية ذاتها، مما يدل علي أن الشريعة الإسلامية تحمي النفس الإنسانية ولا تهدرها بدون حق أو سبب، وتأكيدا علي ذلك جعلت الآية قتل نفس واحدة مساوية لقتل الناس جميعا فقال تعالي:( الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) التشبيه هنا يدل علي اهتمام الإسلام بالنفس الإنسانية وعظم جريمة القتل، فحق الحياة مقدس وهو حق ثابت لكل فرد في المجتمع بقدر متساوي، لذلك عدت الآية قتل نفس بمثابة قتل كل الأنفس وتعادل قتل الناس جميعا لأنه تعدي علي الإنسانية كلها.
وتأكيدا علي أن القصاص حياة قال تعالي في هذه الآية(وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) ويدل ذلك علي أن القصاص من القاتل يعني إحياء للحياة المجني عليه باحترام دمه وعدم ضياعه هدرا، وبالتالي تتحصن حياة كل نفس في المجتمع وتحمي وتحيى، لأن القصاص فيه ردعا عام للمجتمع فمن عرف أنه إذا قتل سوف يقتل فأنه يحفظ ويحافظ علي حياته وحياة غيره، وقد أشارت هذه الآية إلي الغاية الحقيقية من القصاص وهي المحافظة علي حياة الأفراد في المجتمع، هذا بشأن القصاص في القتل.
ولكن القصاص يوجد أيضا في الأطراف وليس في القتل وحده، وبينت ذلك ونصت عليه الآية(45) من سورة المائدة فقال تعالي((وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)).

~ ويبقى الأمل ...