عرض مشاركة واحدة
قديم 09-25-2010, 12:48 AM
المشاركة 284
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والنظام الاقتصادي الحديث القائم على الربا، هو أول نظام من نوعه أنشأ الوضع الاقتصادي القلق في المجتمع، بتوزيع الثروات طريقة غير عادلة، وهذا النظام عاجز عن حل هذه المعضلة. وهاهم الاقتصاديون العالميون يعيدون الاعتبار لأسس وأصول الاقتصاد الإسلامي بل باتت المعاهد/ فضلا عن المصارف المالية في فرنسا وغيرها تدرس مقررات ، وتخصص نظما مالية تعمل وفق الشريعة الإسلامية، حيث لا ربا ولا مرباة ولا فائدة (حيث الفائدة صفر). قال عز وجل:" سنريهم آياتنا في الأفاق، وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" (فصلت: 53).
ولعل السطور القادمة تشير ـ على عجالة وإيجازـ لنماذج من إعجاز الهداية النبوية، وتشخيصها واستشرافها الحلول الجذرية للمشكلات الاجتماعية والحضارية.. المحلية والعالمية.
منهاج النبوة يحدد المأزق الاجتماعي/الحضاري الراهن:
قال صلي الله عليه وسلم: "يوشك أن تداعي الأمم عليكم كما تداعي الأكلة إلي قصعتها..قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال:" لا، بل أنتم كثير، لكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن". قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت" (رواه أبو داوود، وفي صحيح أبي داوود للألباني).
إنه تحديد دقيق مُعجز، ونقطة انطلاق للخروج من المأزق الاجتماعي الحضاري.. بكل أطرافه وأطيافه وأماكنه.. المحلية والعالمية. أمم متعدد تتكالب / تتداعي علي أمتنا (كتداعي الأكلة إلي قصعتها).. استخرابا، واستقطاعا من أراضيها، واستنزافا لثرواتها المادية والمعنوية في آن معاً. تدافعاً اجتماعياً/ حضارياً/ ثقافياً، بل لعله أحيانا وجودياً بين النموذج الإسلامي وغيره من النماذج. هذا التدافع بصوره المتعددة والمتنوعة والمتراكمة قد يدمر عالم أفكار الأمة، وقدواتها فضلا عن تبديد / استيراد عالم أشيائها.لذا كان هناك ثمة حوار استفساري من الصحابة الأبرار عن: العلة وأعراضها ومن ثم الحل. بيد أن الاستفسار ذهب إلي طريق "التفسير الكمي/ العددي/ الشخصاني" للمشكلة/ الأزمة الاجتماعية/الحضارية تلك. لكن الرسول صلي الله عليه وسلم صوّب الوضعية الحقيقية إلي عالم الكيف/ الأفكار/ النفوس: إنها وضعية " الغثائية" وعللها وتراكم معضلات "حب الدنيا وكراهية الموت"، وتنامي صور "الوهن" النفسي والاجتماعي والحضاري.
وهنٌ ينعكس علي العلم والإيمان والعمل ..الزاد الدائم للاجتماع والتحضر في سبيل السير إلي الله تعالي.
- ولعل (الوهن..حب الدنيا وكراهية الموت) ليتبدي في "المقالة التفاوضية المباشرة" من مبعوث الكفار "عتبة بن ربيعة" لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليثنيه عن دعوته بـ"إغراءات مادية كمية دنيوية زائلة" قال "عتبة": "يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرَّقت به جماعتهم، وسفهت أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفّرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني، أعرض عليك أمورًا، تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها، فقال عليــه الصــلاة والسـلام : (قل يا أبا الوليد، أسمع). قال: يا ابن أخي! إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً، جمعنا لك من أموالنا، حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد شرفًا سوَّدناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كان الذي يأتيك رئيًا من الجن لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُداوى.‏ فلما فرغ عتبة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقد فرغت يا أبا الوليد؟) قال: نعم. قال:(فاسمع مني). قال: أفعل. فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات من أول سورة فصلت إلى السجدة. فلما سمع عنه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليها، يسمع منه، فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها سجد، ثم قال: (قد سمعت يا أبا الوليـد ما سمعت، فأنت وذلك"(السيرة النبوية لابن هشام، ج1، ص:293-294).
- لقد كان جوابه صلي الله عليه وسلم لكفار قريش، وهم "يفاوضونه"، وذلك باستعمال وسائلهم الخاصة التي تنتمي إلى "الثقافة الاجتماعية التقليدية المادية":"وما جئت بما جئت به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا أملك عليكم، ولكن بعثني الله إليكم، وأنزل علي كتاباً، وأمرني أن أكون بشيراً ونذيراً فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه على أصبر لأمر الله ، حتى يحكم بيني وبينكم"(السيرة النبوية لابن هشام، ص:336).
- لقد دل القرآن الكريم على أن علل الأمم لها أسباب موضوعية، وعافيتها بتلافي تلك الأسباب:" فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض... وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون"(هود: 116-117). وقد بيّنت آيات أخرى هذه الأسباب: "وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها"(القصص:58).

~ ويبقى الأمل ...