عرض مشاركة واحدة
قديم 10-16-2020, 12:51 AM
المشاركة 2081
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: مَجْمعُ الأمثال

.... سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ ....


ويروى " أَسْمِنْ "
قالوا : أول من قال ذلك حازم بن المنذر
الحمَّاني ، وذلك أنه مر بمحلة هَمْدَان فإذا هو
بغلام ملفوف في المَعَاوِزِ* ، فَرَحِمَه وحَمَله على
مُقَدَّم سَرْجه حتى أتى به منزله وأمر أمةً له
أن ترضعه ، فأرضعته حتى فطم وأدرك وراهق
الحُلُم ، فجعله راعياً لغنمه وسَمَّاه جُحَيْشاً ، فكان
يرعى الشاء والإبل ، وكان زاجراً عائفاً ، فخرج
ذاتَ يومٍ فَعَرَضَت له عُقَاب ، فعافها ، ثم مر به
غدَاف فزجره ، وقال :

تُخْبِرُنِي شواحِجُ الغُدْفَانْ
والخُطْبُ يَشْهَدْنَ مَعَ العِقْبَانْ**

أنّي جُحَيْشُ مَعْشَرِي هَمْدَانْ
وَلَسْتُ عَبْدَاً لِبني حَمَّانْ


فلا يزال يتغنى بهذه الأبيات ، وإن ابنةً لحازم
يقال لها رَعُوم هَوِيَت الغلام وهَوِيَها ، وكان الغلام
ذا منظر وجمال ، فتبعته رعوم ذاتَ يوم حتى
انتهى إلى موضع الكلأ ، فسرح الشاء فيه واستظلَّ
بشجرة واتكأ على يمينه وأنشأ يقول :

أمالَكَ أمٌّ فَتُدْعَى لَهَا
ولا أنتَ ذُو وَالِدٍ يُعْرَفُ؟

أرى الطَّيْرَ تُخْبِرُنِي أنَّنِي
جحيشُ وأنَّ أبي حرشفُ

يقولُ غُرابٌ غَدَا سَانِحاً
وشاهده جاهداً يَحْلِفُ

بأنِّي لهَمْدَانَ في غرّهَا
ومَا أنا جَافٍ وَلَا أَهْيَفُ

ولكنَّنِي مِنْ كِرَامِ الرِّجَالِ
إذا ذُكر السَّيِّدُ الأشْرَفُ


وقد كَمَنَتْ له رَعُوم تنظر ما يصنع ، فرفع صوته
أيضاً يتغنى ويقول :

يا حَبَّذَا رَبِيبَتِي رَعُومُ
وحَبَّذَا مَنْطِقُهَا الرَّخِيمُ

وَرِيحُ مَا يأتي بِهِ النَّسِيمُ
إنِّي بها مكلّفٌ أَهِيمُ

لو تعلمينَ العلمَ يا رَعُومُ
إنّي مِنْ هَمْدَانِهَا صَمِيمُ


فلما سمعت رَعُومُ شعره ازدادت فيه رغبة وبه
إعجاباً ، فدنت منه وهي تقول :

طارَ إلَيْكُمْ عَرَضَاً فُؤَادِي
وقَلَّ مِنْ ذِكْرَاكُمُ رُقَادِي

وَقَدْ جَفَا جَنْبِي عَنِ الوِسَادِ
أبيتُ قَدْ حَالَفَنِي سُهَادِي


فقام إليها جُحَيش فعانقها وعانقته ، وقعدا تحت
الشجرة يتغازلان ، فكانا يفعلان ذلك أياماً ، ثم
إن أباها افتَقَدَهَا يوماً وفَطِنَ لها فرَصَدَهَا ، حتى
إذا خرجت تبعها فانتهى إليهما وهما على سوأة، فلما
رآهما قال : سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأكُلْكَ ، فأرسلها مثلاً ،
وشدَّ على جُحَيش بالسيف فأفلت ولحق بقومه
هَمْدَان ، وانصرف حازم إلى ابنته وهو يقول :
مَوْتُ الحُرَّةِ خَيرٌ من العَرَّة ، فأرسلها مثلاً ، فلما
وصل إليها وجدها قد اختنقت فماتت ، فقال حازم :
هَانَ عَلَيَّ الثُّكْلُ لسوء الفعل ، فأرسلها مثلاً ، وأنشأ
يقول :

قَدْ هَانَ هَذا الثُّكْلُ لَوْلَا أَنَّنِي
أَحْبَبْتُ قَتْلَكَ بِالحُسَامِ الصَّارِمِ

ولقدْ هَمَمْتُ بِذاكَ لَوْلَا أَنَّنِي
شَمَّرتُ فِي قَتْلِ اللَّعِينِ الظَّالِمِ

فَعَلَيْكِ مَقْتُ اللهِ مِنْ غَدَّارَةٍ
وعَلَيْكِ لَعْنَتُهُ ولعنة حَازِمِ

وقال قوم : إن رجلاً من طَسْم ارْتَبَطَ كلباً ، فكان
يُسَمّنه ويطعمه رجاء أن يصيدَ به ، فاحتبس عليه
بطعمه يوماً ، فدخل عليه صاحبُه فَوَثَبَ عليه
فافترسه ، قال عوف بن الأحوص :

أَرَانِي وَعَوْفاً كَالمُسَمِّنِ كَلْبَهِ
فخدّشه أنيابه وأظافره


وقال طرفة :

كَكَلْبِ طَسْم وَقَدْ تَرَبَّبَهُ
يَعُلهُ بِالحَلِيبِ فِي الغَلَسِ

طَلَّ عَلَيهِ يَوْماً بِقَرْقَرَةٍ
إنْ لا يَلِغْ فِي الدِّمَاءِ يَنْتَهِسِ


* المعاوز : جمع معوز - بوزن منبر - وهو
الثوب الخلق

** الخطب : جمع أخطب ، وهو الصرد
والصقر