عرض مشاركة واحدة
قديم 09-25-2010, 03:42 AM
المشاركة 431
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
النتائج المترتبة على الضبط الاجتماعي في كلا النموذجين:-
لما كان مفهوم الضبط الاجتماعي وطبيعته وخصائصه تختلف اختلافاً جوهراً نسبة لاختلاف الأسس والمنطلقات التي تبنى عليها الفلسفة العامة – فقد اختلفت النتائج التي تترتب على عملية الضبط الاجتماعي في كل من النظامين القرآني والغربي، ولأجل ذلك كانت النتائج التي ترتبت على الضبط الاجتماعي الغربي كالآتي:
- فقدت وسائل الضبط الغايات العليا التي يجب أن تهدف إليها.
- فقدت وسائل الضبط عنصر القداسة والإلزام عند الفرد الموجهة إليه.
- سادت روح النسبية وافتقدت المجتمعات إلى القواعد المعيارية الثابتة المتعالية.
- ازدادت حدة الخلخلة في المجتمعات وظهر الفساد وتفشت الرذائل والانحرافات حتى سعت المجتمعات إلى تقنينها وإجازتها.
- ساد الشعور بعدم الثبات في قواعد التجريم وأهملت حالة التطابق بين السلوكيات والمعايير فتآكلت المجتمعات.
أما في الإسلام فإن الأمر مختلف اختلافاً واضحاً ولهذا تميزت نتائج الضبط الاجتماعي القرآني بالآتي:
- إن حالة المطابقة بين السلوك والقواعد الخلقية المعيارية - التي يرجى الثواب عليها- إنما هي حالة طبيعية عند الفرد والمجتمع حيث أن المرتكز هو الإيمان الذي تغدو في إطاره حالات الانحراف شاذة ونادرة وبعيدة عن النمط العام.
- إن سيادة الأمن والانضباط والتواؤم الاجتماعي هي مكون أساس للمجتمعات المسلمة التي استجابت كلياً لعملية التزكية بما تحمل من أسس وقواعد، وهذه العملية إنما ترتكز على الروح الكلية للإسلام ولا تتأتى بالعقوبات والقوانين فحسب.
- إن أسس ومكونات الضبط في القرآن تؤدي إلى تهيئة الظروف النفسية والاجتماعية للأفراد والمجتمع حتى تطابق بين السلوك والمعايير، وهي كما تسعى لهذه التهيئة فإنها تسعى من جانب آخر إلى تجفيف منابع الشر والانحراف في النفس والمجتمع.
- أنشأ القرآن من النظم الاجتماعية ما هو كفيل بهذا الضبط المنشود، وذلك عن طريق آلية مستمرة لمتابعة التقيّد بالمعايير، مثل آلية الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضلاً عن المراقبة الداخلية للفرد.
- إن فلسفة النظام القرآني تقوم على التحصين والوقاية ودرء المفاسد، وليس هو نظاما علاجيا عقابيا يهتم بنتائج الأعمال ويغفل أسبابها، إذ أنه لا يلجأ إلى الحدود والعقوبات إلا في آخر المطاف وعند ظهور المفسدة المشهود عليها، ولهذا فإن هذا البناء لا يقوم على القوانين، بل إن أساسه المتين هو وجدان الفرد لا العقوبات القانونية.
- يتميز الضبط الاجتماعي في الإسلام بالثبات والمعيارية لا النسبية، كما يتميز بأنه إلهي المصدر، الأمر الذي يمنحه القداسة والاحترام عند أفراد المجتمع.
ولما كان الأمر كذلك فقد أحس الغربيون أنفسهم بإعجاز الضبط الاجتماعي الإسلامي في مستويات تزكية النفس البشرية وتهذيبها كما أحسوا بعجز نظامهم في الضبط الاجتماعي وفشله في هذه الجوانب إزاء النظام الإسلامي وإن لم يعترفوا بذلك صراحة، ويبدو ذلك واضحا في أنهم يجلبون شيوخاً مسلمين إلى عتاة السجناء المجرمين عندهم ليهذبوا أخلاقهم ويحسنوا طباعهم ويضبطوا سلوكهم ليعودوا مواطنين صالحين يأمن المجتمع شر جرائمهم، وهو أمر معتاد في السجون الأمريكية كما هو معروف.
ولا شك أن تميز نظام الضبط الاجتماعي في القرآن يكشف عن إعجازه في هذا الوجه المتفرد الذي لا تستطيع التشريعات الإنسانية أن تأتي بمثله أو تفضي إلى مثل نتائجه، ومن أحسن من الله حكماً وضبطاً وتنظيماً للمجتمعات.
يستقبل الدكتور طارق الصادق عبد السلام
تعليقاتكم حول المقالة على الإيميل التالي:
tarigimam2002@yahoo.com
الهوامش:
(1) سورة الإسراء الآية 89
(2) سورة يونس الآية 36-40
(3) القرطبي : الجامع لأحكام القرآن : تحقيق أحمد عبد العليم البردوني ط/3 دار الكتب المصرية1/1
(4) الطبري : جامع البيان 15/159
(5) سورة هود الآية 13
(6) الشافية 617 وانظر الجامع لأحكام القرآن 1/77.
(7) القرطبي : الجامع لأحكام القرآن : تحقيق أحمد عبد العليم البردوني ط/3 دار الكتب المصرية1/1
(8) الباقلاني : أبو بكر : إعجاز القرآن تحقيق محمد عبد المنعم خفاجة ط /الأولى دار الجيل بيروت 1991م ص 324.
(9) الجامع لأحكام القرآن 1/76.
(10) ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ط/ مكة 1404هـ. 33/43
(11) ابن كثير : البداية والنهاية 6/68.
(12) البغدادي: عبد القاهر: الفرق بين الفرق وبيان الفرق الناجية منهم تحقيق محمد زاهد الكوثري ط/1 القاهرة ص 143
(13) الشهرستانى : الملل والنحل 57.
(14) مصطفى صادق الرافعي : إعجاز القرآن ص151.
(15) رسائل الجاحظ 147 – 148.
(16) محجوب عبيد : أسس التأصيل الإسلامي في مجال العلوم الطبيعية ص 318"أوراق ندوة إسلام المعرفة".
(17) المصدر السابق.
(18) مثل البروفسير محجوب عبيد لاستعانة علماء الطبيعيات بغيبيات متخيلة بفرضية وجود جسيم النيوترون التي لوحظ فيها أن قدراً معيناً من الطاقة يختفي في بعض التفاعلات النووية دون سبب معلوم وللاحتفاظ بمبدأ "حفظ الطاقة" قدمت فرضية بوجود شيء غيبي ما يظهر عند حدوث هذه التفاعلات يختفي حاملاً معه الطاقة المفقودة وبتكرار التجارب حددت له خصائص عديدة توضح متى يتوقع ظهوره ومتى لا يتوقع وأصبحت هذه الفرضية متسقة مع كل التجارب وتوخذ في الاعتبار على أنها حقيقة لمدة عشرين عاماً قبل اكتشاف النيوترون تجريبياً وقد مثل البروفسير بأمور غيبية كثيرة يقتضيها التوفيق بين التجربة والمبدأ النظري " أسس التأصيل الإسلامي ص 328".
(19) قلدت العلوم الاجتماعية والإنسانية العلوم الطبيعية في كل شيء فشمل ذلك المنهج والفلسفة؛ بل والنظريات الجزئية أيضاً وقد دعا أوجست كونت إلى استخدام مناهج العلوم الطبيعية فعلى غرار نظرية دارون الطبيعية في النشؤ والارتقاء ظهرت نظرية الأصول الثلاثة التي زعم صاحبها أن المجتمعات تتطور من الدين والخرافة مروراً بالميتافيزيقا إلى الوضعية . وعلى غرار قانون الانتخاب الطبيعي بلور هر برت سبنسر نظرية اجتماعية يبرر بها الاستعمار وسحق الكادحين والضعفاء ما دام البقاء للأصلح . وعلى غرار قانون النسبية في الفيزياء بلور أميل دوركايم نظرية اجتماعية في نسبية الأخلاق يبرر بها الأخلاق الدميمة للمجتمعات " أنظر تجاني مصطفى : لماذا الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع ص 221"أوراق ندوة".
(20) أنظر محمد محمد أمزيان ، منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية 177-226.
(21) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 11/35 ، النبوات 45.
(22) سورة الذريات الآية 56
(23) سورة الأنعام الآية 162
(24) سورة التوبة الآية71
(25) سورة المائدة الآية 79
(26) سورة البقرة 256.
(27) سورة البقرةِ الآية 217
(28) سورة الإسراء آية 33.
(29) سورةِ النساء الآية 93
(30) سورة المائدة ِ الآية 32
(31) الجامع لأحكام القرآن 6/147.
(32) سورةِ البقرة الآية 179
(33) سورةِ َالمائدة الآية 90
(34) المقاصد العامة للشريعة الإسلامية 386.
(35) المرجع نفسه.
(36) سورة المائدة الآية 5.
(37) الشوكاني : نيل الأوطار 7/319.
(38) المصدر نفسه.
(39) الصنعاني : سبل السلام 4/28.
(40) سنن ابن ماجة1/593 حديث رقم 1846
(41) سورة الإسراء آية 32.
(42) قبل ما يقارب الأربعة عقود حكم قاضي بريطاني حكماً منافياً للعقل والفطرة على زوج ضبط زوجته مع صديق له فحكم القاضي على الزوج بوضعه تحت المراقبة لمدة ثلاث سنوات ، وقال القاضي للزوج معلقاً بعد ان حكم عليه :"يجب ان تعتاد هذه الأفكار العصرية ان مشكلتك أنك عنيف الفكر لم يعجبك أنّ زوجتك ضبطت متلبسة مع واحد من أفضل أصدقائك ، إنك الآن تعيش في عام 1969م" أنظر المقاصد العامة للشريعة الإسلامية لحامد يوسف العالم ص "397.
(43) أحمد محمد الحسن شنان قراءة في أزمة الأيدز لبروفسير مالك بدري مجلة تفكر مجلد 5 ع 2 2003م ص 173.
(44) سنن ابن ماجة 3/1333حديث رقم 4019
(45) سورة النور آية 2.
(46) صحيح البخاري 3/359حديث رقم2549 صحيح مسلم 3/1335
(47) مسند الإمام أحمد5/96 حديث رقم 20939
(48) سورةِ الأعرافَ 55
(49) سورةِ النور الآية 19
(50) السرخسي : المبسوط :9/38. في صحيح البخاري 3/949حديث رقم 2526صحيح ابن حبان 10/303حديث رقم4451 سنن ابن ماجة1/668 حديث رقم 2027سنن الترمذي15331 حديث رقم3179
(51) قراءة في أزمة الإيدز ص 178.
(52) المصدر نفسه.
(53) سورة النور آية 4.
(54) سورة المائدة آية 38.
(55) إعلام الموقعين 2/33.
(56) سورة المائدة آية 33.
(57) أنظر نيل الأوطار 7/161 ، والماوردي الأحكام السلطانية ص 62 والسياسة الشرعية لابن تيمية ص 73 ، وبداية المجتهد 2/495 وابن العربي : أحكام القرآن : 2/496.
المراجع:
- امزيان: محمد محمد: منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1991م.
- الباقلاني: القاضي أبو بكر: إعجاز القرآن تحقيق محمد عبد المنعم خفاجة ط /الأولى دار الجيل بيروت 1991م
- البغدادي: عبد القاهر: الفرق بين الفرق وبيان الفرق الناجية منهم تحقيق محمد زاهد الكوثري ط/1 القاهرة.
- البيضاوي: عبد الله بن عمر الشيرازي: تفسير البيضاوي: ط/ دار الفكر بيروت، سنة 1996م
- ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ط/ مكة 1404هـ.
- الحسني: إسماعيل: نظرية المقاصد عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور، ط الأولي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، أمريكا1995م.
- الخادمي: نور الدين بن مختار: الاجتهاد المقاصدي، حجيته، ضوابطه، مجالاته، سلسلة كتاب الأمة، وزارة الأوقاف، الدوحة 1419هـ / سبتمبر 1998م.
- الريسوني: أحمد: نظرية المقاصد عند الشاطبي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
- الشاطبي:أبو إسحاق: الموافقات، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد 1969م.
- عبد السلام: طارق الصادق: الضبط الاجتماعي في الإسلام، ط/1 دار الجنان الأردن، سنة 2004م.
- العالم: حامد يوسف: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، ط/ 1 المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1993م، وطبعة ثانية 1994م.
- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: تحقيق أحمد عبد العليم البردوني ط/3 دار الكتب المصرية
- ابن كثير: إسماعيل بن عمر: تفسير القرآن العظيم: دار الفكر 1981م

~ ويبقى الأمل ...